اقلام حرة
هي غربة وانتظار !!! بقلم : د. عائشة الخواجا الرازم
إن ما يرسله لكم الكاتب الوفي لتسمعوه وتقرأوه ، ثمنه من دمعه ودمه ولأجلكم ... لتتبينوا )
عشناها غربة عن أنفسنا وعن أقرب الناس إلينا ، عشناها مساحات واسعة! نذرف الدموع شوقاً ليوم أبيض نرى فيه وضوح النهار ، وحينما نعد العدة ونحمل بقجة العودة ، نفاجأ بالغربة الجديدة ، تأتينا أخبار الفصول وتحولاتها فور وصولنا إلى أول خطوة في قطار العودة ، تأتينا إشارات من كل القطارات متسارعة بالوميض ، تجعلنا نشعر أننا تأخرنا عن اللحاق بالقطار وقد هرع الآخرون قبلنا …
نتراجع إلى الوراء ونشعر أننا في المحطة غرباء لا تحتملهم صافرات القطار البطيء ولا ترن لهم صافرات القطار السريع .
يطول الوقوف والانتظار، وتفتح النوافذ وتشرع في تغيير هواء المحطة ، فيصفق الريح وجوهنا وتتطاير حقائب السفر الخفيفة التي جئنا نحملها فارعين دارعين أمام الناس ، لنقول لهم ونشعرهم بأننا زاهدين في الأحمال ، وكأننا نقول لهم لا نحمل سوى الهوية ، حقائبنا فارغة وخفيفة الوزن فلا نثقل على فرقونات القطار … إلا من هوية !
نسمع صفير القطار … مخيفا خائفا من أشكالنا ومن أوزان ما نحمل …فيتركنا ويحمل كل الطوابير المحملة بالأثقال والأوزان …
ويطل الهجير علينا من كل الجهات ، فيتركنا القطار ويمضي بعيداً عنا … يركب الناس ونحن نهفو للركوب . ثم نقترب من السكة في الطريق ونلوح للقطار الجديد ، حتى لو أمطرت وأعادتنا للشعور بأن في المسار سيحضر السريع القطار الجديد .
… يطول الترقب باقترابه نعم يطول الترقب ….فنحن ننطوي على ترقب لا ينتهي .
طالت بنا الحياة المثقلة بالترقب من وراء حجاب جدار مهدوم وحبل غسيل دائم الحركة تحت الرياح ، فكل ملعب نقفز في ساحته يغربنا أكثر ، حتى بتنا غرباء في حوش الدار الذي وسعناه ليتسع لعائلتنا المتكاثرة بحجة مباهاة الأمم يوم القيامة .
غرباء بين الأهل وفي السهل وفي الوديان وفي الموئل ،. غرباء حتى النخاع … وكل غربة تنادينا بأنها هي المحطة الأخيرة ! فلا نهايات في المحطات ولا قطارات تتوقف لنتعلق في حجراتها أو حتى على أطراف فرقوناتها ، كل القطارات تمضي بعيداً عن وقفتنا ، وتقل غيرنا وتسحب أنفاسها وتطلق الصفير .
كل المواقف والمحطات التي انتظرنا القطار فيها محفور عليها كلمة غريب … وفي ذيلها سهم يؤشر علينا …وكل من يقرأ هذه الكلمة ينظر إلينا ويجحر فينا من ساسنا لراسنا ، وكأننا موسومون بمشرط الحروف الناتئة ومرصود دمنا لاستغراب الخلق بدون هوادة …
كل المحطات تعرفنا وتعجب بفجرنا الذي ترانا فيه مصبحين نشطاء ، تلملمنا صحوة ابتسامة تنم عن صبر يعقوب وأيوب وننهل من إشراقة الشمس رفة الأمل ، فيبادلنا المسافرون المسرعون بضحكة واسعة غير مجلجلة في المحطات فيها خجل وحسرة علي حالنا ، كأنهم يدركون أن القطارات والمسارات لن تتوقف بجانبنا … نشعر بأننا أخوتهم وهم أخوتنا …ونتجاهل بأن ضحكاتهم هي تعاطف مبرق مؤقت يرثي لحال انتظارنا ..
كل المحطات لنا ملكية مؤقتة لكننا نعرف أنها تتجهم في وجه صبرنا وتقول بلغة واحدة (صورة الهوية غير قابلة للاستخدام ) ونعرف …ونعرف ونمضي متمسكين بالبطاقات القديمة التي نحملها للركوب … وأنها مدموغة بالأمل مع وقف التنفيذ …!!!