مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية جُليد أبو حمار من الفلكلور اليمني حيلة القهرمانة ( الحلقة 3)
طارق السامرائي / حكايا زمان
أخفت العجوز الظفيرة في طرف ثوبها ، وأخذت عصاها ،وسارت تتوكّأ عليها في محاذاة الجدول لتبحث عن ضالتها ،مشت طويلا في الغابة حتى وصلت إلى دار من الحجارة ، فدقت الباب بالعصا ،واستغربت الفتاة من ذلك لأنّها لم تعتد أن يطرق عليها الباب أحد ،فصاحت : من الطّارق ؟ أجابت العجوز :عابرة سبيل جائعة تطلب لقمة !!! قالت الفتاة من وراء الباب: الله كريم ، ليس لدينا منا نتصدق به.!!! لم تجبها العجوز ،وانما تظاهرت بالتعب والمرض ،وبدأت تشكو حالها وتقول :
يا مجيب الدعوات
خذني إليك ولا تجعلني أهان
لقد زاد بي الهم والأحزان
لا تحوجني لما في أيدي لناس
وأنت الرّب المنّان
كانت العجوز تنشد شعرها وتبكي ،والفتاة تستمع لها ، حتى رقّت عواطفها ،ولانت عزيمتها ،ففتحت الباب فوجدت أمامها عجوزا رثّة الثياب ،لكنّها ناعمة الوجه،رغم تقدّمها في السّن ،فأحضرت لها طعاما ،وأكلت العجوز بلهفة ،وهي تثني على الفتاة ،وتدعو لها بالخير ،ثم حضر الشّاي ،وكانت لمياء تشرب وتتفرّس في وجه القهرمانة الجميل ،فليس فيه سوى قليل من التّجاعيد ،إبتسمت العجوز، وقالت لها :لا شك أنّك تتساءلين كيف بقي وجهي ناعما بعد كلّ هذه السّنوات ؟ أجابت الفتاة :والله هذا ما فكّرت فيه يا خالة !!! ردّت العجوز :لقد كانت جدّتي تعرف سرّ الأعشاب ،ولقد علّمتني صناعة مرهم ،يجعل الجلد أكثر نعومة، وإن أردت وضعت لك شيئا منه ،تردّدت لمياء، ثمّ سألتها: وماذا تريدين مقابل ذلك؟ فأنا لا أملك مالا !!! أجابت العجوز :لا أطلب شيئا ،وإنما أريد مجازاتك على صنيعك معي، فأنت تستحقّين كلّ خير، ولعلّك تجدين إبن الحلال الذي يحبك ،ويدلّلك . فظهرت السّعادة على وجه لمياء ،فهي ككلّ البنات في مثل عمرها تحلم بالحبّ والزّواج .
إبتسمت العجوز بدهاء ،وأيقنت أنّ لمياء إبتلعت الطعم بأسهل ما تتوقّع وقالت لها : واللآن إجلسي لأمشط لك شعرك ،وأجمّلك ،فأنت لا تحسنين الإعتناء بنفسك!!! ثم أخرجت الظّفيرة من ثوبها ،وكان لونها مشابها لشعر لمياء ،ولم يعد لها شك أنّها صاحبة الظفيرة التي وجدها السلطان ،كانت الفتاة مستسلمة ليدي العجوز الماهرتين التي ظفرت شعرها ،ووضعت مرهما فوّاحا على وجهها ،ثم دهنت شفتيها بصباغ قرمزي ،وكحلت عينيها، ولما نظرت الفتاة لنفسها في المرآة تعجّبت، فلقد صارت كالقمر ،وقبل إنصراف العجوز،قالت لها سأرجع إليك غدا ،فلي كثير من الأشياء التي ستعجبك. بقيت لمياء تفكّر ،فإن واصلت الإستماع لأخيها ،فستظلّ طول حياتها حبيسة هذه الدار،ولهذا قرّرت أن تواصل رؤية تلك المرأة ،فهي لطيفة ومسلية ،وربما تعثر لها عن زوج يريحها من الحياة داخل هذه الغابة .
وقبل أن يرجع أخوها غسلت وجهها ،وأزالت منه الزّينة ،لكنّه لمّا دخل نظر إليها بدهشة، وقال لها: أنت بارعة الجمال اليوم، وتفوح منك رائحة عطرة !!! لكنها أجابته: لم أجد ما أفعله، فتجمّلت قليلا ،ثم سلّم لها أرنبين، وطلب منها أن تطبخهما مع المرق ،ثم أكل أخوها ،ونام أمّا هي فقد خرجت تتمشّى قليلا ومعها الذئبان ،فلقد أوصاهما أخوها بعدم الإبتعاد عنها ،ثم تساءلت كيف جاءت العجوز إلى هنا ؟ وهل كان ذلك مصادفة ؟ ما هو مأكّد أنّها مهتمّة بها كثيرا ،وغدا ستعرف منها كلّ شيئ. في الغد لمّا خرج أخوها للصّيد رتّبت الدار وجلست تنظر للباب ،وكلما سمعت حركة، قامت تجري وفتحته. وفي الأخير رأت العجوز قادمة إليها وفي يدها قفّة ،وقالت لها لقد: أحظرت لك كثيرا من الحلويات ،لا شكّ أنّك لم تأكلي منها منذ مدّة بعيدة !!! غمست الفتاة أصابعها ،وأكلت حتى شبعت، ثمّ أخفت الباقي ،أحسّت القهرمانة أنّ الفتاة بدأت تتعوّد على الملذّات ،وانفتحت عيناها ،فأخذت تحكي لها عن القصر الذي تعيش فيه، وعلى السّلطان الشّاب سيّد كلّ هذه المملكة …
…
يتبع الحلقة 4