مقالات
الطابع التاريخي لأحياء القدس أ.د. حنا عيسى – أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات
تقسم مدينة القدس المسورة إلى أربعة أحياء، أكبرها وأنشطها وأكثرها كثافة سكانية هو الحي الإسلامي الذي تبلغ مساحته أكثر من 76 دونما. أما الأحياء الثلاثة الأخرى: الحي المسيحي، والحي اليهودي والحي الأرمني فهي أصغر كثيرا.
يقع الحي الإسلامي من المدينة في الجهة الشرقية منها، ويمتد من باب العمود إلى الحرم الشريف ويطل على وادي قدرون.
يكتظ الحي بالأبنية ذات الطابع الإسلامي، ومن أهمها مسجد قبة الصخرة المشرفة ذات القبة الذهبية الساحرة، والمسجد القبلي الأقصى ذو القبة الرصاصية، تعد قبة الصخرة المشرفة جوهرة القدس، ويعدها البعض واحدة من عجائب الدنيا السبع.
بناها الخليفة العربي الأموي عبد الملك بن مروان، بين عامي 688-691م، وبقيت على الشكل نفسه حتى اليوم، وبنيت القبة فوق الصخرة التي صعد منه النبيمحمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء أثناء معجزة الإسراء والمعراج.
لهذا السبب تعد القدس ثالث أقدس مدينة لدى المسلمين بعد مكة والمدينة ومسجدها الأقصى المبني بين عامي 705-707م بعد الميلاد؛ ويعد ثالث أهم مسجد لدى المسلمين في العالم، وأول قبلة لهم في صلاتهم، ويعرف هذان المسجدان معا مع باقي الساحات والمصاطب والبوائك باسم المسجد الأقصى المبارك، وهو أولى القبلتين وثاني مسجد بني على الأرض وثالث مسجد تشد له الرحال، وهو أرض المحشر والنشر، وهو أرض الرباط الباقية ليوم الدين.
تضم مدينة القدس أكثر من ثلاثين مسجدا آخر داخل أسوارها، أهمها المسجد العمري الذي يقع مقابل كنيسة القيامة في الحي المسيحي بني هذا المسجد السلطان الأفضل ابن صلاح الدين سنة 1193م تخليدا لذكرى صلاة الخليفة عمر على مدخل الكنيسة سنة (636م)، أما المصلي المرواني الذي يطلق عليه البعض خطأ اسم إسطبلات سليمان فهو جزء لا يتجزأ من المسجد الأقصى نفسه. ويستخدم المسجد اليوم من قبل المسلمين للصلاة خاصة في أيام الجمعة وفي شهر رمضان، حيث يزيد عدد المصلين الوافدين إلى الأقصى في أيام الجمعة في رمضان عن نصف مليون، ويؤمونه من مختلف المناطق الفلسطينية.
ويمثل هذا المسجد شكلا آخر لفن العمارة الإسلامية من الفترة الأموية.
سميت حارة النصارى لأن أغلب سكانها من النصارى، تقع شمال غرب البلدة القديمة، وتمتد من درج باب خان الزيت وسط السوق وحتى باب الخليل غربا وسويقة علون من جهة الجنوب.
على الرغم من تسميتها بحارة النصارى غير أن أصحاب الدكاكين فيها غالبيتهم من المسلمين وتقع في الحارة كنيسة القيامة يقابلها مسجد عمر بن الخطاب.
منطقة سكنية قديمة في القدس ملاصقة لحارة المغاربة، كانت تملكها عائلة عربية تدعى عائلة شرف، وفي أثناء الانتداب البريطاني استأجر اليهود معظم الحارة وتملكوا حوالي 4% منها.
وقد هدمت هذه الحارة خلال حرب 1948 بين العرب واليهود، وخرج منها جميع السكان اليهود وبقيت على حالها خلال العهد الأردني، وفي عام 1967م احتل الإسرائيليون القدس وادّعوا امتلاكهم هذه الحارة. وطردوا ثلاثة آلاف من سكانها الفلسطينيين، ودمروا معظم منازلها وحولوا اسمها إلى حارة اليهود.
تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من المدينة المسورة، ويتم الدخول إليه من باب المغاربة، منذ أن احتلت إسرائيل القدس الشرقية عام 1967م واخذ هذا الحي يكبر ويتسع بسرعة على حساب الأحياء الأخرى، ويفصله عن المسجد الأقصى المبارك من الجهة الشرقية حائط البراق الذي هو جزء من السور الغربي للأقصى، ويبلغ طول المساحة المكشوفة منه 48 مترا تقريبا، وارتفاعه 17 مترا، وطول بعض حجارته 5 أمتار، وهو وقف إسلامي، يعود بناؤه إلى فترات تاريخية مختلفة، ولا آثار فيه لما يسمى بالحائط الخارجي للهيكل الأول أو الثاني الذي دمر سنة 70م، وأمامه رصيف أبعاده 36×3.5م، وهو ضمن أوقاف السادة المغاربة وهذا الحائط بالرغم من إسلاميته وكونه وقفا إسلاميا إلا أن اليهود (يدعون انه) الحائط الخارجي للهيكل الثاني (ويسمونه حائط المبكى)، وقد منع اليهود من دخول القدس منذ عام 70 ميلادي، إلا انهم زاروها خفية وبشكل فردي ومتفرق، وكانوا يقفون على جبل الزيتون لإلقاء نظرة على هيكلهم المهدم (المزعوم) بعد أن منعوا من دخول بيت المقدس كليا.
وفي ظل التسامح الإسلامي دخل اليهود بيت المقدس بالرغم من طلب البطريرك صفرونيوس عدم دخولهم المدينة كما جاء في العهدة العمرية، وكانوا يبكون عند الصخرة المشرفة.
وبعد بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة اخذوا يبكون عند حائط البراق دون تحديد لأي جهة من الحائط، ويقومون بالصلاة عنده وزيارته، أن زيارة الحائط والصلاة الفردية بجانبه كانت مستمرة في ظل التسامح الإسلامي مع أصحاب الديانات الأخرى، وكثيرا ما ادعى اليهود أشياء لم تكن لهم، تسامح لهم بها المسلمون، وسمح المسلمون لهم بزيارة الأماكن المقدسة الإسلامية والدخول إليها شرط الاحتشام والالتزام بقواعد الآداب العامة، وأشار بعض الرحالة والمؤرخين اليهود إلى مثل هذه الزيارات في القرنين العاشر والحادي عشر الميلاديين، وقد رجحت بعض المراجع أن مثل هذه الصلاة أقيمت تقريبا بين منتصف القرن العاشر الهجري، السادس عشر الميلادي وحتى منتصف القرن الذي يليه، وارتبط ذلك بعاملين:
وكانت صلاة اليهود، وبكاؤهم أمام حائط البراق دون إحضار أية أدوات معهم، واستمر ذلك في ظل تسامح المسلمين. ويتكون الحائط من عدة طبقات منالحجارة: الطبقات السفلى من الحائط والمبنية من حجارة هيرودية ضخمة، هي القسم المتبقي من أساسات معبد هيرودوس من القرن الأول قبل الميلاد.
أما الادعاء بانهذه الحجارة هي جزء من هيكل سليمان، فهو ادعاء غير صحيح إطلاقا، والطبقات العليا من الحائط جديدة، أضافها السيد مونتفيوري في أواسط القرن التاسع عشرالميلادي. الدخول إلى حائط البراق مجاني، ولكن هناك مراقبة أمنية مشددة على الزوار غير اليهود، وخاصة العرب منهم، ويمكن في الحي اليهودي رؤية الشارع الرئيسي لمدينة ايليا كابيتولينا الرومانية من عهد هادريان (الكاردو) وأربعة كنس يهودية ت متجديدها حديثا، وعدة متاحف أثرية….. الخ.
يقع جنوب غرب البلدة القديمة هو أصغر أحياء المدينة المقدسة، وأهم أبنيته كاتدرائية الأرمن وما يعرف بقلعة أو برج الملك داوود بمآذنها وأبراجها الجميلة، ويمثل حي الأرمن مدينة داخل مدينة، فهو يحتوي على مدارس ومكتبات ومعاهد تعليمية وكنائس، وأيضا أحياء سكنية خاصة بالطائفة الأرمنية وكلها منتظمة حول كاتدرائية القديس يعقوب الارثوذكسية من القرن الثاني عشر الميلادي، ويعتقد بان الجزء الأكبر من هذا الحي وخصوصا الجزء الواقع جنوبي القلعة وكذلك منطقة القلعة نفسها كانت في يوم من الأيام قصرا للملك هيرودوس.
الحجارة الضخمة في أسفل البرج هي أقدم جزء منه، ويقال إنها كانت جزءا من جدران القصر. تعرف القلعة اليوم باسم برج داود، ويبدو أن البيزنطيين هم أول من أطلقوا عليها هذه التسمية، تحكي القلعة والبرج تاريخ القدس، فالحكام الرومان لفلسطين من القرن الأول بعد الميلاد الذين عاشوا في قيسارية كانوا يستخدمون القصر كمكان لإقامتهم في القدس. وفي الفترة الصليبية أصبحالقصر مقرآ لإقامة ملك القدس الصليبي، وفي القرن الرابع عشر أضاف المماليك تحصينات القاعة التي ما زالت قائمة حتى اليوم.
أما المدخل التذكاري ومنصة المدافع فقد شيدها السلطان العثماني سليمان، والمئذنة أيضا بناها الأتراك عام 1655م. تحتوي القلعة اليوم على متحف المدينة الذي يحكي تاريخ مدينة القدس وتقدم فيه عروض مصورة على شاشات متعددة بالإضافة إلى برامج صوتية وضوئية يمكن رؤيتها طوال ساعات النهار. ويمكن الوصول إلى المتحف من باب الخليل، وهناك رسوم دخول إلى المتحف في حدود أربع دولارات.