الشاعر الحسين بن مطير تطرق تقريباً لأكثر أبواب الشعر، الرثاء والمديح والغزل والحكمة وغير ذلك، وعندما أعود لقراءة قصيدته الشهيرة عن تقلبات الزمان والإخوان، أشعر أني أقرأها لأول مرة لجزالة ألفاظها وحلو معانيها وغزير أهدافها، حيث يقول فيها: تَقَلَّبتُ في الإخوانِ حتى عرفْتُهم
ولا يعرفُ الإخوان إلاَّ خَبيرُها
فلا أَحرمُ الخلانَ حتى يُصارموا
وحتى يَسيروا سيرةً لا أَسيرها
فإنَّكَ بعد الشَّرِّ ما أنتَ واجِدٌ
خليلاً مُديماً شيمةً لا يُديُرها
وإنكَ في غيرِ الأَخلاَّءِ عالمٌ
بأنَّ الذي يَخفَى عليكَ ضَميرُها
فلا تَكُ مغروراً بِمِسحةِ صاحبٍ
من الوُدِّ لا تَدري عَلامَ مَصيرُها
وما الجودُ عن فقرِ الرجالِ ولا الغنى
ولكنه خِيمُ الرجالِ وخيرُها
وقد تَغْدِرُ الدنيا فَيَضَحى غَنيُّها
فقيراً ويَغْنَى بعد بؤسٍ فقيرُها
وكائنْ تَرَى من حالِ دنيا تَغَيَّرتْ
وحالٍ صَفَا بعد اكدرارٍ غَديرُها
ومن طامِعٍ في حاجةٍ لن ينالَها
ومن يائسٍ منها أَتاهُ بَشيرُها
وَمَنْ يَتَّبع ما يُعجِبُ النفسَ لا يَزَلْ
مُطيعاً لها من فعلِ شيءٍ يَضيرُها
فَنَفْسَكَ أَكرمْ عن أُمورٍ كثيرةٍ
فمالَكَ نَفْسٌ بعدها تَستَعيرُها
فلما سمع الخليفة المهدي بهذه القصيدة قال للمفضل الضبي ذات يوم: أسهرتني البارحة أبيات الحسين بن مطير الأسدي.. قال وما هي يا أمير المؤمنين: قال: قوله:
وقد تَغدِرُ الدنيا فَيَضَحى غنيها
فقيراً ويغني بعد بؤسٍ فقيرها
فلا تَقْرِب الأَمرَ الحرامَ فإنَّهُ
حلاوتُهُ تَفْنَى ويَبقى مَريرُها
فأجابه المفضل إجابة عاقلة غير منافقة، إجابة العلماء: مثل هذا فليسهرك يا أمير المؤمنين.
ونعرج في هذه العجالة إلى شعر الحكمة عند الشاعر بشار بن برد الذي يقول عن طمع الناس في الأشياء الممنوعة:
قد أُدرِكُ الحاجةَ ممنوعةً
وتُولَعُ النفسُ بما لا تَنَالْ
والهَمُّ ما أَمْسَكْتَهُ في الحَشَا
داءٌ وبعضُ الداءِ لا يُسْتَقَالْ
فاحتَمِلِ الهَمَّ على عاتِقٍ
إن لم تُساعدكَ العَلَندي الجُلالْ(1)
ويقول بشار في قصيدة أخرى:
إذا كنتَ في كُلِّ الأمورِ مُعاتِباً
صديقَكَ لم تَلْقَ الذي لا تُعاتِبُهْ
فَعِشْ واحداً أوصِل أَخاكَ فإنَّهُ
مُقارِفُ ذَنْبٍ مرةً ومُجانِبُهُ
وسلامتكم