مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية جُليد أبو حمار من الفلكلور اليمني ظفيرة الشعر الذهبية ( الحلقة 2 )
طارق السامرائي / حكايا زمان
لكن نعيم لم يفكر كثيرا ،فكيف سيعيش ،وذنب أخته الصغيرة في رقبته؟ فأمسك المعول وهدم القبة التي بناها وخرجت لمياء تجري وارتمت في حضنه ،فحمد الله الذي هداه لما فيه الخير ،ثمّ ركبا الحصان الذي سار بين الوديان والآكام وكان الفتى يعلم جيدا ما هو مصيره لو عاد لأبيه، وهو لم يكن يخاف على نفسه بقدر خوفه على أخته ،وقال في نفسه :هذه عاقبة الإستماع للعرافين والمشعوذين ،إستمرّ الحصان في السّير حتى لمح نعيم من بعيد جروين من الذّئاب ،فحملهما معه ،وكان في ذلك المكان جدول عذب المياء فنزل الأخوان للشرب والراحة نظر نعيم حوله، فأعجبه ذلك المكان ،فقد كان بعيدا عن الأنظار ومليئا بالأشجار والنباتات ،ثم صنع قوسا وسهاما ،وخرج للصّيد ،وبعد قليل عاد بظبي ،فسلخه وشواه ،مضت الأيام وبنى نعيم كوخا من القصب الذي كان ينمو على ضفاف الواد ،وتعوّد على العيش مع أخته في تلك البرية لا يعكر صفوهم شيئ، ومن حين لآخر ينزل متخّفيا لسوق القرية، ويبيع جلود الحيوانات التي إصطادها، ويشتري بثمنها ثيابا ،وما يلزمه من حاجيات للكوخ .
وصاريستيقظ كلّ صباح، ،ويسرج حصانه ، ثم يأخذ معه الذئبين الصّغيرين ، ويخرج للصّيد ،ولا يعود الا بعد منتصف النهار، وأوصى أخته بأن لا تفتح الباب لأيّئ طارق وان لا تكلم أي غريب أثناء غيابه،فلا شك أن أبوهما يبحث عنهما الآن ،ولو رآهما أحد فربما أخبره بمكانهما ،ثم أنّه لا يأمن على أخته من النّخاسين، فرغم أنها لا تزال طفلة إلا أن جمالها يزيد ،وهي تكبر بسرعة ،ووعدته لمياء بذلك .ولما يخرج تقفل الباب، وتجلس تصنع القلائد من الأزهار ،ثم تضعها في رقبتها فهي تحبّ الزّينة. وجعل الولد من الحصان والذّئبين شيئا واحدا ، كل واحد يكمل الآخر، وقد أطلق على حصانه إسم (بن هادي) وعلى الذئب الأوّل إسم (شمسي) وعلى ا الثاني (قمري) ودرّبهما على الوقوف بجانب الحصان، لينطلقا معه عندما يناديهما بقوله :
على الأرض وفي السماء
أنتما شمسي وقمري
إتبعا حصان ابن هادي
لما ينزل الواد.
ما أن يسمعوا ذلك منه حتى يركضان خلفه،ولمّا تظهر فريسة يطاردانها حتى تمرّ من قدام نعيم الذي يصطادها بسهولة . ومرّت الأشهر والسّنوات، والأخوان يعيشان في سعادة، وأصبح الكوخ دار جميلة بناها الفتى حجرا حجرا وكان له مدفئة يتدفّئان عليها في الشتاء ويطبخان عليها قدرهما ،وأصبح الجروين ذئبين عظيمين ،أما الطفلة الصّغيرة فتحوّلت إلى فتاة بارعة الجمال ذهبيّة الشعر، وكان نعيم يتمنى لو يرجع لأبيه ليثبت له جهل العرّافة ،فهو لا يزال حيا ليس به خدش واحد ،لكنه دائما يتراجع فهو لا يأمن أباه الذي تمتلئ رأسه بالأوهام ،وربّما يأتي اليوم الذي يعرف فيه خطأه
في أحد الأيام نزلت لمياء وسط الجدول لتستحمّ وعلقت ظفيرة من شعرها في القصب ،ولم تستطع تخليصها فأخذت حجرا ،وقطعتها، وكان الماء قويّا فأخذ يضرب فيها حتى إنتزعها من مكانها ،وجرفها معه. في الصباح كان السّلطان واقفا في حديقة قصره ينظر إلى الماء بشرود، وفي يده عصا ،فإذا به يرى الظفيرة الذهبية ،فمدّ عصاه ،والتقطها ،ولم يملك نفسه من الإعجاب بها ،وتساءل لمن يكون هذا الشّعر الجميل ،لا شك أن صاحبته فائقة الحسن ،وبقي أيّاما وهو مشغول البال، حتى جواريه لم يعدن يعجبنه ،فلا أحد منهن لها ذلك اللون الأشقر الذي رآه في الظفيرة ،ولاحظت قهرمانة القصر حزنه، وهي عجوز لها فطنة ودهاء ،فقالت له: ما الذي يحزن مولاي ؟ فأجابها: لا شيئ يا أمّ محمّد !!! فقالت: لقد ربّيتك، وأنت صغير ،وأعرف هذه النّظرة ،فإن لم أكن مخطئة فقلبك عاشق !!! صمت السّلطان ،فهو لا يزال شابّا ،ولم يتزوّج بعد ،والأميرة التي تريد أمّه تزويجه منها لا يحبّها ،فهي مدلّلة ومغرورة ،قالت له القهرمانة : هيا قل لي كّل شيئ يا سلطان علاء الدين !!! فما تنفعك الأحزان ،وكلّ شيئ في هذه البلاد ملكك ؟ فرفع إليها عينيه ببطء ،ثم رمى الظفيرة أمامها ،فالتقطتها، ثم شمّتها ،وأنشدت :
تعيش في الغابة
تتعطرّ بالأقحوان
وتغتسل بندى الفجر
و رحيق شقائق النعمان
أميرة على عرش الأزهار
تنظر لها العين بافتتان
أو حورية جميلة
من حور الجنان
نظر إليها السّلطان وقد زادت شجونه ، وقال :هل يمكنك أن تأتين بها للقصر لكي أراها ؟ أجابته :وهل طلبت منّي يوما شيئا ،وفشلت فيه ؟ إذا كان هذا من شأنه أن يسعدك ،فسأفعله إعطني ثلاثة أيام ،وفي اليوم الرّابع ستكون جالسا بجانبها وأنت تغازلها !!! ضحك السلطان ،وقال لها :يكفى من الهراء ،أحضريها ،أمّا الباقي فلا يعنيك …
…
يتبع الحلقة 3 غدا