مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكاية ثأر النسوان من قصص بلاد الصعيد الأمور تتحسّن مع همّام (حلقة 3 )
بذلت نعيمة كلّ جهدها لتبدو الدّار لائقة ،وأتعبت نفسها لترضي حماتها وإخوات زوجها همّام ،لدرجة أنّ الحاج فرغلي قال لها :لا تفسدي زينتك يا عروسة ،إرجعي لغرفتك ،فلا زلت في يومك الأوّل !!! تردّدت الفتاة فهي تعرف شدّة غضب زوجها لو رآها في الغرفة ،لكن الرّجل شجّعها بنظرة من عينيه ،وقال لها: إحتمليه من أجلي ،فهو ليس سيّئا ،وما هي أيّام، ولن يقدر على الإبتعاد عنك !!! وقبل أن تدخل غرفتها أخذت نفسا عميقا ،ثم دخلت، فرأته جالسا أمام المنضدة ،يترشّف فنجان شاي دون أن يلمس الإفطار ،فتصنّعت الرّقة ،وقالت له: سأعدّ لك شيئا يعجبك !!! ثم طبعت قبلة على خدّه ،فبقي مندهشا من جرأتها ،رغم الشّتم والسّب الذي سمعته ،أما هي فأخذت الصّينية التي فيها عيش وعسل وبيض،ووضعتها في المطبخ، ثمّ نزلت إلى أحد أركان الحديقة الواسعة، وجمعت بعض الأغصان الجافّة، وأشعلت النّار وأعدّت خبز القمح ،وآنية فول وباذنجان، ثم صعدت إلى غرفتها بسرعة لكي يبقى الطعام ساخنا ثم وضعت الصّينيية أمام همام الذي كان متكئا على الفراش يقرأ صحيفة ،ويستمع للراديو وقالت له :ان شاء الله تكون تحبّ الأكل البلدي !!! كانت السّاعة تشير لمنتصف النهار إلا ربع ،ولمّا رآها أدار وجهه ،لكنّها جلست وراءه ،ومسدت رقبته ،وكتفيه ،فأحسّ بالإسترخاء ،وفي النّهاية إلتفت إليها ،ورمقها بشراسة ،ثم قال لها :لماذا لم تطلبي الطلاق مثلما فعلت كل من سبقك ؟
تعجّبت نعيمة من السّؤال ،ودون أن تفكّر ،وجدت نفسها تقول: ليس لي غيرك، أبواي قد ماتا، وأخي لا يريدني معه ،إعمل معروف، واتركني أعيش معك، على الأقل هنا أشبع ،ولا أتعرّى !!! أعدك أن أنام على حصيرة، ولا أقلق راحتك ،تحمّلني فقط في الليل ،ولما يأتي النهار ،سأساعد أمّك ،أليس أحسن من أن تأتوا بشغّالة ؟ ثم بدأت تبكي ،نظر إليها همّام ،وقال: لا أحبّ أن أرى دموعك ،هيّا أريني ماذا طبخت لنا !!! ولما تذوق الطعام أعجبه فهو بقي على أصله يحبّ الرّيف،ولم يتغير مثل إخوته الذين راقت لهم حياة المدينة ،أحس همام نفسه أحسن حالا ،فلبس جلبابا، وخرج فهنّأه أبوه وأمّه والمعازيم الذين أمضوا ليلتهم هناك ،نظر بدوي ،لزوجته ليلى ،وقال لها : أخي يبدو رائقا اليوم ،ولقد إنتصف النّهار ولم يضرب تلك الفتاة ،أو حتى يفتعل خصومة مع ابيه، أليس هذا غريبا يا إمرأة ؟ قبل نعيمة طلّق إثنين، ولم يطلع الصّباح بعد !!! همس لها : هل أنت متأكّدة أنّك وضعت له السّحر كما إتفقنا ؟ أجابته: نعم ،مثل كلّ مرّة !!! لكنه لم يأكل من الصّباحية التي قدّمتها له،وتلك اللعينة طبخت له دون أن أعلم ، سأزيده في مقدار السّحر حتى لا يقوى على فتح عينيه .
خرج همّام إلى الحديقة ،وضرب النّسيم وجهه ،فأخرج سجارة نفث دخانها في الهواء ،شعر كأن الأصوات التي تهتف في أذنيه صارت متباعدة ،والألوان أكثر وضوحا أمامه ،لم يكن يعرف ما يجري له ،لكن المأكّد أنّه حين أكل من طعام نعيمة إسترجع بعض عافيته ،ثم إبتسم ،وقال يبدو أنّ نفسى تحنّ إلى الرّيف، ولمّا أتت تلك البدويّة حملت معها رائحة المروج والجبال ،وفجأة شعر أنّه يحبها ،ويشتاق إليها ،فألقى سجارته ،ورجع إليها ،فوجدها جالسة تمشط شعرها ،وتكحّل عينيها ،ولمّا رأته داخلا بقامته المديدة ،خافت منه، وجرت إلى ركن الغرفة الذي فرشت فيه حصيرة ،لكنّه صاح : إلى أين تذهبين يا بنت ؟ من طلب منك القيام ؟ لم تجد نعيمة ما تقوله ،فلقد رأت الإبتسامة واللطف على وجهه الوسيم ،وسألته : ألا تريد ضربي يا همّام ؟ لكنّه جلس على طرف فراشه ،وطلب منها أن تأتي بجواره ،فتردّدت قليلا ،ثم جاءته ،وبدأ يلمس شعرها الأسود النّاعم، ويديها ،وأحسّت بأنفاسه السّاخنة على وجهها ،ثم أغلق النّور ،وإنزلق معها تحت الغطاء الوثير .
مضى وقت طويل قبل أن يتساءل فرغلي أين ذهبت نعيمة فأنا لم أرها ؟ أجابته زوجته نفيسة إنها لم تغادر غرفتها : اللهم إسعد إبني يا ربّ ،فهو لا يستحقّ ما يجري له ،ولم نعرف سرّ الإكتئاب الذي أصابه فهو لا يريد أن يشتغل في المصنع الذي كتبته له ولأخيه ،ولا أن يتزوّج ،لعلّ تلك الفتاة تخرجه من الغمّ الذي هو فيه …
…
يتبع الحلقة 4