مقالات

الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك’

الأستاذ أبوبكر الصديق الفيضي الندوي( كاسركود٬ كيرلا)

‘الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك’

– كثيرا ما نسمع عن الوقت وأهمِّيتِه وقيمتِه ولكن هل نعرفُ بالضبط ما هو الوقت؟ وكيف يكون نافعا و كيف يَضيع؟ إذا وجدنا مبلغا محسوبا في جُيوبنا، نَحتاط في إخراجه وإنفاقه. ولكن هل نحسُب هذا الحسابَ حينما يَضيع بين أيديناوقتُنا الذي هو أغلى من كلِّ شيئ؟ لماذا لا؟

الوقت هو العمر:

الوقت في الحقيقة هو العمر، يعني أن عمرَ كل واحد منا بالنسبة إليه هو الوقت. فضياع الوقت معناه ضياع أعمارنا. القرآن الكريم يُنبِّهنا كثيرا عن قيمة الوقت وعن الندامة التي تترتب على تضييع الوقت في الدنيا بدون فائدة. كما نرى شخصين؛ عندكِليهِما مبلغٌ كبيرٌ من المال. والأوَّلُ أحسنَ استخدامَ ماله؛ بنَى ببعضه بيتا مُريحا وأسكن عائلته فيه واستثمر بعضا منه في جهة تجارية حَريزة، يعود إليه ربحُه ليَضمَن به مصاريفَه اليومية.

ولكنَّ الآخر صَرفَ جميعَ ما عنده فيما يستمتع به حالا، بلا تأمُّل وتدبِير فيما يحتاج إليه في المستقبل. من الطبيعي أن ينفَدَ جميعُ ما عند الثاني قريبا ويندم على حماقته وقلة ذكاءه. هكذا حال الذي أساء استخدام الوقتِ في أوانه.

مَنظرٌ قرآني:

يَعرِضُ القرآنُ مَنظرا مُؤلما في الآخرة لمن أضاع فُرَصَه الثمينة في الدنيا. يُنبِّه الله به عباده ليبادروا بالأعمال الصالحات قبل أن يفوت زمنُها, يقول:(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ”(1) ولكنَّه يرجع خائبا, لأن أمانيَه لا تأتي بنفع في الآخرة (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”(2)

وقفة مع الآيات:

(وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم)أي وأنفقوا في مرضات الله,من بعض ما أعطيناكم وتفضَّلنا به عليكم من الأموال (مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ)أي قبل أن يحُلَّ الموتُ بالإنسان ,ويُصبِح في حالة الإحتضار(فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ)أي فيقول عند تيقُّنه الموتَ: يا ربِّ هلاّٰ أمهلتَني وأخَّرت موتي إلى زمن قليل!(فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)أي فأتصدَّق وأُحسِن عملي, وأُصبح تقيًّا صالحا. هذا حال كل مُفرِّط يندَم عند الإحتضار,ويسأل طول المدة ليستدرك ما فات.

(وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا)أي ولن يُمهلَ الله أحدا أيًّا كان إذا انتهى أجله,ولن يزيدَ في عمره, وفيه تحريضٌ على المبادرة بأعمال الطاعات, حذرا أن يجئ الأجلُ وقد فرَّط ولم يستعدَّ للقاء ربِّه(وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)أي مُطَّلع وعالم بأعمالكم من خير أو شر ,ومُجازيكم عليها.

الوقت في القرآن:

وصف القرآنُ الوقتَ أحيانا بالدهر ويسأل في سورة الإنسان:(هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلْإِنسَٰنِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْـًٔا مَّذْكُورًا)ويقرِّر أنه كان هناك زمان، لم يكن الإنسان موجودا فيه. ومن قَبلِه مضى دهرٌ، كان اللهُ موجودا فيه ولم يوجد شيئٌ آخرُ، حتى الوقت. فخلق جميع الأشياء،حسب نظامه وتدبيره:(اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (3)

ووصفه بالعصر أيضا، حيث أقسم بالعصر في سورة العصر.
إنَّ تقلبات الزمان تتحقَّق بتعاقب الليل والنهار،حيث رتَّب ذلك ليتذكروا منه وليكونوا شاكرين لله:(وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا(4) وفي مكان آخر:(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (5). وقال أيضا:(إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ(6)

وحدات الدهر:

فالدهر ينقسم الى قرون. والقرن الى سنين. والسنة تَكمُل بأحدَ عشرَ شهرا. والشهر يكتمل غالبا بثلاثين يوما. ولكل يوم ليلٌ ونهار .أشار القرآنُ إلى ذلك، بأنَّه جعل الليل والنهار خلف، واحدٌ يخلف الآخر فيصير يوما ثمَّ شهرا ثم سنة هكذا…… واليومُ عبارة عن 24 ساعة والساعة تحتوي على 60 دقيقة وكل دقيقة تشتمل على 60 ثانية وهكذا يتجزأ الوقت الى وَحَدات مختلفة. وكل هذه الوحدات لها قيمتها ووزنها ولا اعتبار للوقت بدونها.

طول الوقت وقصره:

والوقت متساوٍ للجميع. لا فرق فيه بين أحد. ولكن يبدو مختلفا بالنسبة لمُستوَى الناس المعيشي ولوضعِهم الحالي، كما حُكي عن شيكسبير- الأديب الإنجليزي الكلاسيكي-“الساعة بطيئة جداً بالنسبة لأولئك الذين ينتظرون، وسريعة جداً بالنسبة لأولئك الذين يخافون، وطويلة للغاية بالنسبة لأولئك الذين يحزنون، وقصيرة جداً بالنسبة لأولئك الذين يفرحون، ولكن بالنسبة لأولئك الذين يحبون، فالوقت هو الخلود.”

وقال أيضا: “أولئك الذين يُسيئون استخدامَ وقتهم هم أوَّل من يشكون من ضِيق الوقت.”

حثٌّ من الرسول:

في هذا الحديث الذي رُوي عن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما، يُشجِّع الرسول عليه الصلاة والسلام أُمَّته على انتهاز الفُرَص قبل فواتها لأنها لا بديل لها ولا تعود إلينا مرة أخرى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اغتنِمْ خمسًا قبلَ خمسٍ : حَياتَك قبلَ موتِك، و صِحَّتَك قبلَ سَقَمِك، و فراغَك قبلَ شُغْلِك، و شبابَك قبلَ هَرَمِك ، و غِناك قبلَ فقرِكَ. (7)

وكذلك نرى كثيرا من الناس يلهون ويعبثون ‘لقتل’ وقتهم الذي صار كَلاًّ ووَبالاً عليهم، ولا يدرون كيف يستفيدون من أوقاتهم الفارغة. عن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ : الصِّحَّةُ والفراغُ»(8) : قال بعض الحكماء: “النفس اذا لم تَشغَلها بالطاعة شغلَتْكَ بالمعصية”.

تحذير شديد:

لقد حذَّر الرسول عليه الصلاة والسلام من لا يعرف قيمةَ الوقت ويتخبَّط في الأرض خَبطَ عشواء، تحذيرا شديدا: عن أبي برزة نضلة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن [أربع]: عُمرِه فيمَ أفناه؟ وعن علمه فيمَ فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيمَ أنفقه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه”(9)

نموذج رائع:

أنظروا كيف كان أسلافنا يهتمون بالوقت وينافسون في صرفه فيما يضمن لهم نفعا خالدا ونعيما مقيما. هناك نموذج رائع من حياة صدِّيقِ هذه الأمة أبي بكر رضي الله عنه. فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أصبح منكم اليومَ صائمًا ؟ قال أبو بكرٍ : أنا . قال فمن تبع منكم اليومَ جنازةً ؟ قال أبو بكرٍ : أنا . قال : فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا ؟ قال أبو بكرٍ : أنا . قال : فمن عاد منكم اليومَ مريضًا ؟ قال أبو بكرٍ : أنا . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ : ما اجتمَعْنَ في امرئٍ إلا دخل الجنَّةَ»( 10).

خلاصة الدرس:

الوقت رأس مالنا في الحياة، إذا أنفقناه في سبيل الخير باحتياط وحذر، نجني ثماره في الدنيا والآخرة. ومن أضاعه وجرى وراء إشباع هوى النفس، خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين. وعن نُفَيع بن حارث الثقفي رضي الله عنه قال: “أنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ أيُّ الناسِ خيرٌ؟ قال من طالَ عمُرهُ وحسُن عملُه. قال: فأيُّ الناسِ شرٌّ؟ قال: من طال عمُرهُ وساء عملُه”(11).

أخيرا,أُتحِفكم بما قال الشيخ علي الطنطاوي-العالم السوري والأديب المعروف-: “قرأت لأكثر من 70 سنة فما وجدت حكمةً أجمل من: مشقةُ الطاعة تَذهب ويبقَى ثوابُها ولذَّةُ المعاصي تَذهبُ ويبقى عقابُها”

المراجع:

(1) سورة المنافقون:10
(2) المنافقين: 11
(3) سورة الزمر:62
(4) الفرقان 62
(5) سورة الأنبياء:33
(6) سورة آل عمران: 190
(7) الحاكم والبيهقي في شعب الإيمان
(8) البخاري:6412
(9)رواه الترمذي
(10) رواه الترمذي
(11) رواه الترمذي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق