مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية سليمة وابن الغولة من الفولكلور الفلسطيني الكيد يتحوّل إلى خير ( حلقة 3 )
أمضت الغولة أيّاما وهي تعالج جراحها ولمّا تحسّنت حالتها أصبحت تهاجم المسافرين والتجار ومن تقبض عليه تفتكّ ماله، وتحبسه في غار .وتواصل ذلك حتى ضجّ سكان القرية وإتفقوا على تسليم إبنة التّاجر أما لمياء فقد أخذها أبوها بعيدا هي وبقية بناته .وفي الصّباح جاء النّاس وأخرجوا سليمة ،وجرّوها وهي مربوطة العينين ،ولمّا وصلوا إلى القصر في طرف الغابة، تركوها ،ورجعوا ،ولم يرحم أحد منهم توسّلاتها. وبقيت الفتاة تعاني من البرد والجوع ،وحين عادت الغولة متأخّرا من الصّيد، إبتهجت برؤية الفتاة ،وقالت لها : إذن أنت من قتل إبني !!! نظرت الفتاة إليها بجرأة ،وأجابتها : ماذا كنت تنتظرين مني أن أفعل ؟ لقد دخل دارنا في غياب صاحبها ،ونوى الشرّ ،أكنت تقبلين بذلك لو كنت مكاني !!! لم تجد الغولة شيئا لتردّ به،ثم قالت لها سليمة : إسمعي، أنا الآن في قبضتك ، خذي بثأرك مني، وأطلقي المحبوسين لديك ،فليس لهم أيّ ذنب فيما فعلته .
تعجبّت الغولة من مروءة الفتاة وشجاعتها ،فأدخلتها لقصرها ،وأيقنت سليمة أنها هالكة لا محالة ،ونطقت بالشّهادة ،بعد ساعة أتت الغولة ،ونزعت الرباط من عينيها فوجدت البنت أمامها صحفة حساء باللّحم ،فنظرت إلى الغولة مندهشة ،فأوأمت لها بأن تأكل ،وكانت الفتاة جائعة وترتعد ،فأكلت قليلا ،ولمّا لمست الغولة جبينها قالت لها : أنت محمومة ،ولا بدّ من علاجك ،أتتها بمنشفة مبللة بالماء البارد ووضعته على جبينها،فقالت الفتاة : لماذا تفعلين ذلك ؟ دعيني أموت !!! أليس هذا ما ترغبين فيه ؟ أجابت الغولة :إعلمي أني أحبّ المروءة ،وأمقت الغدر ،و لقد شفع لك ذلك ،أنا الآن صرت وحيدة في هذا القصر بعدما مات أهلي ،ألسنا في النّهاية مثل بعض ؟ لم تردّ سليمة فقد كانت مريضة جدا ،ونامت ،في حين بقيت الغولة كامل الليل بجانبها ،وهي تداويها بالأعشاب ،ومضى على البنت ثلاثة أيّام وهي في أسوأ حال .
وفي اليوم الرّابع فتحت سليمة عينيها، وقد خفّت عنها الحمّى ،فتعجّبت من حنان الغولة ،وكانت تعتقد أنّها ستقتلها ،وطلبت منها أن تبقى عندها ،فهي لا تأمن عليها من أهل قريتها ،ولو كانوا ذوي مروءة لما سلّموها ،ولدافعوا عن شرفهم وبناتهم . مضى الوقت والفتاة في القصر ،تعيش أحسن عيشة حتى زاد جمالها وتورّد خدّها من أكل الطرائد الوحشيّة، والكمأ الذي ينمو في الغابة ،أمّا النّاس المحبوسون في الغار فلقد أطلقت سراحهم ،وشكروها على معروفها ،ولم يفهم أحد لماذا لم تقتلها الغولة ،وحين سمعت لمياء بالحكاية اشتدّ غيظها ،فلقد خطّطت لقتل الأغوال لكي تأخذ كنز الجواهر لكن الآن سيكون الزّمرد والياقوت من نصيب جارتها التي تكرهها ،وكلّ ما عملته من شرّ صار لمصلحتها .وبدأ الناس في الثناء على سليمة التي أطلقت سكان القرية المحبوسين وبفضلها توقفت الغولة على عدائها للناس .
وبمرور الأيام إكتشفوا أنها لم تكن شريرة كما كانوا يتوقعون ،ولأنّها ضخمة الخلقة هي وإخوتها فلقد نسجوا حولهم كثيرا من الحكايات ،ذات صباح قالت سليمة لقد مضى علي شهر وأنا هنا ،أريد أن أذهب لدار أبي وأتفقدها ،لا بدّ من تنظيفها وترتيبها ردّت الغولة :حسنا سنتنكّر ،ونذهب معا ،فأنا لا أثق في بني آدم، ولهم كل الأسباب ليقتلونا معا ،وفي الطريق قابلت سليمة أحد بنات التجار وعرفتها رغم تنكرها وعرفت أن المرأة التي معها هي الغولة وعلى الرغم من ذلك فهي لم تخف منها وسمعت بقية البنات بأن سليمة قد رجعت فجئن إلى الدار وقد إشتد فرحهن بعد كلّ ما حصل من أحداث ،وكن يرمقن الغولة بطرف أعينهنّ ،وباستثناء ضخامتها وكبر رجليها فلم تكن تختلف كثيرا عن بقية النساء ….
يتبع الحلقة 4 والأخيرة
انبس بن حيلي