مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية جُليد أبو حمار من الفلكلور اليمني هرب لمياء من الدّار ( الحلقة 4 )
طارق السامرائي / حكايا زمان
في اليوم الثالث أصبح كلّ شيئ مهيّأ للعجوز لتنفيذ خطّتها ،فقالت لها إن جدول الماء ألقى بظفيرتها الذهبية في حديقة السّلطان،وهو من أرسلها لتبحث عن صاحبته لكي يتزوجها ،وأغرتها بالقدوم معها ،لكن لمياء أجابتها :ولماذا لا يجيء بنفسه لرؤيتي ؟قالت القهرمانة :هذا يحتاج لإستعداد ، ومولاي لا يطيق صبرا عليك ،وسيرسل لك غدا حصانه ومجموعة من الفرسان لمرافقتك !!!إذهبي إلى القصر ،وبإمكانك الرجوع إذا لم تجدي شيئا يعجبك،واستمرت تزيّن لها حياة القصر،حتى إقتنعت الفتاة بكلامها ،واتفقت معها على إنتظارها غدا أمام الباب ،وطلبت منها أن لا تتأخّر ،فهي تخاف أن يكتشف أخوها غيابها ،ويلحق بها فهو فارس مقدام ،والذئبين سيقودانه إلى مكانها .فطلبت منها العجوز أن لا تخش شيئا، فسيحضر معها فرسان السلطان والكلاب، ولن يقدر أخوها أن يفعل شيئا .حاولت لمياء أن تخفي إضطرابها بقية اليوم ،وتصنّعت المرح، ولم يلاحظ نعيم شيئا ،وفي الليل لم تقدر الفتاة على النوم ،وبقيت مستيقظة ،وهي لا تعلم إن إتخذت القرار الصّحيح أم لا !!! وفي الصّباح حين خرج أخوها ،لبست ثيابها ،وتزيّنت ،ثم وقفت أمام البيت ،ومعها صرّة فيها حاجياتها .
ولم تمر دقائق حتى ظهرت العجوز تمسك بزمام حصان أبيض ،وقالت لها: هيا إركبي بسرعة ثم قادتها ناحية الجدول وهناك كان عشرون من الفرسان يلبسون الحديد باتظارها ،فتأكّدت لمياء أن العجوز قالت الحقيقة ولم تخدعها ،ثم سار الجميع للقصر أما هي فالتفتت إلى الدار التي عاشت فيها أجمل فترات حياتها ،ولم تعرف إن كانت سترجع إليها مرة أخرى أم لا. .
لكن في ذلك اليوم رجع. أخوها إلى البيت مبكّرا، فلم يجدها في أنتظاره كعادتها وتوهّم أنّها نزلت إلى الجدول ، أو خرجت لجمع الحطب، فناداها ، وتكرّر نداءه لها دون أن يرد عليه أحد، وحين عاد ،ونظر في حوائج البيت ، وجد ملابسها والاشياء الخاصة بها قد اختفت فأيقن أنّها هربت مع غريب كانت على معرفة به ، وتذكّر الرائحة العطرة ،وتجمّل أخته ، وملأت الحسرة والغيظ نفسه، فرغم كلّ ما فعله معها ،وتضحيته بسعادته وأصدقائه من أجلها ،إلا أنّها غدرت به ،وهربت في أوّل فرصة لاحت لها. ، فقفز إلى ظهر جواده ،وهمزه ،وهو يقول:
شمسي و قمري
حصان ابن هادي إهبطوا الوادي
لنبحث على أختي
فلا أحد يرد في الدار
حين أنادي
إنطلقت الحصان، ووراءه الذئبين يسابقون الريح ، وتمنّى لو يطير ليلحق بأخته ، التي كان موكبها يسرع الخطى ،لكن نعيم تمكّن من إدراكها ،ولم يكن يخطر على بالها أن تراه خلفها ،فقال لها: إرجعي ،وعليك أمان الله ،فليس لي غيرك !!!لكنها أجابته : ألم تفهم بعد يا أخي ؟ فلقد إخترت طريقي ،فاذهب في حالك ،أجابها :والله لن أعود إلا معك أو أهلك ، فقالت لمياء للفرسان :أخي لا يعرف سوى لغة القوّة ،فامنعوه من الإقتراب منّي ،واقتلوه لو لزم الأمر !!!حارب نعيم بشجاعة ،وهو يصيح على أخته لترجع، لكنها أصمّت أذنيها عن توسّلاته وبكائه ،وواصلت طريقها ،وقالت لها القهرمانة :لقد أحسنت صنعا ،ولن تندمي على قرارك ،فلن تربحي من أخيك سوى الفقر والبؤس .في هذه الأثناء أصيب نعيم ،وسقط مثخنا بالجراح، فسحبه الذئبان بسرعة ،وأخفياه تحت الأشجار ،و أخذ الحصان بن هادي، يرفس بقدميه الخلفيتين كلّ من يحاول الإقتراب حتى أهلك عددا كبيرا من الفرسان .
وفي الأخير رموه بحربة فقتلوه ،أمّا نعيم فلم يعثروا عليه ،حتى الكلاب لم تشم شيئا ،فقال قائدهم : لا يمكنه الإبتعاد ،وسيموت من جراحه كان الفتى في ذلك الوقت جاثما على الأرض وهو مكسو بالنحل فلقد أسقط فوقه الذئبان عشّا كبيرا فسال العسل والشمع على جروحه، فعقّمها ،ومنعها من التّعفن ،وبسبب ذلك لم تشمّ الكلاب رائحته ،بقي الفتى يومين، والحمّى تأكل جسده ،وفي اليوم الثالث ،فتح عينيه ،ووجد الذئبين جالسين بجانبه ،فتحامل على نفسه ،وذهب للجدول لكي يشرب، فرأى حصانه ميّتا ،فبكى، وقال: لقد صدقت نبوءة العرّافة ،وأرادت أختي قتلي، لكن الخير الذي فعلته في الجروين الصغيرين ،هو الذي أنقذني من الموت ،وحين أشفى ،سأذهب إليها وأنفّذ وصيّة أبي ..
…
يتبع الحلقة 5 غدا