الرئيسيةالمنصة الدولية زووم
محاضرتي الرابعة في موضوع اللسانيات الحاسوبية. امام طلبة الماجستير والدكتوراة
منهج اللسانيات الحاسوبية :
بما أن مصطلح اللسانيات الحاسوبية جاء نتيجة لتداخل اللسانيات الحاسوبية بعلوم الحاسوب، وتتناول موضوعات شتى باعتماد على الحاسوب، وهذا ما أدي لاختلاف الباحثون في تحديد مناهج اللسانيات الحاسوبية تحديدا واضحا، ولعل ذلك راجع إلى تجاربهم ومشاربهم العلمية، فإن كان الجميع متفقون على أن هذا العلم يعالج المواد اللغوية في الآلات الإلكترونية، فإن بعضهم يجعله جزءا من الذكاء الاصطناعي، وبالتالي يفرض على اللسانيات الحاسوبية مناهج الذكاء الاصطناعي، والتي تقوم على جانبين وهما[21]: الجانب النظري، الذي يعني بمعرفة الإطار النظري العميق الذي يعمل في الدماغ البشري لحل المشكلات الخاصة (كالترجمة من لغة إلى أخرى)، أما الجانب التطبيقي فيتمثل في التعامل مع الرياضيات الخوارزمية* والتي هي مجموعة من القواعد ترتب بشكل معين لتعطي نتائج مماثلة للنتائج التي نجدها لدى الإنسان .
هناك من الباحثين على سبيل المثال “إبراهيم أنس”، الذي ربط اللسانيات الحاسوبية بحقل الإحصاء اللغوي للمواد اللغوية، وهنا يستند الباحث على المناهج الإحصائية كل المشكلات. وإضافة إلى ما سبق فهناك فئة أخرى ترى أن اللسانيات ماهي إلا تحصيل حاصل لتصميم وتطبيق لتقنيات العمليات الرياضية الخوارزمية وذلك من أجل اللغات الإنسانية وتركيبها.
نفهم من هذا أنها ذات صلة باللسانيات العامة، حيث نأخذ منها المفاهيم والمبادئ الأساسية المتعلقة باللغة وكيفية اشتغالها ويعتمد الذكاء الاصطناعي والتي هي بحاجة إليه حتى تمثل
المعارف الإنسانية خاصة ما يتعلق بالجانب النحوي و الدلالي، حيث يتمثل الدماغي الآلي للدماغ البشري.
إن المعطيات التي تجري عليها عملية الحساب في الرياضيات الحاسوبية هي كميات معلومة تكون على شكل كائنات رياضية وكذلك الحال في الفيزياء الحاسوبية فإن معطياتها الحسابية هي كائنات فيزيائية وهذا ما يقال أيضا عن اللسانيات الحاسوبية التي تتخذ من المعطيات الحسابية موضوعا لها.
الملاحظ إذن حسب ما مر بأن طبيعة المعطيات المتناولة هي تابعة للنظرية و متوقفة عليها، فقد ينطلق الباحثون من نظريات رياضية أو فيزيائية أو لسانية و تكون معطياتها تبعا لذلك المنطلق، ومنه فإن تخصيص تلك العلوم بالحاسوبية لا يجعل منها علوما جديدة بقدر ما يسلط الضوء على المنهجية المطبقة في تلك العلوم ينبغي أن يكون للاستخدام الحاسوبي رافد نظري من العلم نفسه الذي يزيد حوسبته، وبالتالي يكون الاعتماد على الأسس النظرية التي يتوخها المجال المعرفي الذي ينكب الباحثون على دراسة اشتغال معطياته و إقامة التصورات حول العمليات التي تجري عليها، وعلى اللسانيات الحاسوبية العودة إلى الأسس النظرية التي وضعتها اللسانيات العامة و الاستفادة منها في إثراء البحث اللساني الحاسوبي والذي ليس بمعزل عنها[22]
إن تبني مقاربة حاسوبية من أجل دراسة موضوع معين يعني دراسة هذا الموضوع ضمن ثلاث مستويات من التجريد: مستوى المكنزم والمستوى الخوارزمي، والمستوى الحاسوبي الحض، وهي ممثلة كالاتي[23]:
1-مستوى الميكانزيم : يعني بوصف المهام التي تقوم بها العناصر المادية للدماغ، وهنا يقصد بطبيعة الحال الدماغ الآلي.
2- مستوى الخوارزمي: وهي وصف الخوارزمية التي تتحكم في نشاط الجهاز، وتتبع هذه المقاربة عدة تشكيلات وعمليات ممكنة وغير محددة بما أنها على ارتباط بالجهاز المتوفر.
3- مستوى الحاسوبي: أعلى مستويات التجريد، يتعلق بتحليل المشكل في إطار معالجة المعلومة (أي النقل الرمزي للمعلومة) بمعنى يتم تحديد ما يمكن حسابه ولماذا، وكذا توفير نماذج رياضية لهذه المشاكل.
يعتمد البحث في اللسانيات الحاسوبية على النمذجة والتي هي مجموعة من الفرضيات حول مستويات التمثيل يفسر بها الباحث مظهرا حاسوبيا للغة ويطور فيها نماذج نظرية لتفاعل تلك المستويات، وتظهر جليا في المستوى الثالث من مستويات التجريد في الدراسة الحاسوبية للغة. إذن النظرية اللسانية تتبع النمذجة، وهي نظرية للحسابات اللسانية تضع فرضيات وتقترح مبادئ وقيود لتلك الحسابات ولمواضيعها، بصفة عامة إن أطروحة اللسانيات الحاسوبية تفرض وجود معجم يمكن أن توصف فيه بنية السيرورات الذهنية الخاصة باللغة أي اللغة الضرورية للتعبير عن الخوارزميات .
إن أهم ميزات اللسانيات الحاسوبية هي النمذجة الحاسوبية حيث تضم هدف النمذجة وهو وصف السيرورات التي يمكن حسابها و التي يتم فيها تركيب اللغة وتحليلها، بإضافة إلى تحليل المشاكل في مستواها الحاسوبي، والمقصود بالنمذجة أي أنظمة عملياتية تحاكي بنيتها العلائقية سيرورة معينة كسيرورة اللغة .
لقد شهد نشاط النمذجة في اللسانيات تطورا معتبرا بدءا بسنوات 1970م تهتم النماذج اللسانية بالظواهر المشاهدة، مثل كل العلوم التي تعالج معطيات تجربية، يتعلق الأمر بوضع تصور لجهاز يعطي تشغيله نتائج مشابهة لتلك المعطيات اللغوية المشاهدة، النمذجة إذن وسيلة لتشغيل النظرية، تسير مدى مناسبتها للواقع التي تعمل على تفسيرها.
من هذا المنظار، كلما كان النموذج بسيط كانت قدرته التفسيرية أكبر، بما أنه يمكن تعيين دور كل عنصر من النظرية أثناء اشتغاله، لكن هذه البساطة المثالية تتماشي مع ضرورة الموافقة القصوى للمعطيات في أكبر دقة ممكنة، مما يدعو إلى تعقيد النموذج . إن صياغة النماذج تتم بمشاركة الرياضيات بصفة مباشرة أو عبر المعلوماتيات، فكل نمذجة حاسوبية تتفرغ دائما عن نموذج رياضي تفرغا ظاهرا أو مقدرا، و المعلوماتيات يقصد بها الجانب الصرفي و التركيبي وبالتالي تنتج محللات صرفية وتركيبية[24] ” يتعين على المعنيين باللسانيات الحاسوبية في بحوثهم توصيف قواعد العربية لأغراض البرمجة الحاسوبية اتباع المنهج الوصفي”[25] .وحسب هذا القول إذا كان الأمر يتعلق بتوصيف قواعد اللغة العربية لأغراض البرمجة الحاسوبية، فعلى المعنيين إتباع المنهج الوصفي بحيث يقومون بعملية استقراء لنظام اللغة العربية، والذي تناوله مختلف علماء العرب على تعدد مناهجهم و اتجاهاتهم.
وخلاصة القول أن منهج اللسانيات الحاسوبية يتضمن عدة فروع ينبني عليه، أو بالأحرى و الأخص يعتمد عليها فنجد منها : مناهج الذكاء الاصطناعي، المناهج الإحصائية و الرياضيات الخوارزمية. وتعود في بعض الأحيان إلى المناهج التقليدية التي انبنت عليها اللسانيات العامة، عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم الأساسية للغة، و اتخذت من النمذجة الميزة الأساسية التي تساعد على تفسير الظواهر اللغوية .
4- اللسانيات الحاسوبية و المعالجة الآلية للغة :
1- المعالجة الآلية للغة : تهتم المعالجة الآلية للغة بدراسة الجوانب الحاسوبية للغة و المشاكل اللسانية و الحاسوبية التي تواجه هذه المعالجة سواء أكانت هذه اللغة منطوقة أو مكتوبة وبناء نظام معالجة اللغة العربية مهمة معقدة و صعبة، وذلك لصعوبة إدماج المعارف الصوتية والصرفية و النحوية و الدلالية في هذا النظام .
2- تعريف بالمعالجة الآلية:
أ/ المعالجة : من وجهة نظر علم اللغة الحاسوبي هي التطبيق الآلي على مجموعة من نصوص اللغة وذلك بتغيرها و تحويلها، وإبداع شيء جديد اعتمادا عليها ويتم كل ذلك باستعمال تقنيات و أدوات من علوم اللسانيات و الإعلام الآلي و النمذجة، ويجب التفرقة عند المعالجة بين وصف المعارف وهي وظيفة اللسانيات و التعبير في هذه المعارف في نماذج باستخدام تقنيات وإستراتيجيات فعالة مستمدة من علوم الحاسوب وهي وظيفة علم اللغة الحاسوبي[26]
ب/ الآلية: هي التي تجري عن طريق الآلة، والتي تقابلها العمليات التي تجري بواسطة الإنسان والحاسوب هو الآلة التي تستعمل في معالجة اللغة . الذي اخترع إجراء العمليات الحسابية، ووجب تطوره لمعالجة المعلومات ذات الصلة بالطبيعة اللسانية، حيث أن المعالجة الآلية هي تتابعه حركات حسابية تقوم بها الآلة وفق تسلسل زمني أي إن برنامج المعالجة الآلية(Automatique Programme ) يمكن أن يكون كليا (Total) أو جزئيا (Contraintes) حيث أن[27] :
أ – كلي: يقوم الحاسوب بكل شيء.
ب- جزئي: يتدخل الإنسان في بعض المراحل .
ومعالجة شيء لساني في الآلة كثيرة في وصف النصوص اللغوية نفسها لذا يجب نمذجة مكونات النصوص بطريقة واضحة و متناسقة حيث يقر البحث اللساني المعرفي بواقع علمي مفاده أن النماذج قد أصبحت تفرض نفسها كتقنية ومنهج، وهدف هذه التيارات المعرفية بسبب طابعها العلمي و التكنولوجي[28]
3- مجالات البحث في المعالجة الآلية للغة : تنقسم مجالات البحث في المعالجة الآلية للغة إلى ثلاثة مجالات أساسية :
1- مجال مشترك ونقصد به العتاد اللساني.
2- برامج بحثية.
3- برامج تعليمية.
– العتاد اللساني:
– المعاجم الإلكترونية المتكاملة (أصوات، صرف، تركيب)
– مولد و محلل صرفيان.
– مولد و محلل نحويات.
-البحث العلمي:
– التعرف على الحروف سواء منها المطبوع أم اليدوي
– الترجمة الآلية و الترجمة المسعفة بالحاسوب.
– التوليف الصوتي.
– التوثيق الآلي.
– الفهم الآلي للنصوص.
– التعليم:
– تصميم برامج تعليمية على عتاد إلكتروني.
– تصميم برامج على الإنترنت برامج عالمية.
واذا اخصصنا أي برنامج تعليمي مصمم لأي مرحلة من مراحل التعليم، سنجده يحصر خبرته في الجانب التربوي والجانب الحاسوبي أما الخبرة اللسانية التي تشكل عصبه المركزي فقلما تؤخذ في الحسبان، مما جعل منها برامج غير قادرة على القيام بمهمتها في عالمنا المتطور الذي أصبحت فيه تقنية التعليم تحتل الصدارة في صناعة البرامج التعليمية والبحثية
5- الوصف والتوصيف:
مبلغ القول أن الوصف للإنسان، وأن الوصف للحاسوب وهو يقابل الحدس عند الإنسان، فللإنسان حدس وليس للحاسوب حدس، وللإنسان فهم وليس للحاسوب حتي الآن الفهم[29]
وبيان الفرق بينهما يتمثل في أن وصف العربية هو ما وقع للعلماء العرب من قواعد استنبطوها من الأداء اللغوي الواقعي أو الفعلي بإضافة إلى ما يتحصل من معرفة بالحدس والسليقة والخبرة المعرفية والتثقف والعرف اللغوي و المقام[30]
أما التوصيف فهو الوصف اللغوي المجرد، تضاف إليه ككل الاحتمالات التي ليس بمقدور الحاسوب أن يتعرف عليها، من ذلك المقولات التي تعتمد في تأويلها الدلالي على السياق ومعرفة العالم الخارجي……..
وهذا المثال يوضح لنا المقصود: إذا سمع المتعلم(الواو) في مثل:
– عاد المسافر و أهله، عاد المسافر وأهله نائمون، عاد المسافر والغروب.
عرف أن الواو في الأولى (عاطفة) وفي الثانية(حالية) وفي الثالثة(للمعية) معولا على مرجع (الحدس)يكون دليله إلى (الفهم) وإقامة(الفرق).
أما الحاسوب فهو محتاج إلى ثبت من القرائن الاضافية و البيانات الاضافية حول كل مفردة في الجمل إلى جانب عيار مستوفي للواو يعين معناها في كل جملة ويدل على الفرق بين كل واو غيرها في هذه الجملة.
6– الحدس :
الحدس ميزة عقلية يستطيع بها الانسان أن يتلمس الصلة بين ماهو كائن، و ماينبغي أن يكون، و لو كانت هذه الصلة إدراكا مباشرا ليس له مرجعية ذات إحساس لكان من السهل علينا القول : إن الحاسوب له حدس، فالحاسوب يعمل وفق ما صمم له من برامج من غير إحساس و لا شعور، و هي بما يدفع به إليه .
من هنا لم تكن قدرة الحاسوب على الحدس كتلك التي عند البشر، و لذالك ليس من المتوقع أن يكون الحاسوب قادرا على تقدير الأمور و وضعها في نصابها، إلا بمقتضي حدود البرمجة، و هو حدود حسب معلومة