مكتبة الأدب العربي و العالمي

أختي_المتوفية الجزء_الثالث,الجزء الرابع

قام رجال الشرطة باستئذان صديقتي ريتا للدخول وتفتيش المنزل وكان كل شيء طبيعياً حتى أن باب القبو كان مقفلا كما كان وعندما سألني عناصر الشرطة عن مفتاح باب القبو قلت لهم بأن المفتاح مع والدي في مدينة أخرى

استغرق رجال الشرطة حوالي نصف ساعة حتى استطاعوا خلع ذلك الباب وقاموا بتفتيش القبو بدقة ولكنهم لم يعثروا على أي شيء يبرهن لهم ما كنت أتفوه به
ظنت الشرطة أنني أعاني من مشاكل نفسية ولم يصدقوا ما قلته لهم ثم طلبوا من صديقتي أن تأخذني الى طبيب نفسي كي أتعالج من تلك المشاكل وخرجوا من المنزل تاركيني في صدمة من كل ما يحدث

أما صديقتي فأخذت تضمني وتقول لا تخف يا سأصحبك الى أمهر الأطباء في صباح الغد
قال لي الطبيب النفسي:الخوف من اللا شيء هو إحدى الأمراض الناتجة عن خلل في بعض الخلايا العصبية في الدماغ التفكير في الماضي والإرهاق و المشاكل العائلية كل هذا يؤثر سلبا على تلك الخلايا العصبية

طلب مني الطبيب الاسترخاء وعدم التفكير في الماضي وكتب لي بعض الأدوية المهدئة وأنا كنت في حال يرثى لها وكأنني بدأت أقتنع أن ما حدث في ليلة الأمس كانت مجرد أحلام اليقظة كما سماها لي الطبيب

عدت للمنزل بصحبة ريتا وأنا شبه مقتنع بكلام ذلك الطبيب وفي ليلِ ذلك اليوم نامت صديقتي في حوالي الساعة العاشرة مساء نامت وهي تضمني بكلتا يديها وكأنها طفلة صغيرة ولا أنكر أنها كانت تبدو كالملائكة وهي نائمة

أما أنا فلم أجرؤ على إغلاق جفناي خوفا من تلك الكوابيس التي تلاحقني أو ربما كنت أنتظر قدوم منتصف الليل حتى أبرهن لنفسي بأن كل ما حدث في الليالي السابقة كانت فعلاً أحلام اليقظة

مر الوقت ببطء وهو يعانق هدوء الليل المظلم حتى سمعت صوت الساعة الجدارية التي أعلنت انتهاء ذلك اليوم وكان كل شيء طبيعا حتى ذلك الحين نظرت إلى صديقتي نظرة أخيرة ثم قررت النوم في أحضانها الدافئة وليتني لم أفعل

لم أكن نائما هذه المرة حين سمعت ذلك الصوت الذي يناديني من القبو حتى صديقتي التي كانت تنام كالأطفال في أحضاني اختفت وكأنها لم تكن

نهظت من فراشي الدافئ وتوجهت الى الأسفل هنالك حيث رأيت صديقتي تمشي ببطىء نحو مدخل القبو صرخت أناديها باسمها لكنها لم تلتفت لي وكأنها جثة ميتة يتم تحريكها عن بعد وما كان مني إلا اللحاق بها من بعيد حتى أرى بنفسي ما يحدث

دخلت صديقتي من باب القبو وأنا أراقبها على بعد خطوات حتى وصلت الى منتصف ذلك القبو المظلم ثم خرج طيف من أحد جدران القبو وبدأ يسير الى جسد صديقتي وحين تمعنت في ذلك الطيف وجدته يشبه أختي الصغيرة كل الشبه عدا أنها كانت مشوهة بشكل شيطاني

#أختي_المتوفية _الجزء_الرابع
…… وقفت صديقتي أمام ذلك الطيف المخيف وامتزجت به بطريقة لا تستوعبها أعين البشر ثم بدأت ريتا ترتفع عن الأرض وكأن الجاذبية الأرضية لم تعد تشملها..

كان جسمها يرتفع عن الأرض شيئا فشيئا حتى التصقت بسقف القبو ثم أخذت تتشبث بالسقف بأطرافها وكأنها عنكبوت أو ما شابه كل هذا وعيناي تكادان تنبثقان من منبعهما مما أشاهده..

كان جسمي قد تشنج من مشاهدتي لذلك المنظر وفوق هذا الرعب كله التفت لي بوجهها الذي يكاد ينفصل عن جسمها وبدأت تناديني قائلة: انزل يا صديقي انقذني
لا أعلم كيف استطاعت قدمي أن تخطو بعد هذا الرعب كله لأعود بخطواتي الى الوراء وأهرب من المنزل الى حيث أجد من ينقذني مما أنا فيه

ذهبت إلى مركز الشرطة لكنهم هذه المرة لم يصدقوا ما اقوله فما كان مني الى الخروج الى احدى حداق المدينة كمتشرد خائف يبحث عن الأمان وصلت الى الحديقة منهكا من شدة التفكير ثم رميت جسدي على أحد مقاعدها الخشبية العتيقة وخلدت في نوم هانئ

ورغم البرد الذي كان يتصارع مع جسدي في ذلك اليوم إلا أنها كانت المرة الأولى التي أنام بها من غير كوابيس تؤرقني منذ انتقالنا الى هذه المدينة

وفي صباح اليوم التالي أيقظتني طفلة في الثانية عشر من العمر أيقظتني وهي تمسك بيدها الرقيقة فطيرة ساخنة موضوعة في كيسٍ ورقي لتقول لي بصوتها العذب: خذ هذه الفطيرة من أجلك لا أعلم لما ابتسم ثغري رغم المهاجس التي مررت بها في الأيام السابقة ربما كنت أضحك لظنها أنني أحد مشردي المدينة

اعتدلتُ في مجلسي ثم أخذت منها تلك الفطيرة وأنا أرمقها بابتسامة لطيفة ثم دعوتها للمكوث بجانبي ريثما اتناول الفطيرة جلست تلك الطفلة بجانبي وسألتني قائلة: لماذا تنام في الحديقة ألا تملك منزلا تحتمي به من برد الشتاء

لست أدري لِم كان الصمت جوابي عن استفسارها البريء ذاك
ولست أدري السبب الذي جعلني أشعر بالدفء وهي بجانبي إلا أنني كنت أردد في أعماقي بأن هذه الطفلة هي رمز من رموز الخير في هذه المدينة

خرجت عن صمتي بسؤال يشبه سؤال الطفلة فقلت لها: وهل تمتلكين أنتِ منزلا
فأجابتني بصوتها الطفولي العذب: نعم لدي منزل جميل يقع في منتصف المدينة
لا أعلم لما ارتاح قلبي لتلك الطفلة فكنت أنظر إليها والى معطفها ذو القبعة الصوفية التي تكاد تخفي ملامح وجهها العذبة وأسألها عن منزلها الذي يبعد اميالاً عن هذا المكان.

لكني حين سألتها عن سبب خروجها من المنزل في هذا الوقت الباكر قالت: خرجت أبحث عن عائلتي
في هذه اللحظة بالذات اجتاحني الخوف والاستغراب لكني لم أظهر خوفي أمامها إنما تابعت معها سائلاً: وأين هي عائلتك أيتها الطفلة؟
فأجابتني بشيء من البرود الممزوج بالحقد لقد تركوني وهاجروا من المدينة

وضعت يدي على قبعة الطفلة ونزعتها عنها وكانت صدمتي حين رأيت أختي الصغيرة التي توفيت منذ أكثر من ثلاثة عشر سنة

عن قصص وحكايات العالم الاخر ….

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق