مكتبة الأدب العربي و العالمي

سر_الكوخ_الجزء_الثاني الجزء الثالث

قرر موسى ان لا ييأس وان يبدأ عملية البحث والعودة الى رفقائه ولكن من اين سيبدأ وما هو الاتجاه الدقيق ؟ فالشمس تغطيها اوراق الاشجار لذا فلا يمكن الاعتماد عليها لمعرفة الوجهة الصحيحة فما العمل اذن يا ترى؟

لم يعرف موسى طريقه بالضبط فالاشجار كلها متشابهة هنا لذا فقد اختار احدى الجهات وبدأ بالسير وهو يصيح اثناء مسيره لعل احدهم يسمعه فيهب لنجدته لكن صوت ضجيج الغابة كان يغطي على صوته مما زاد في تعاسة واستياء موسى من الورطة التي اوقع نفسه فيها

خيم الظلام على الغابة والفتى ما زال يجد في السير حتى انهكه الجوع والتعب فجلس ليستريح وتسائل ان كان الاخرون قد انتبهوا الى اختفائه ام لا ثم تذكر ان الطعام والشراب مع الحمالين الكثر الذين استأجرهم ابيه في رحلتهم هذه فتسرب الى نفسه الحزن والخشية على مصيره

وما ان حاول موسى ان يغلق عينيه حتى شعر بدبيب الحشرات على جلده المتعرق ووخزاتها المزعجة فانتفض من مكانه وشرع يبعدها بيديه ثم نظر الى اعلى وفكر ان يتسلق احدى الاشجار لينام على واحدٍ من اغصانها العريضة ليتخلص مما يهب ويدب على ارض تلك الغابة التي تضج بمختلف صنوف الحشرات والعقارب

وبعد ان فعل ذلك اسند موسى ظهره ونام فوق ذلك الغصن العالي وهو يحلم بأن يعود الى ابيه بأسرع وقت
لكن في وقتٍ ما بعد منتصف تلك الليلة ايقظ موسى من مضجعه صوت صراخٍ حاد شق سكون الليل فدار الفتى ببصره ليتبين مصدر ذلك الصراخ لكنه لم ير شيئاً بسبب الظلام المطبق

وعندما اراد ان يغلق عينيه ليعود للنوم واذا به يلمح ولو بصعوبة ضوءاً خافتاً قدّر موسى انه يصدر من مكان بعيد جدا لذا فقد قرر ان يتسلق الى نهاية الشجرة ليحظى برؤيةٍ افضل وما ان فعل ذلك حتى تأكد له البعد الشاسع لمصدر النور لكن النور سرعان ما إختفى غير ان موسى كان قد حفظ الاتجاه الذي صدر منه النور مقرراً في الوقت ذاته السير نحوه ما ان ينفجر عمود الفجر

كان ذلك بالفعل اول ما فعله موسى في اليوم التالي فسار نحو مصدر النور وهو يلقط ويأكل ما تطرحه الاشجار احياناً من ثمار حتى حل مساء ذلك اليوم دون ان يبلغ الفتى مقصده ففعل كما فعل في الليلة الماضية واختار اعلى الاشجار ليتسلقها ويربط نفسه على فرعها ثم اخذ يراقب فضاء الغابة الرحب عسى ان يجد النور الغامض ليستأنس به في ليلته هذه

وبعد ان غارت النجوم واحتدم الظلام ، شعر موسى بثقل جفنيه وما كاد يطبقهما حتى سمع صوت الصرخة التي مزقت هدوء الليل، ففتح عينيه على اتساعهما وطفق ينظر بدهشة الى بقعة الضوء التي رآها ليلة الامس لكنها الان قد اصبحت اكثر قرباً واتساعاً من ذي قبل

اصبح من الواضح الان لدى موسى ان النور انما يصدر من نافذة كوخٍ غامض يقبع هناك وحيدا منطويا بين الادغال التي جعلت منه صرحاً مخفياً لا يمكن كشفه الا من الاعلى كما يفعل الان موسى..

تسائل الفتى عن لغز ذلك الكوخ المحير وعن سر تواجده في هذا المكان المجهول من الغابة وبينما هو كذلك واذا بموسى يلمح شخصاً يقف في شرفة النافذة تطلع الفتى جيدا فاستنتج من موقعه البعيد ان الواقف ليس سوى فتاة

اخذ موسى يطالع الفتاة وكأنه لم ير آدمياً من قبل ورغم انه لم يميز تقاسيم وجهها بسبب بعد المسافة الا انه شعر بالراحة والامان إتجاهها فزال خوفه وانبسطت اساريره

كانت الفتاة تراقب النجوم وكأنها تنتظر من السماء أن تحقق امانيها ثم ما لبثت ان اغلقت النافذة فعاد الظلام ليتسيد الموق

وفي اليوم الموالي هبط موسى من الشجرة وكله عزم على بلوغ الكوخ المجهول ومقابلة الفتاة الغريبة فسار وسار حتى وصل الى بقعة صغيرة من الارض يعتريها الظلام بدا وكأن الاشجار قد اُقتلعت فيها من جذورها لتوفير تلك الفسحة الصغيرة

ورغم ان الفسحة عديمة الاشجار مما جعل السماء فيها بارزة للعين الا ان الظلمة فيها أشد من غيرها فاستغرب موسى للامر وزاد استغرابه عندما لم يعثر فيها للكوخ من أثر
كان الفتى متأكداً تماماً بأنه سيعثر على الكوخ هنا حسب تقديراته لكن اين هو ياللغرابة

#سر_الكوخ👣_الجزء_الثالث
جلس موسى طوال يومه في تلك البقعة ينظر الى السماء ويفكر في الفتاة التي رآها تراقب النجوم وتمنى لو يراها اليوم ايضا وعند حلول مساء ذلك اليوم حدث شيئ عجيب
فلقد أخذت الاغصان والواح الخشب الملقاة على الارض بالتجمع فوق بعضها البعض من تلقاء نفسها حتى تكون في النهاية وبما يشبه الخيال كوخاً تام الصنع بجدرانه وسقفه وابوابه وحتى شبابيكه الزجاجية

انعقد لسان موسى من الدهشة وظل يتطلع الى الكوخ طويلا وهو لا يجرؤ على الاقتراب منه الى ان انفتح شباك الكوخ اخيرا واطلت منه فتاة شابة على قدرٍ عالٍ جدا من الحسن والبهاء موسى سارع الى الاختباء خلف الاحراش ثم جعل يرقب الفتاة بعينين حائرتين، حتى قرر اخيراً ان يتقدم ويخاطبها فلعل نجاته تكون على يديها

قال موسى بلطف مرحبا فنظرت اليه الفتاة اعتقد الفتى انها ستجفل لدى رؤيته لكن وخلافا للمتوقع إبتسمت الفتاة وردت عليه التحية ثم دعته للدخول بصوت يدعو للطمأنينة

توجس موسى خيفة من الدخول الى هذا الكوخ الغريب لكن شدة جوعه وارهاقه تغلبا على حذره فخطى الى الداخل وهو يقلّب ببصره في ارجاء الكوخ وحالما فعل ذلك حتى شعر الفتى ان هذا الكوخ ليس بغريبٍ عنه أو انه ربما سبق وان رآه من قبل

لاحظ موسى ان جدران الكوخ مصنوعة من خشب لا يشبه خشب الاشجار المحيطة به بل مختلف عنها فكيف هذا وما هو السر العجيب في ذلك الكوخ يا ترى هكذا تسائل موسى

دعته الفتاة للجلوس فجلس وأراح قدميه ثم احضرت له ماءا وقليلا من الطعام فأكل وشرب حتى زال عنه الجوع والضمأ
لاحظ موسى اثناء تناوله الطعام ان الفتاة كانت تراقب الغابة من النافذة بحذر وكأنها تخشى أمراً ما فقال لها :ادعى موسى أفلا أخبرتني باسمك؟

أجابت الفتاة وهي لا تزال تراقب الغابة :انا أدعى كارينا
ولماذا تراقبين طريق الغابة يا كارينا اتنتظرين احدا ؟
قالت : كلا ولكن اخشى من قدوم الغرباء
استغرب موسى فقال :ولكن انا غريب عنك فلم قابلتيني بوداعة ولم تخشينني؟
هنا نظرت اليه كارينا وقالت : لقد استعدت قوتك ونشاطك لذا فعليك بالرحيل الان

ارحل والى اين سأذهب في هذا الليل البهيم ثم ان عندي الكثير من الاسئلة التي اتمنى لو تجيبينني عنها
فتحت كارينا الباب وتوسلت بموسى ان يرحل حتى انها امسكت بيديه وقادته الى الخارج ثم قالت له : أعدك اني سأجيب على كل اسئلتك ليلة الغد يا موسى ارجوك غادر الكوخ الان ولا تعد اليه حتى مساء الغد

نظر هو الى عينيها وقال :اتعدينني حقا يا كارينا
ردت هي :بالطبع سأفعل يا موس قالت ذلك ثم اغلقت الباب سار موسى وهو يفكر بجمال كارينا الأخاذ الذي سلب عقله حتى خرج دون ان يشعر من الفسحة التي بني الكوخ في وسطها ولما التفت الفتى لينظر الى كارينا نظرة اخيرة واذا به يفاجئ باختفاء الكوخ بأكمله بل وحتى الفسحة الصغيرة اختفت، حيث ملئ مكانها الاحراش والاشجار ليصبح المكان جزءاً لا يتجزء من الغابة

أصيب موسى بالصدمة فطفق عائدا يبحث كالمجنون عن الكوخ وهو يصرخ ويقول:مستحيل فالليل ما زال في اوله ولا يمكن للكوخ ان يختفي الان
وبينما هو كذلك واذا بثعبان يلدغ قدم موسى فسقط الاخير يئن من الالم لكن فجأة لمح موسى مشاعل نارية قادمة باتجاه وعند وصولهم اكتشف انهم ليسوا سوى ابيه ياسين ورفاقه، والذين فرحوا لعثورهم على موسى حيا بعد ضياعه لعدة ايام

وبالنسبة لجرحه فقد طمأنه والده الحكيم بأن أعطاه الترياق المضاد للسموم في الوقت المناسب لكن موسى رغم ذلك فقد اصيب بالحمى وصار يهذي بشأن الكوخ والفتاة فلم يفهم الاخرون ما يقول

وبعد مرور بعض الزمن فتح موسى عينيه فشاهد نفسه في منزلهم في لارسا ووالده يجلس الى جانبه حيث بادره بتهنئته بالسلامة ثم اخبره انه كان غائباً عن الوعي لثلاث ايامٍ خلت، وانهم اضطروا الى قطع مهمتهم والعودة به الى لارسا للعناية به

هنا سأل موسى اباه ان كانوا قد وجدوا كوخا في المكان الذي عثروا فيه عليه فنفى الاب ذلك وسأل هو ابنه بدوره عن سر ذلك الكوخ الذي ما فتئ يذكره في هذيانه طوال فترة اصابته بالحمى؟

فسحب موسى نفساً عميقا وقص على ابيه كل ماجرى معه لغاية عثورهم عليه، فبدا على الاب انه لم يستوعب الامر وشق عليه ذلك لأن كل ماذكره موسى هي امور عجائبية أو ضرب من الخيال غير قابل للتصديق والتفسير الوحيد الذي وجده الحكيم هو ان موسى لابد وقد اصيب بالهذيان قبل لدغة الثعبان بوقت طويل

عن قصص وحكايات من الواقع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق