مقالات
رؤية هذه السلسلة يكتبها د. محمد طلال بدران – مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلامية قِيَمٌ تُحيِي الأُمَم: “بناء الشخصية وأثرها في نهضة المجتمع” (9)
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* الصدق: العمود الفقري للتعاملات اليومية
يعتبرُ الصدقُ قيمة أخلاقية عظيمة تُميِّز الأفراد الصادقين عن غيرهم وكذلك المجتمعات المتحضرة، وتشكّل أساسًا متينًا لنجاح الأفراد والمؤسسات.د على حدٍ سواء، فبه تتماسك العلاقات، ويُحكم على الأشخاص بالمصداقية والجدارة، فالصدق ليس مجرد خلُق عابر، بل هو جوهر الحياة اليومية وعمودها الفقري، لأنه يمس كل جانب من جوانب التعاملات الإنسانية.
* الصدق في المنظور الإسلامي
للصدق مكانة عظيمةً وسامية في الإسلام؛ إذ جعله الله عز وجل من أبرز سمات المؤمنين. قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ (التوبة: 119). كما ربط الإسلام بين الصدق والإيمان، وبين الكذب والنفاق، فعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) قال: قال النبي ﷺ: “إنَّ الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا” (رواه البخاري).
– وفي السُّنّة النبوية الشريفة، نجد التأكيد المستمر على أهمية الصدق في كافة المعاملات، سواء كان في القول أو العمل أو النية، فالصدق سبيل المؤمنين المخلصين، وهو عنوان القلوب الطاهرة التي لا تسعى إلا لمرضاة الله تعالى.
* الصدق في الحياة اليومية
الحياة لا تسير بدون صدق، فهو الميزان الذي تُوزن به العلاقات والمعاملات بين الناس، وفي عالمنا اليوم، حيث تعقّدت الحياة وتشابكت المصالح، باتت الحاجة إلى الصدق أكبر من أي وقت مضى فمثلًا:
– في العلاقات الأسرية:
الصدق يعزز الثقة بين أفراد الأسرة، فيجعل البيت بيئة آمنة قائمة على المحبة والشفافية.
– في العمل:
الصدق في أداء المهام واحترام الوقت والأمانة في نقل المعلومات يرفع من إنتاجية الشركات ويعزز الثقة بين الزملاء.
– في التجارة:
النبي ﷺ أوضح أن البركة مرتبطة بالصدق، فقال: “التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء” (رواه الترمذي).
* أثر الصدق على الفرد والمجتمع
1- على المستوى الفردي:
يمنح الصدق الفرد طمأنينة داخلية، إذ ينام مطمئنًا لا يحمل همَّ كشف الأكاذيب أو تناقض الأقوال، ويرتقي الصادق بمكانته في أعين الناس، فيصبح محل ثقتهم واحترامهم.
2- على المستوى المجتمعي:
يشكّل الصدق صمّام أمان للمجتمع، إذ يقلل من النزاعات والخلافات الناتجة عن الغش والخداع، ويعزز الروابط الاجتماعية ويُرسّخ قيم الاحترام المتبادل بين الأفراد.
* الصعوبات التي تواجه الصدق
قد يواجه البعض صعوبات في الالتزام بالصدق نتيجة المغريات أو الضغوط الاجتماعية، أحيانًا يُبًرّر الكذب بأنه “ضرورة اجتماعية” أو “وسيلة لتفادي المشاكل”، لكن الإسلام يعلّمنا أنَّ العاقبة للصدق دائمًا، حتى وإن بدا الكذب حلاً مؤقتًا.
– غرس قيمة الصدق في الأجيال
لترسيخ الصدق في النفوس، علينا اتباع خطوات مدروسة، منها:
1- القدوة الحسنة:
على الكبار أن يُظهروا التزامهم بالصدق أمام الصغار، لأن الأطفال يقتدون بالسلوك أكثر من الكلام.
2- التشجيع والمكافأة:
مكافأة الأبناء عند التزامهم بالصدق تزرع في نفوسهم حبّ هذا الخلق.
3. التوعية الدينية:
توضيح فضل الصدق في الدنيا والآخرة من خلال النصوص القرآنية والقصص النبوية.
وفي الختام
فإن الصدق ليس مجرد خلق فردي، بل هو قاعدة بناء المجتمعات القوية، إنَّ الالتزام به يعكس قوة الإيمان ونقاء السريرة، ويؤدي إلى بركة في المال، واستقرار في العلاقات، ونجاح في جوانب الحياة المختلفة، ولذلك يتوجّب علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على هذا الخلق العظيم ليكون لنا دور في بناء مجتمع وإن شئت أمة تُحيي القيم وتُعيد للعالم صورته المشرقة، ومع الصدق، نكون أقوى وأكثر تأثيرًا، فنُصبح قادة في ميادين الحياة وصُنَّاعًا لمستقبلٍ أفضل.
– عنوان مقالة الغد بمشيئة الله تعالى: ” قيم الإسلام: خارطة الطريق لبناء حضارة راقية”
* طاب صباحكم، ونهاركم، وجميع أوقاتكم، وفرّج الله عن أهلنا المستضعفين إن شاء الله
مقالة رقم: (1839)
12. رجب . 1446هـ
الأحد .12.01.2025 م
باحترام:
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب)