مكتبة الأدب العربي و العالمي
الأمير_وبئر_ملك_الجان الجزء الثاني
في أحد الأيام خرج الأخوان للصّيد، وكان معهما الوزير عبد الله والأمراء وأعيان المملكة ،وطارد السّلطان عمر ظبية حتى إبتعد كثيرا عن الأنظار، ومرّ الوقت ولم يعد ،فخرج الحرس ومعهم أخوه عليّ للبحث عنه ،وداروا في كلّ مكان، وقد إشتدّ خوفهم عليه ،لكن الأمير كان بارعا في تتبّع الأثر، وبعد قليل وجد عمر على الأرض وقد أصيب بحرح كبير في ساقه ،فسأله عمّا حدث له ،فأجابه أنّ ثعبانا قد هاجمه ،وكاد يقتله ،وطلب منه شربة ماء ،فقال الأمير عليّ : هناك بئر ليس بعيدا عنّا، سأحملك على حصاني لتشرب وتغتسل !!!ولمّا وصلا ،أطلّ عمر على البئر لكنه لم يجد فيه ماء، ولما إستدار دفعه أخوه في ظهره ،فسقط السّلطان في القاع ،ولم يعد يتحرّك .حلّ المساء ،ولم يظهر عمر .وفي الغد لمّا سمع أهل المملكة بما حصل خرجوا للبحث عنه ،وبعد ثلاثة أيام قرّر القاضي أنّ العرش سيبقى شاغرا حتى يعود صاحبه ،وفي إنتظار ذلك سيدير الأمير عليّ المملكة نيابة عنه .
حزنت عيشة على إبنها ،ولطمت وجهها ،وجاء الوزير عبد الله ،وخفّف عنها مصابها ،ثمّ قال: سأعود غدا للبحث عنه، فتلك المنطقة مليئة بالأودية والآشجار ،وأنا متأكّد أنّه لا يزال حيّا !!! أجابته :سأخرج معك، فقلبي يتمزّق عليه .واستغلّ الأمير عليّ الفرصة، فبدأ في وضع أعوانه في الدّواوين ،وأوقف المساعدات للفقراء ،وبدأ في رفع الضّرائب لتوسيع القصر وجعله أكثر فخامة ،ولم يستمع لنصيحة أحد .هذا ما كان من حاله ،أمّا عمر فلمّا سقط في البئر إلتطم بالقاع ،وفقد وعيه ،وفجأة أحسّ بيد تمسح وجهه ولما فتح عينيه رأى بنتا فائقة الجمال جالسة بجانبه ،فتعجّب منها ،وسألها من تكون، وأين هو الآن ،فلم يعد يذكر شيئا ممّا حصل له ،أخبرته أنّها من الجنّ ،وقومها يسكنون تحت هذا البئر ،ولقد وجدته ملقى هناك ،وعالجته سبعة أيّام بالسّحر ،ولولاها لمات ،وصار عظاما نخرة .
شكرها الفتى على معروفها ،وقال لها: لا بد أن أخرج فلا شكّ أنّ أهل المملكة قلقون من غيابي ،ردّت الجنيّة :إذن أنت السّلطان عمر !!! لقد سمعنا عن عدلك ومروءتك ،لكن الأخبار سيّئة فلقد سمعنا أنّ أخوك إستحوذ على عرشك، وثبّت حكمه ،ولقد أفسد كلّ ما قمت به من تدبير ،ولو رآك لقتلك دون رحمة، تنهّد عمر، وأجاب : لقد حاول ذلك لمّا دفعني في هذه البئر المهجورة ،لكن يشاء الله أن أنجو من الموت !!! قالت الفتاة إ:سمي حورية وأناأنصحك أن تبقى حتى تندمل جراحك، ثمّ نفكرّ فيما نعمله .كان تحت البئر سراديب طويلة تضيئها المشاعل ،وكان الجنّ يسكنون فيها، وهم حسان المنظر ،لكن لهم حوافر مكان الأقدام ،وتعوّد عمر على حورية ،وصار ينتظر قدومها بفارغ الصّبر، ولمّا تأتي كان يجلسان معا ،ويقتسمان صحفة الطعام وكسرة الخبز،وكانت بنات الجنّ ينظرن لهما، ويستغربن من هذا الحبّ بين إنسي وجنيّة .
مرّت الأيام وشفي عمر وأصبح بإمكانه السير على قدميه ،ثم قال لها إسمعي !!! والله لا يهمّني العرش، وأنا سعيد بجوارك ،وقومك ناس طيّبون ،كلّما أريده أن أنقل رسالة لأميّ المسكينة ،لا شكّ أن الحزن يقتلها ،فأنا إبنها الوحيد ،وهي تحبني كثيرا .جرت دمعة كبيرة من عين حورية ،وقالت :منذ زمن طويل كانت كلّ هذه الغابة أرضنا، لكن جاء الصّيادون ،وأطلقوا كلابهم ،ونحن نخاف منها ،لذلك صرنا نسكن ذلك البئر الجافّ ،لكنّي سأذهب إلى أمّك وأخبرها .قبّل عمر جبينها ،وقال: لن أنس لك معروفك ،لكن حافظي على نفسك ،وسأنتظر رجوعك بفارغ الصّبر .إلتحفت حورية بعباءة طويلة غطت ساقيها وسارت بين الأشجار حتى صادفت صيّادا دلها على طريق المدينة ولما وصلت القصر طلبت رؤية لالة عيشة ،لكن الحراس أخبروها أنها رجعت لبيتها ،وهي مريضة ،ولا تكلم أحدا !!!
إحتارت الجنّية ،فهي لا تعرف أزقّة المدينة ،وهذه أوّل مرّة تخرج من البئر، ثمّ وقفت تفكّر ،وفجأة رأت الوزير عبد الله يخرج من الباب ،ويركب بغلته ،فقالت في نفسها : سأسأل هذا الشّيخ، فربّما دلّني عن الطريق …
…
يتبع الحلقة 3 والأخيرة
من قصص حكايا العالم الاخر