مقالات

الرياضة في خدمة السياسة (2)

هاني الريس / الدنمارك

في منتصف حقبة سنوات التسعينات من القرن الماضي، عندما ازدهرت ميادين الحركة الرياضية وتطورت بشكل ملفت في عموم البلاد، مع بروز ظاهرة “رياضة البترول” التي انبثقت كأمر واقع من خلال تنامي الطفرة النفطية في البحرين والمنطقة منذ مطلع العام 1974 ونتيجة لدعم الدولة للقطاعات الرياضية والشبابية، وارتفاع نسبة مشاركة المنتخبات الوطنية البحرينية في الدورات والبطولات الاقليمية والقارية والدولية، وصار الاقبال على الانشطة الرياضية والشبابية يستهوي شرائح كثيرة من الجيل الشاب، أخذ يصعد جيل جديد من شباب الاسرة الحاكمة في البحرين لتبوء مواقع قيادية عليا في الحركة الرياضية والشبابية البحرينية، التي كانت في ما مضى من العقود والسنوات الطويلة حكرا على المواطنين العاديين، لاسباب تبدو انها تتعلق بنظرة الاستعلاء والكبرياء لدي أفراد الاسرة الحاكمة، الذين ظلوا على مر التاريخ يميزون أنفسهم عن باقي أفراد المجتمع، باعتبارهم “أسياد” البلاد، والقادة السياسيين الذين يرشدون الشعب ويرسمون بأقلامهم خرائط الحاضر والمستقبل لشؤون البلاد، ولذلك كانت أية مجالات أخرى اجتماعية أو رياضية أو شبابية أو ثقافية متعددة الجوانب والاتجاهات لا تثير أبداً أهتمامهم، ولاول مرة في تاريخ الاسرة الخليفية الحاكمة في البحرين، تمثل هذه الظاهرة موضوع محاكاة معلن للحركة الرياضية والشبابية في البحرين .

في تلك الحقبة بالذات، حاولت المؤسسة العامة للشباب والرياضة البحرينية، ومن قبلها أيضا المجلس الأعلى للشباب والرياضة، الذي كان يترأسه ولي العهد ووزير الدفاع حمد بن عيسى آل خليفة، أن تدفع ببعض الوجوه البارزة من أفراد الاسرة الخليفية الحاكمة، الذين يعتقد بأن لديهم حوافز وميول نحو الرياضة، إلى الواجهة الرياضية والشبابية البحرينية، تحت شعار ان وجود مناصب ادارية عليا “لكبار القوم” في البلاد داخل الاندية والاتحادات سيقود في المستقبل المنظور إلى تطوير مستويات الحركة الرياضية والشبابية بشكل أفضل والدفع بها إلى المستويات النجومية العالمية، ولهذا السبب ولغيره تسابقت عدة اندية واتحادات رياضية، على اختيارهم كرؤساء عاملين أو فخريين في مجالسها الادارية العليا، وذلك للاستفادة منهم ماديا وقيميا نحو تحسين أوضاعها الخدمية في ظروف الضغوط المالية الصعبة التي تعاني منها، وباعتبارهم بمثابة “غنائم مترفة” تلعب بالدور المزدوج للوجاهة والمال، وكان الآخرين الذين يرون أنفسهم بالقادة الطلائعيين داخل هذه الاندية والاتحادات ولديهم الحافز للوصول إلى القمة يخشون المنافسة معهم لانهم يعرفون جيدا ماذا سينتظرهم من مصير محتوم .

وكانت المؤسسة العامة للشباب والرياضة، وبتوجيهات من جهاز المخابرات البحرينية، بقيادة المرتزق البريطاني العميد المتقاعد ايان هندرسن، قد تبنت خطة محكمة للدفع برموز الاسرة الخليفية الحاكمة إلى واجهة المؤسسات الرياضية والشبابية في البلاد، بقصد احتواء الشباب وصرف انظارهم عن قضايا السياسة، مع السعي على تضييق الخناق على جميع الاندية والاتحادات الرياضية، التي لم تقبل بان ترشح أحدا من افراد الاسرة الحاكمة أو من الاشخاص المحسوبين عليها، وتمارس ضدها الضغوط الكبيرة، أوتحاول أن تعمل على حلها بقرار بقانون الاندية والجمعيات، أو أن تمنع عنها مصادر التمويل المالي، التي تقدمه السلطة البحرينية سنويا لدعم الاندية والاتحادات وبعض جمعيات النفع العام، ومثال على ذلك ما قد حدث مع الاتحاد البحريني لرفع الاثقال والتربية البدنية، التي قامت المؤسسة العامة للشباب والرياضة بمعاقبته وقررت حله مرتين، الاولى في العام 1979 والثانية في العام 1980 لان من كان يرأس الاتحاد في ذلك الوقت هو مواطن عادي، الدكتور عبدالهادي عيسى العالي، بطل لعبة رفع الاثقال في البحرين، وأحد المؤسسين الأوائل للاتحاد ـ وهو من غير المحسوبين على السلطة، أو على افراد الاسرة الحاكمة البحرينية، ولم تسمح المؤسسة العامة للشباب والرياضة بعودة الروح الى الاتحاد، الذي عانى كثيرا من الاهمال والتهميش من قبل المجلس الاعلى للشباب والرياضة وكذلك المؤسسة العامة للشباب والرياضة، إلا بعد مخاضات عسيرة من الاحتجاجات التي رفعتها الادارات المتعاقبة للاتحاد إلى المسؤولين في المؤسسة العامة للشباب والرياضة، احتجاجا على هذا التهميش وتقديم الاستقالات الجماعية المتكررة، وبعد فترة طويلة من الفراغ الاداري للاتحاد، تسلم الشيخ صباح بن دعيج آل خليفة (مدير ادارة المرور في وزارة الداخلية البحرينية في ذلك الوقت) زمام الامور في الاتحاد كرئيس واجهة صوري، حيث لم يكن هو نفسه الشخصية الرئيسية التي كانت تحرك الاوضاع داخل الاتحاد، ومن هنا حظى الاتحاد ليس فقط باسناد معنوي، وانما أيضا سمح له بالمشاركات الحضورية في بطولات رفع الاثقال وكمال الاجسام على مختلف المستويات العربية والاقليمية والقارية والدولية .

وبحسب، أحد المستشارين المعتمدين من قبل الحكومة البريطانية في البحرين، أن الامارة الصغيرة “البحرين” التي نالت استقلالها بشكل متأخر، باتت اهتمامات مشايخها ـ حكامها ـ تتزايد بعمق نحو الرياضة بهدف اشغال الشباب بها والابتعاد بهم عن قضايا السياسة، إلى درجة انهم أخدوا يصرفون ملايين الدولارات من أجل انتداب المدربين البريطانيين والامريكان لتولي مهام التخطيط والارشاد لمختلف المشاريع والبرامج الرياضية والشبابية للمستقبل .

وفي مقال موسع نشرته جريدة “الاضواء” البحرينية التي كان يرأسها الصحفي المرحوم محمود المردي، في العام 1984 حول مستقبل الحركة الرياضية والشبابية في البحرين:” أن المؤسسة العامة للشباب والرياضة البحرينية، كانت قد رصدت أموال هائلة للغاية ومفتوحة، من أجل العمل على اعداد كوادر وقيادات بحرينية موهوبة لقيادة الحركة الرياضية والشبابية في البلاد، ومنها قرابة ستة ملايين دينار بحريني ظلت تصرف سنويا على خبراء الاكاديمية الرياضية الامريكية العاملين في مجال تدريب واعداد وصقل المواهب والكوادر الشابة البحرينية، والتي كانت قد كشفت عنها المعلومات السرية الاستخبارية الامريكية، في فترة لاحقة على أن الغالبية الساحقة من هؤولاء الخبراء كانوا يعملون كضباط ومستشارين أمنيين في داخل القواعد العسكرية البحرية الامريكية المرابطة في الخليج العربي، ويتجسسون لصالح أجهزة المخابرات الامريكية والبريطانية، ولذلك فانه لم يكن باستطاعتهم أن يحدثوا أي تغيير مهم وملفت في الشأن الرياضي والشبابي البحريني، ولم تجد الرياضة البحرينية حتى الآن طريقها للصدارة في البطولات القارية والدولية .

وفي لقاء صحفي نشرته مجلة “الملاعب” البحرينية الاسبوعية، التي أسسها الشيخ خالد بن خليفة آل خليفة، الرئيس الاسبق لنادي الرفاع الغربي الرياضي والثقافي، مع رئيس الاتحاد الرياضي البحريني لكرة السلة الشيخ علي بن خليفة آل خليفة (نجل رئيس مجلس الوزراء البحريني الراحل خليفة بن سلمان أل خليفة) في العام 1978 حول المستقبل المنظور للحركة الرياضية البحرينية، الذي يمكن أن تلمس نتائجه في ظل عمل مجموعة خبراء الاكاديمية الرياضية الامريكية في البحرين، قال:”انه بعد مضي فترة طويلة من الوقت على انتداب الخبراء الرياضيين الامريكان في البحرين، لم تشهد الحركة الرياضية البحرينية أي تطور ملموس يمكن أن يرقى إلى مستوى الاهداف والتطلعات الطموحة التي كنا نأمل بتحقيقها على أرض الواقع، من خلال عمل ونشاط خبراء الاكاديمية الامريكية، وتسائل في سياق حديثه، أين الخبرة العالية التي كنا نتوقعها من هؤولاء الخبراء؟ وأين مسائل التدريب والتأهيل بالنسبة للكوادر البحرينية؟ وأين نتائج الخطة الخامسة التي وضعها المجلس الاعلى للشباب والرياضة تحت تصرفه منذ أكثر من 10 سنوات متتالية لاعداد وتدريب تلك المواهب والنهوض الحقيقي والفعلي بمستويات الالعاب الرياضية المتعددة في البحرين؟

وكانت هذه في الحقيقة أول مرة يدلي من خلالها مسؤول كبير من أفراد الاسرة الخليفية الحاكمة في البحرين، بتصريح خطير ينتقد فيه بعض الخطط والبرامج الرسمية المشوهة التي ظل ينتهجها المجلس الاعلى للشباب والرياضة نحو مستقبل الحركة الرياضية والشبابية البحرينية، وكذلك الاموال الطائلة والمفتوحة، التي ظل ينفقها المجلس على خبراء الاكاديمية الرياضية الامريكية في البحرين، الذين أثبتوا في مابعد فشلهم وعدم أهليتهم وصلاحيتهم كخبراء رياضيين ماهرين، وبالتالي عدم قدرتهم على تأسيس جيل جديد ومتطور من المواهب الرياضية الشابة البحرينية، وكذلك إعداد المدربين الاكفاء والقادة الاداريين المهرة في مختلف الاندية والاتحادات الرياضية البحرينية .

و في العام 1974 كانت قد وضعت السلطة الخليفية الحاكمة في البلاد، تحت تصرف المجلس الاعلى للشباب والرياضة، الذي كان يرئسه ولي العهد ووزير الدفاع حمد بن عيسى آل خليفة، و أبن عمه عيسى بن محمد آل خليفة (سفير سابق في الرياض) أموال طائلة تقدر بأكثر من 30 مليون دولار امريكي، وقد ساهمت المملكة العربية السعودية بتسديد القسط الاكبر من تلك الاموال، وذلك من أجل أن تصرف بكاملها بحسب ما تضمنه مشروع الخطة الخمسية، التي وضعته الاكاديمية الرياضية الامريكية ومعهد البحرين الرياضي، من أجل اعداد وتنمية وصقل المواهب الشابة البحرينية في مختلف ميادين الحياة الرياضية العامة، وبعض جوانب البرامج التأهيلية العالية، التي أعدتها الاكاديمية الرياضية الامريكية في البحرين ومعهد البحرين الرياضي، حول الضرورة الملحة لتطوير وانشاء عدد من الاندية الرياضية النموذجية والملاعب المزروعة بالعشب الاخضر والصالات المغلقة في العاصمة المنامة ومدن ومناطق أخرى، وكذلك طال جزء مهم من رصيد هذه المصروفات جيوب عدد من المنتفعين واللاهثين وراء المناصب الادارية العليا في نطاق الاندية الرياضية والاتحادات .

وكان من المعروف أنه قبل العام 1983 لا يوجد هناك أي ملعب رياضي نموذجي بحسب المواصفات الدولية في البحرين، ولكن المملكة العربية السعودية، قد قامت بتشييد استاد البحرين الرياضي، وهو كان جزء من مشروع مدينة رياضية كبيرة كانت المملكة السعودية تنوي تنفيذها في البحرين، دعما للنشاط الرياضي، وكانت قد قدرت تكاليف هذا المشروع بحوالي 7 مليون وخمسمائة الف دينار بحريني، وهو عبارة عن ملعب مزروع بالعشب الاخضر الطبيعي، وكان قد تم جلبه خصيصا من ولاية كاليفورنيا الامريكية وبسعر خيالي في ذلك الوقت، وبالاضافة إلى هذا كله كانت المملكة السعودية قد ساهمت إلى حد كبير في تمويل مشاريع رياضية في البحرين، ودفع أكثر من 8 ملايين دينار بحريني سنويا على خبراء الاكاديمية الرياضية الامريكية في البحرين، وعدد من المدربين والمستشاريين الرياضيين البريطانيين والفرنسيين والالمان، المنتدبين من قبل المجلس الاعلى للشباب والرياضة البحريني .

ومنذ بداية العام 1974 كانت قد بدات انظمة دول مجلس التعاون الخليجي ومنها البحرين، تتسابق في ما بينها على طرح شعارات رنانة للتنمية الاجتماعية المتعددة وتحاول أن تنشأ مراكز عامة للشباب وتشييد الاندية الرياضية النموذجية على طراز الاندية الغربية، وتقوم باعداد المنتخبات الرياضية للمشاركة في البطولات القارية والدولية حتى اصبحت ميادين الرياضة والشباب هي الشغل الشاغل بالنسبة لحكام دول المجلس ـ بحسب ـ تصريح صحفي أطلقه الشيخ حسن بن عبدالله آل الشيخ، وزير التعليم العالي في المملكة السعودية، في جريدة (اليوم) السعودية اليومية، في شباط/ فبراير 1985 حيث قال في هذا التصريح:” أن الميادين الرياضة الخليجية، وبخاصة في مجال لعبة كرة القدم، أصبحت اليوم هي الغالبة على كل شيء، وبمثابة “هم” كبير بدأ يشغل كل أوقات الشباب وأخذ يبتعد بهم بعيدا عن انشغالهم بامور الحياة والدين والمجتمع” .

الحلقة القادمة .. تصاعد موجة المراقبة الامنية المشددة والصارمة على جميع الانشطة الرياضية والشبابية، وكذلك الحركة النقابية والطلابية البحرينية، وقرار حكومي رسمي باغلاق أندية الديه وأبو صيبع وجمعية التوعية الاسلامية في الدراز بالشمع الأحمر .

هاني الريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق