يعتبر مجتمع المعرفة أرقي مراحل تطور المجتمعات المعاصرة، فهو ذلك المجتمع الذي تستخدم فيه المعرفة في كافة مجالات الحياة: إقتصادية، إجتماعية، ثقافية، وسياسية، يعتبر فيه الإنسان صانع المعرفة ومن يتولى توليدها ونشرها وتوظيفها بعد ذلك، مستنداً على الحضور المكثف لتكنولوجيا المعلومات في مختلف المجالات، وإتخاذ من المعرفة وسيلة رئيسية كأهم مورد للتنمية الإقتصادية.
لقد إزداد إرتباط التنمية الإقتصادية بالمعرفة في العصر الحديث؛ فقد أصبحت المعرفة من العوامل الرئيسية المساهمة في تحقيق التنمية الإقتصادية؛ فنظراً للطبيعة العالمية التي أصبحت تتسم بها العديد من التحديات التي تواجه مبادرات وجهود التنمية وأيضاً ضرورة تطبيق الإستجابات بما يتوافق مع إحتياجات ومتطلبات التنمية على النطاقات المحلية، ما عادت التنمية الإقتصادية قائمة على المؤشرات الإقتصادية فحسب، بل أصبحت تعتمد في أغلب الأحيان على الموارد البشرية (الإنسان)، وقدرته في زيادة المعرفة ونشرها والإستفادة منها.
وتُعد المعرفة أحد أهم أسباب إرتقاء الأمم وسبب نهضتها كونها تمثل المصدر الأساسي للقوة المجتمعية وهذا يوضح لما تم تسمية العصر الحالي بعصر المعرفة؛ حيث أن المعرفة أصبحت مكون أساسي من مكونات ودعائم الإقتصاد وبالتالي تدخلت المعرفة في مختلف الشؤون الإنسانية في العصر الحديث وبذلك تكون المعرفة هي الثروة الأساسية للإنسان.
وفي ظل تسارع وتيرة التنمية الإقتصادية والإجتماعية في العالم المعاصر، تتجه الإقتصادات بصورة متزايدة نحو الإعتماد على المعرفة بهدف الوصول إلى أساليب أكثر كفاءة لإنتاج السلع والخدمات وتقديمها بصور أكثر فاعلية لجمهور المستفيدين منها؛ وقد كان لذلك بالغ الأثر على نشر المعرفة بين المنظمات؛ فقد أصبحت المنظمات تهتم بإنشاء المعرفه، والحصول عليها، وإستخدامها، ونشرها؛ وفي ظل زيادة معدلات التنمية ومستويات خلق الثروة، تسعى الإقتصادات إلى زيادة حجم أنشطة إدارة ونشر المعرفة بما يتوافق مع الإحتياجات التنموية.
وقد أدى ذلك إلى التزايد التدريجي لما يعرف بـ”الفَكْرَنَة” (أي التوجه نحو الموارد الفكرية)؛ ونظراً للنتائج الإيجابية لذلك، فقد إزداد توجه الدول الرائدة إقتصادياً نحو إنتاج ونشر المعرفة، مما زاد من أهمية إنتاج ونشر المعرفة إلى حد إعتبارها أكثر أهمية حتى من العمليات الإنتاجية والموارد الطبيعية؛ وقد أدى ذلك إلى تحول المجتمعات البشرية إلى “مجموعات معلوماتية”؛ وكلما إزدادت قدرة المجتمع على الحصول على المعرفة ونشرها، كلما كان أكثر قدرة على تحقيق النمو الإقتصادي المستدام؛ أي أن العلاقة بين التنمية الإقتصادية ونشر المعرفة تبادلية.
ونظراً لأن العنصر البشري في قلب العلاقة التبادلية بين التنمية الإقتصادية ونشر المعرفة فيرى الباحث أن ذلك يفرض على المنظمات الإهتمام بتنميته وتعزيز ما لديه من معرفة، ومهارات، وقدرات حتى يتمكن من المساهمة في تحقيق الأهداف العامة للتنمية الاقتصادية على المستويات المؤسسية؛ وبالتالي، فإن الموارد البشرية تؤثر في تنمية الموارد المعرفية، والعكس صحيح.