ثقافه وفكر حر

إهداء من معلم مضرب، إلى قمة العقبة

عبد الرحيم زايد

قصة قصيرة جداً ..(رد أعتبار ..!!، بين ريتا وعيوني..!!)
( ..لأنني مسالم، ومرعوب، وأعتدت المسالمة.. فكعادتي، فقد تجنبتُ حمل حقيبة (الاتوب) خاصتي هذا الصباح، فأنا منذ مدة، أتجنبُ حمل كتب ودفاتر مدرسية أو دفتر تحضير أو أي شيءٍ شبيهٍ بمسطرة، أو مقص أظافر -ولا حتى ما يخص وظيفتي كمعلم مدرسة!-، وحين خرجت على عجل، توقفت فجأة عند باب البيت حين انتابني القلق، فعدت مرة اخرى إلى بيتي وخلعت سترتي الجلد رغم البرد، وتحسست نفسي مفتشاً أياي بدقة، متحسباً متجنباً وجود مسمار عارض، أو شفرة حلاقة، أو حتى قلم!. ثم خرجتُ من جديد، وتقصدت التشمير عن ساعدي لأظهر بمظهر المسالم البريئ، وأنني لا اخفي شيئاً، كما تقصدت فرد كلتا راحتي طوال الطريق!. وإذا ما اشتبهت بأنني ألمحُ مستوطناً أو جندياً في الطريق، كنتُ أقطعُ الشارع إلى الرصيف الأخر تجنباً للشبهات!. وحين اقتربت من الحاجز الإحتلالي المكتظ بالعابرين إلى الجهة الأخرى من بلادنا، مخترقاً ثقوب الوطن (الجبنة السويسرية)، من خلال ذلك الحاجز العنصري الدائم، كما تفعل جموع الناس إلى حيث اعمالهم، وكما يفعل التلاميذ واللأطفال إلى حيث مدارسهم، وككل الرجال والنساء إلى حيثُ شؤونهم!. ولأنني مسالمٌ متحسبٌ، فقد تقصدت أن لا ادخل في اللغط حيث فوضى التزاحم للدخول، وآثرت أن ابقى في مكان ظاهرٍ تماماً للجندي المراقب من فوق البرج قرب الحاجز، وفوق رأسي وفي مواجهتي مباشرة، وكنت اجتهد برسم علائم المسالمة والوداعة على وجهي ومحياي كعادتي!. كانت المجندة الحسناء، تدقق في هوياتنا بعنجهيةٍ ظاهره، بينما بقيةُ الجنود يدورون حولنا مراقبين ( وكأننا حيوانات سيرك في مسرحٍ اغريقيٍ قديم..!!) .. لمحتني المجندة وسط هذا الصخب، فألتقت عينانا قليلاً وكأنما التصقتا معاً، فتخيلتُ شبح ابتسامةٍ وادعة ترفرف على محيّاها، فابتسمتُ لها بعفويةٍ فدق قلبي قليلاً!، ورحت أنعم بلحظة السلام العابرة!.
وخلال ثانية واحدة اختزلت الوجود، لمحتُ مستوطناً بشع المحيَّا حاقد النظرةِ، يقترب من طفلة تقف مزوية قليلاً عن طابورنا، تقف إلى يساري تماما، ويلقي بجانبها سكيناً، فترن في أذني كأنها زعقة قدرٍ خادعٍ خائنٍ قذر، ثم يصيحُ بجنون هستيريٍ إحتفالي قاتل، وهو يقفز فوق الطفلة: – إرهابيه..!!، انها تحمل سكيناً، ويلقي بنفسهِ فوقها، فينهال الجنود عليها من كل حدبٍ وصوب، وهي مذعورةٌ وسط هذا الإغتيال المفاجئ!. ولم أراني إللا حين وجدتني بلمح البصر، أنقضُّ كالصقرِ على السكين بقربها -وكأنني زوربا اليوناني-، وأوغلُ بهم طعناً عن يمينٍ ويسارٍ، مخلِّصاً للطفلة من بين ايديهم..!!
تلك كانت افادتي عندما صحوت من غيبوبتي أو موتي في مكانٍ ما..!!، ربما مستشفى!، وربما مكان في سجن!، أو لعل أفادتي كانت لملائكة الرب في الآخرة..!!،- لا أدري!!- .. ولعلي الآن أنتظرُ المحاكمة، أو المحاسبة..!! )
عبد الرحيم زايد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق