بدأ الحجاج المسيحيون من الروس زيارتهم لفلسطين في القرنين السادس والسابع. وأول تقرير خطي لحاج روسي يعود الى سنة 1062 اذ دون راهب اسمه فارلام (Varlam) اخبار رحلته وحجه الى الأماكن المقدسة. لكن حاجا هو الراهب دانيال (Daniel) الذي زار البلاد المقدسة في القرن الثاني عشر خلّف وصفا مفصلا دقيقا لرحلته الى فلسطين والاماكن المقدسة التي زارها. وكتابه يعتبر مصدرا رئيسا لتاريخ لعبت روسيا (الاتحاد السوفياتي لاحقا) دورا في التنافس الاوروبي على الحضور في المشرق فلسطين في تلك الفترة. وقد ترك شمعة لتنار باستمرار في كنيسة القبر المقدس باسم “الروسيا كلها”. ولم تكن الزيارة لروسي الى فلسطين في تلك الايام امرا يسيرا. الطريق طويل وقد يتعرض الحجاج الى مضايقات على ايدي بعض الامراء المعادين لروسيا او لمجرد ان هؤلاء الامراء يحاولون ابتزاز الحجاج مما قد يحملون معهم من نقد او سلع للاتجار بها سدادا لنفقات رحلة الحج الطويلة. لكن الحجاج من روسيا وسواها من البلدان الاوروبية كان يتحملون ذلك رغبة منهم في الوصول الى بلد السيد المسيح.
ولما احتل الاتراك العثمانيون القدس سنة 1516، انتقل بطريرك القدس الى استنابول ليكون في حمى البطريرك المسكوني، وهو اول البطاركة الارثوذكس رتبة. وتبع بطريرك القدس بطريرك انطاكية. وهكذا أصبح الارثوذكس وليس لهم من يعنى بأمرهم مباشرة. وكل ما تم هو ان البطريرك المسكوني عقد اتفاقا مع الدولة بحيث أصبح في امكانه ان يتقدم الى الباب العالي في حال وجود شكوى من سوء معاملة الحكم المحلي في سورية وفلسطين للطائفة الارثوذكسية.
وكان الحجاج المسيحيون، بقطع النظر عن بلادهم، يلقون الامرّين على ايدي الامراء المحليين، الذين لم تكن الحكومة العثمانية في وضع يمكنها من ردعهم بسبب نوع الادارة العامة.
وكان موقف الساسة الروس الابتعاد عن التدخل في هذه القضايا، خشية ان تثار شكوك الدول الاوروبية في النيات الروسية. فضلا عن ذلك، فان اي تدخل من ناحية السلطات الروسية قد يثير رجال الدين اليونان الذين اصبحت لهم سلطة على ارثوذكسيي تلك البلاد. وظلت كل القضايا المتعلقة بالبلاد المقدسة واولئك الذين يقصدونها في يد المفوض الروسي في اسطنبول.
وعلى كل فبسبب من إلحاح الكنيسة الروسية افتتحت قنصلية روسية في يافا سنة 1820، اذ ان يافا كانت الميناء الذي يؤمه الحجاج من اجل الوصول الى القدس.
وبعد هذه الخطوة بفترة وجيزة طلب من السفير الروسي في العاصمة ان يبحث مع السلطات التركية قضية سلامة الحجاج وانشاء مراكز روسية يمكن ان تستقبلهم. وفي السنة 1841 وافق المجلس المقدس الروسي ووزارة الخارجية الروسية ان يُنتدب الارشمندريت سيرل (Cyril) لزيارة فلسطين. كان المطلوب منه مسح ظلامات المسيحيين العرب الارثوذكس والبحث في السبل التي تؤمن للحجاج الروس السلامة في سيرهم وترحالهم. لم يكن لهذا الرسول، سيرل، اية صفة رسمية. فقد طلب منه ان يذهب ويتنقل كحاج، ومنح مرتبا زهيدا قيمته 1200 روبل شهريا، كان عليه ان يقيم في الاديرة اليونانية وطلب منه ان يحسن العلاقات مع بطريرك القدس اليوناني (الذي كان عاد الى منصبه في القدس). الا ان الارشمندريت الذي لم تكن له اية صفة رسمية والذي لم يُعن لا ماليا ولا بدعم سياسي، رأى انه لم يستطع ان يقوم بعمل مهم فعاد الى روسيا وكان الذي تم على يديه لا يكاد يستحق الذكر.
في السنة 1843 بعد ان درس المجمع المقدس عددا من رجال الدين، اختار الارشمندريت بورفيري (Porphiri) الذي كان عالما كبيرا والذي قبلت به وزارة الخارجية ليترأس وفدا صغيرا ليقوم بالامر الذي لم ينجح به سلفه بالقيام به. وحري بالذكر ان هذا الامر تم بعد ان كان المطران الكساندر (Alexander) قد عينته لندن على انه اول مطران انجيلي (بروتستانتي) في القدس. وقد زود الارشمندريت الجديد بتعليمات كبيرة تقيده، وأعطي المرتب الوضيع نفسه، الا انه حمل معه مالا لمساعدة العرب (الارثوذكس) المحتاجين وقد طلب منه ان يقيم قداديس عل الطريقة الروسية في القدس بحيث “يظهر القداس الروسي على أبهى ما يمكن”. الا ان الارشمندريت بورفيري، على رغم نقص المبالغ اللازمة والقيود التي فرضت عليه في روسيا، نجح في تمتين صلاته بالبطريرك المقدسي، وفي كسب ثقة عدد من العرب الارثوذكس. وقد شعر الكثيرون من الروس بحاجة هؤلاء القوم للمساعدة بحيث بدأوا يتبرعون بالمال في سبيل هذه القضية. وقد تلقى الارشمندريت هذه التبرعات وابتاع بها ارضا لبناء المدارس والكنائس وأماكن لاستقبال الحجاج.
واذ تم له ذلك عاد الى روسيا ليوضح ما تم وتعداد انواع المساعدة المطلوبة، ولفت اصحاب الحل والعقد على ان عددا من الارثوذكس أصبح يتنقل الى كنائس مسيحية اخرى، اذ انها تقدم مساعدة مجزية ونافعة. في السنة 1848 عاد بورفيري الى فلسطين برفقة جماعة من الرهبان الروس. وقد قام هؤلاء بتأسيس معهد ديني لتدريب معلمين للشؤون الدينية. وقد تعلم فيه الطلاب اللغات العربية واليونانية والروسية واللغة السلافوتية القديمة، لانها كانت تستعمل في القداس الروسي. وقد تقبل العرب هذا العون من الكنيسة الروسية الارثوذكسية. ومع ازدياد عدد الحجاج الروس ازدادت التبرعات وبذلك أصبح في إمكان الارشمندريت وجماعته توسيع اعمالهم ومساعداتهم.
وقد توقفت اعمال المؤسسات الروسية اثناء حرب القرم (1853-1856) كما طردت الحكومة العثمانية رجال الدين الروس.
الا انه بعد انتهاء القتال وفي السنة 1857 قرر المجلس المقدس للكنيسة الروسية ارسال بعثة الى فلسطين اهم من سابقاتها. وكانت مهمة البعثة ان تؤسس في فلسطين تمثيلا رسميا لروسيا في كنيسة القبر المقدس وفي البلاد المقدسة. وقد شملت البعثة الارشمندريت بورفيري وعددا من الرهبان وبعض المبعوثين المدنيين.
وقد اختير واحد من مدرسي كلية اللاهوت في اكاديمية بطرسبورغ ليترأس البعثة، وقد سيم أسقفا (مطرانا) لأبرشية روسية، وبذلك أصبح للبعثة صفة خاصة. ومن الغريب انه اثناء مروره باستنبول حاول البطريرك المسكوني وسفير روسيا إثناءه عن المسير نحو فلسطين. لكن المطران لم يُثن عن عزمه في الاستمرار بالقيام بمهمته. ولما دخل القدس لقى ترحابا صاخبا قام به العرب الارثوذكس والحجاج الروس الذين كانوا هناك. ومن ثم، فان البعثة الروسية الكنسية ثبتت اقدامها. فقد اعترفت بها الحكومة العثمانية على انها مستقلة عن البطريركية الارثوذكسية. وقد اقام افراد البعثة في أديرة يونانية، لكن مخططا كان في طريق الوضع لإقامة مبنى كبير يحتوي على دار لإقامة القنصلية الروسية والبعثة الكنائسية ودار اخرى كبيرة لاقامة الحجاج وأماكن عيادات طبية وتمريض لهم.
وقد عرفت مجموعة المباني المذكورة، وكذلك الابنية المماثلة في الناصرة، باسم مجمل هو المسكوبية، لأن الروس كانوا يلقبون في ديارنا بالمسكوب، نسبة الى مدينة موسكو التي اسمها الاصلي بالروسية هو المسكوب.
وقد نجحت البعثة في استمالة العرب الارثوذكس اليها، فلم يخرجوا عن طاعة البطريركية الارثوذكسية.
عاد المطران سيرل الى روسيا سنة 1964، وخلفه في منصبه الارشمندريت ليونيد الذي تم في ايامه انتقال البعثة الى منازلها، الا ان المرض أرغم الارشمندريت على التخلي عن عمله وخلفه الارشمندريت انطونين كابوستين.
كانت الحملات التبشيرية الكاثوليكية والانجيلية (البروتستانتية) قائمة على قدم وساق ومن ثم فقد كان على البعثة ان تقوم بدور لم تكن الحكومة الروسية تقبل به. الا ان الشعب الروسي تقدم بالتبرعات السخية من اجل القضية الارثوذكسية العربية.
وقد توتّر الجو السياسي خلال عقد الخمسينات بين تركيا وروسيا بسبب من حركات التحرر التي كانت قائمة في اليونان وصربيا ومقدونيا، ضد الدولة العثمانية. الا ان معاهدة سيباستبول (1857) اعادت الامور الى نصابها.
الا ان العامل الاساسي في تغطية نفقات الاعمال كان التبرعات التي قام بها الشعب. الا ان اهتماما خاصا بدا نحو هذه الاعمال من جانب الدوق سرْج، شقيق الامبراطور ألكسندر الثالث، لما زار البلاد المقدسة، وقد أعجب بالعمل الذي تقوم به البعثة بقيادة الارشمندريت انطونين. فلما عاد الى بلاده أسس جمعية خاصة تحت اشرافه لتقوم بجمع المال اللازم من مصادر خاصة.
وقد انشئت جميعة سميت الجمعية الفلسطينية الارثوذكسية، والتي حافظت على اسمها دوما. وكان رئيسها الدوق سرج نفسه. وهذه كانت ترمي الى اسداء العون للكنيسة الروسية في فلسطين، وان تبتاع الاراضي والآثار المرتبطة اصلا بتاريخ الكتاب المقدس. كما اهتمت الجمعية ايضا باثار فلسطين.
كانت البعثة الكنسية الروسية في القدس جادة في القيام بالأعمال المختلفة، فمما عنيت به شراء اراض يمكن استثمارها زراعيا، وبعد فترة وجيزة كانت الكنيسة الروسية والجمعية الفلسطينية الارثوذكسية قد تملكت ابنية وأراضي صالحة لزراعة الكرمة: مثلا دير روسي على جبل الزيتون وكنيسة الصعود، ودير للراهبات شرقي القدس وبيارات للاثمار الحمضية في يافا، وهذا على سبيل المثال.
في السنة 1889 اخذت الجمعية على عاتقها العناية بالحجاج والمؤسسات التربوية. وقد تطورت الأمور بسرعة بحيث انه في سنة 1907 تحملت هذه الجمعية مسؤولية ثمانين مدرسة كان يتعلم فيها نحو 10000 تلميذ. وكان بين المعاهد التربوية الرئيسة دار للمعلمين (سمنار) في الناصرة ودار للمعلمات (سمنار) في بيت جالا. وقد اتسعت بيوت الحجاج لخمسة الاف حاج.
ويعود فضل كبير الى افراد العائلة المالكة، وهم كثر، الذين كانوا يتبرعون بمبالغ كبيرة لهذه المؤسسات. لكن دخول تركيا الحرب الى جانب المانيا ادى الى إقفال كل المعاهد العلمية الروسية.
وكان قيام الثورة البلشفية سنة 1917 امرا ضارا بالعمل الروسي، اذ ان الحكومة الجديدة لم تنظر بعين الرضا الى مثل هذه الامور، ما دامت كانت قد حاربت الكنيسة في روسيا نفسها.
عند نهاية الحرب العالمية الاولى (1918) احتلت بريطانيا فلسطين، وعهد الى هذه الدولة بالانتداب على فلسطين، الوضع الذي استمر قرابة ثلاثين سنة. وقد اعترفت حكومة الانتداب بشرعية البعثة الكنسية الروسية خارج روسيا، وباعتبار البعثة الكنسية الروسية في فلسطين جزءا منها. وقد استمر الوضع على هذا الحال وفيه تمتعت البعثة في فلسطين بحرية العمل، لكن الموارد المالية كانت محدودة.
هذه هي حكاية العناية الروسية الخاصة، وغير الرسمية بالوضع الارثوذكسي في فلسطين. حري بالذكر ان البطريركية الارثوذكسية في القدس، وقد كانت يونانية رئاسة وفي اخوية القبر المقدس، لم تكن تهتم بالطائفة بما فيه الكفاية. فلجأ ابناء الطائفة الى المدارس التبشيرية الاخرى، الا من انقذته العناية الروسية. اذ ان كثيرا من خريجي دار المعلمين في الناصرة، أرسلوا الى روسيا للتخصص في الشؤون الدينية والادبية.
هؤلاء الخريجون المحليون واهل البعثات، يعود إليهم الفضل في نقل الأدب الروسي “رأسا” الى العربية، لا كما كان يحصل في مصر، اذ ينقل هذا الادب عن ترجمة انكليزية او فرنسية!
روسيا وفلسطين
ان العلاقات الفلسطينية – الروسية هي علاقات تاريخية ووطيدة وان لروسيا دورا مهما في إحلال السلام وإقرار الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا الفلسطيني في إقامة دولة فلسطين المستقلة على كامل حدود عام 1967.. ومما يدعم ما ذكر اعلاه من حقائق على الأرض بأنه في فلسطين تأسست الجمعية الأرثوذكسية الفلسطينية في عام 1882، وبعد سنوات قليلة ظهرت كلمة جديدة في تسمية الجمعية وهي” الإمبراطورية” وأصبحت تسمى بالجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية.
في عام 1918 تغير اسمها إلى الجمعية الفلسطينية الروسية، وفي عام 1992 أعيدت التسمية التاريخية وهي ” الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية ” بناء على قرار رقم N2853-1 الصادر عن مجلس الدوما الأعلى للاتحاد الفيدرالي الروسي بتاريخ 25/5/1992, تم اعتماد الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية كمنظمة روسية دولية هدفها بالدرجة الأولى مساعدة روسيا في تقوية وتطوير علاقاتها بشعوب الشرق الأوسط في كافة المجالات الدبلوماسية، العلمية، الثقافية، الدينية والاجتماعية.
في البداية الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية اعتبرت كمؤسسة تهدف إلى أعمال خيرية، علمية وثقافية أهدافها الأساسية:
1- جمع وتطوير ونشر المعلومات في روسيا عن ألاماكن المقدسة في الشرق.
2- مساعدة وتشجيع الحجاج الأرثوذكسيين في الوصول إلى هذه ألاماكن.
3- تقوية ودعم الطائفة الأرثوذكسية بين السكان المحليين.
4- تنفيذ الدراسات والأبحاث العلمية حول تاريخ وآثار فلسطين.
5- تأسيس المدارس، بناء المستشفيات وبيوت الحجاج.
6- تقديم المساعدات المادية إلى السكان المحليين، الكنائس، الأديرة ورجال الدين.
ساهمت الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية مساهمة كبيرة في تطوير الاستشراق. فقد استقطبت العديد من علماء روسيا والباحثين بالشؤون الفلسطينية والشرقية وتجلى ذلك في مطبوعاتها المختلفة والتي كرست تاريخ وثقافة شعوب الشرق الأوسط بشكل عام وفلسطين بشكل خاص. ضمت الجمعية الفلسطينية في عضويتها العديد من العلماء والاكادميين المعروفين وشخصيات بارزة.
يعود الفضل في تأسيس هذه الجمعية إلى المؤرخ المستشرق نيكولايفتش خيتروف، زار ختيروف فلسطين مرتين قبل إعلان تأسيس الجمعية عام 1882، وبعده زارها ست مرات وحتى عام 1903 شغل منصب سكرتير الجمعية. ونتيجة زيارته تأكد من ضرورة التواصل مع الشرق الأوسط والحفاظ على مصالح روسيا بالمنطقة. وكان لمقالاته بعنوان” طائفة الأرثوذكس في الأراضي المقدسة” و”المجموعة الفلسطينية الأرثوذكسية” عام 1881 أثر كبير في موافقة الحكومة الروسية على تأسيس الجمعية بتاريخ 21/5/1882 في مدينة سانت بطرسبرغ.
اهتمت الجمعية بالتعليم ولهذا افتتحت أكثر من 50 مدرسة والتي وفرت التعليم لأكثر من 5000 شخص. وبعد ذلك تضاعف العدد وكثرت المدارس ورياض الأطفال في مختلف مناطق فلسطين ومنها مدارس في القدس وكفر ياسيف والناصرة والمجدل والرامة وبيت جالا وغيرها. أحضرت الجمعية معلمين ومدرسين من روسيا إلى فلسطين ولعدم قدرة هؤلاء المعلمين على العيش لفترات طويلة والتاقلم مع طبيعة حياة الناس المحليين قامت الجمعية بافتتاح العديد من دور التأهيل وتدريب المعلمين المحليين فمثلا تم افتتاح دور المعلمين في الناصرة وبيت جالا عام 1890.
كانت ترسل الجمعية مفتشين من روسيا للتأكد من سير العملية التعليمية في المدارس الروسية في الأراضي المقدسة. ضمن المواد التي درست في المدارس الروسية كانت اللغة الروسية والشعر الروسي.
أنشئت الجمعية العيادات، المراكز الصحية والمستشفيات لعلاج الحجاج الروس وعلاج السكان المحليين في مدن: القدس، الناصرة، بيت لحم، وبيت جالا. كما وفرت الأدوية المجانية فيها. حيث قدمت العلاج لعدد يقارب 60000 شخص في السنة وكان أول مستشفى روسي في القدس عام 1863.
ومع بداية الحرب العالمية الأولى عام 1914 وبدء الثورة في روسي، توقف نشاط الجمعية التعليمي والتنويري في فلسطين. وعقد مؤتمر للجمعية في بطر سبورغ واتخذ قرار بوقف النشاط التعليمي حتى انتهاء الحرب في سوريا وفلسطين.
وفي عام 1976 افتتحت في موسكو ممثلية لمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم سفارة بعد اعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، حيث كان جميع الممثلين الفلسطينيين في موسكو “فوق العادة وكاملي الصلاحيات” وكذلك الممثلين الروس لدى منظمة التحرير الفلسطينية.
لقد عرف الروس الشرق الاوسط وسكانه منذ زمن بعيد، وكانت لديهم معلومات عن المستعمرات الاغريقية سوروز وخيرسونيس، هذه العلاقات سبقت امتداد المسيحية الى روسيا.. وبعد قبول المسيحية ديناً في سنة 988م، ترسخت علاقات روسيا بالشرق، واندفع الكثيرون من سكان روسيا نحو الشرق، وخاصة للحج الى الديار المقدسة.
وقد ظهرت العلاقات القوية الى حيز الوجود ابتداء من افتتاح الجمعية – الروسية – الفلسطينية في 21/5/1882م. حيث كان من اهم الاهداف لانشاء هذه الجمعية في فلسطين في القرن التاسع عشر، هو خدمة المصالح السياسية والاقتصادية للامبراطورية الروسية القيصرية.
فالقيصر الروسي ألكسندر الثالث صادق على تأسيس الجمعية وطمح موظفوها الحكوميون لرؤية الجمعية بوقاً دعائياً ينشر ايديولوجية وسياسة الامبراطورية الروسية في قلب الشرق الاوسط. فالجمعية كانت عبارة عن مؤسسة حكومية تتلقى المساعدات والتمويل من الحكومة. وعلى الرغم من محاولة بعض نشيطي الجمعية فصل نشاطها عن الحكومة، الا ان مصالح الامبراطورية الروسية هي التي حددت نشاط الجمعية.
ولاحقاً… ترجمت روسيا الاتحادية (الاتحاد السوفياتي سابقاً) علاقاتها مع فلسطين على ارض الواقع، بافتتاحها اول ممثلية فلسطينية على اراضيها عام 1976م، وتراسها في ذلك الحين العميد محمد ابراهيم الشاعر (اول ممثل فوق العادة لمنظمة التحرير الفلسطينية (1976 – 1982م).
وكانت العلاقات الرسمية، في ذلك الوقت مرتبطة مع لجنة التضامن الافرو – اسيوي ومنذ عام 1982 – 1990م اصبحت العلاقة الرسمية مرتبطة مباشرة مع وزارة الخارجية، فاعترفت روسيا – الاتحاد السوفيتي سابقاً – باعلان دولة فلسطين في 19/11/1988م.
فالعلاقات الوطيدة لم تتوقف هنا، ففي يوم 10/1/1990م اعلنت روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقاً) رفع مستوى تمثيل ممثلية منظمة التحرير الفلسطينية الى درجة سفارة وقالت وكالة “تاس” ان موسكو “ستعين سفيراً لها فوق العادة لدى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية” كما كان الاخ نبيل عمرو اول سفير فوق العادة لدولة فلسطين في موسكو حيث اعتمد بتاريخ 21/2/1990م.
وفي ظل الديمقراطية الروسية الجديدة عادت الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية إلى الحياة وإعادة النشاط السابق وبفضل جهود واحتضان الكنيسة الروسية وعلى رأسها غبطة بطريرك موسكو وعموم روسيا اليكسي الثاني رحمه الله. وحققت الجمعية الإمبراطورية الأرثوذكسية الفلسطينية إنجازات عديدة مابين 1997-2000 وما زالت هذه الانجازات تتحقق على كافة المستويات بفعل التعاون البناء ما بين القيادتين الفلسطينية والروسية وما للكنيسة الأرثوذكسية الروسية حاليا برئاسة البطريرك كيريل – بطريرك موسكو وعموم روسيا من فعل بناء في تطوير العلاقات الروسية – الفلسطينية.
وفي عام 2002 حدث تطور هام في تاريخ الجمعية، وفي خطوة جادة منها لترسيخ العلاقات الروسية الفلسطينية وإعادة نشاط الجمعية السابق، قررت الجمعية برئاسة السيد ألكسي تشيستيكوف الذي كان يشغل منصب أول سفير لروسيا الاتحادية لدى السلطة الفلسطينية تأسيس فرع للجمعية في فلسطين.
فالدبلوماسية الفلسطينية ذات الحيوية، تذكرنا دائماً وابداً بمقولة “مانو” اي قبل أكثر من ألف سنة، عندما كتب في مجال القانون الدبلوماسي يقول: “الفن الدبلوماسي يتجلى في المهارة في تجنب الحرب وتدعيم السلم”.
وفيما يلي قائمة باسماء الممثلين والسفراء الفلسطينيين الذين مثلوا فلسطين في موسكو:
1. العميد الركن محمد ابراهيم الشاعر – ممثل فوق العادة وكامل الصلاحيات (1976 – 1982م).
2. رامي محمد الشاعر – قائم بالأعمال (1982 – 1984م).
3. صخر حبش “ابو نزار”- ممثل فوق العادة وكامل الصلاحيات (1984 – 1985م).
4. رامي محمد الشاعر – قائم بالاعمال (1985 – 1986م).
5. سعيد ابو عمارة – قائم بالاعمال (1986 – 1988م).
6. نبيل عمرو – ممثل فوق العادة وكامل الصلاحيات (1988 – 1990م) وسفير فوق العادة وكامل الصلاحيات (1990 – 1993م).
7. داود بركات – سفير فوق العادة ومطلق الصلاحيات (1993 – 1996م).
8. خيري عبد الفتاح – سفير فوق العادة ومطلق الصلاحيات (1996 – 2006م).
9. الاخ بكر عبد المنعم – سفير فوق العادة ومطلق الصلاحيات (2006 – 2008م).
10. عفيف صافية – (2008 – 2009م).
11. فايد مصطفى – (2009–2015م).
12. عبد الحفيظ نوفل (2015- الى الان).
القنصلية الروسية:
لما شكي بطريرك القدس الارثوذكسي من الدعاية المناهضة للارثوذكس، طلب القيصر الروسي من مبعوثه في اسطنبول أن يتقدم بشكوى الى الباب العالي. فأصدر السلطان فرمانا سنة 1817 أكد الوضع القائم في القدس. وافتتحت روسيا أول قنصلية لها في فلسطين سنة 1820 في مدينة يافا. ولكنها نقلتها الى بيروت سنة 1839، وأصبح اسمها القنصلية العامة الروسية لسورية وفلسطين.
وفي العام التالي افتتحت لها اول قنصلية في القدس، وبدأت ببناء مجمعين من المنازل في المدينة المقدسة في العام الذي تلاه، ووصل أول ارشمندريت روسي الى القدس سنة 1844م. وقد سبق ذلك انشاء جمعية فلسطين الامبراطورية في روسيا سنة 1837 بقصد دعم النشاط الديني والثقافي في البلاد المقدسة.