مقالات
الفلسفة الصينية: العظماء هم الذين يتكلمون عن الأفكار (أ.د. حنا عيسى)
(لقد كان كونفوشيوس مُنظّرا سياسا بارعا، وينبني فكره السياسي على ثلاثة نقاط رئيسية: أولا، الحُكم وفقا للأخلاق، ثانيا، مركزية السلطة، ثالثا، معارضة الاستبداد الفردي واحتكار الوزراء للسلطة. حيث يولي كونفوشيوس أهمية كبيرة لدور الأخلاق في السياسة، ويطالب الحاكم بأن يعطي القدوة الأخلاقية للناس، حيث يقول في هذا الجانب: “السياسة هي الاستقامة، فإذا كان الحاكم مستقيما، هل سيجرؤ المحكوم على ألا يستقيم؟ نعم، لو قال كل إنسان ما يفكر فيه بصدق فإن الحوار بين البشر يصبح قصيراً جداً.. سلح عقلك بالعلم خير من أن تزين جسدك بالجواهر.. ليس من أغراك بالعسل حبيباً، بل من نصحك بالصدق عزيزاً.. العقل كالمعدة المهم ما تهضمه لا ما تبتلعه.. ليست العظمة في ألا تسقط أبداً بل في أن تسقط ثم تنهض من جديد.. ما يبحث عنه الرجل النبيل موجود في نفسه، وما يبحث عنه الرجل الدنيء موجود عند الآخرين)
الفلسفة الصينية هي الفكر الفلسفي بالصين، الذي يعود تاريخه إلى الألف الأولى قبل الميلاد، وقد سبق للآثار الثقافية الصينية القديمة أن تضمنت إرهاصات عدد من أفكار هذه الفلسفة. ففي “جو يوى” و“تزو تشوان” يرد ذكر العناصر الخمسة (الماء والنار والخشب والمعدن والتراب)، التي تتجمع على أنحاء مختلفة، فتؤلف الأشياء كلها.
وفي “أي تزين ” والشروح عليه تشكلت موضوعة الديالكتيك الصيني القديم حول تفاعل قوتي “اين”و”يان“، اللتين تمثلان المبدأين القطبيين ألمتعارضين – الظلمةوالنور، السكون والحركة، السلبي والايجابي، المؤنث والمذكر – اللذين عن تفاعلهما وتعاقبهما تتولد كافة التغيرات في الطبيعة والمجتمع.
ويعود “العصر الذهبي ” في تاريخ الفلسفة الصينية الى مرحلة تشانغو (القرون 5-3 قبل الميلاد)، ففيها ظهرت المدارس الأساسية وتشكلت النظريات الرئيسية.
وقد عنيت المدرسة التاوية (أنصار لاو تزى وتشوان تزى) بمسألة جوهر “التاو” (أي قانون، أو طريق تغير الكون)، فليس للإنسان أن يفعل شيئاً، من شأنه أن “يحرفه ” عن مجرى الأمور الطبيعي أو أن يخل بروابطه بالطبيعة.
واهتمت الكونفوشية التي أسسها هون تزى (كونفوشيوس) ومين تزى وسيون تزىبمبادئ إقامة مجتمع منسجم، يقوم على كمال الأفراد الذاتي والتنظيم الصارم للعلاقات الاجتماعية.
فقد طرح كونفوشيوس مشروع مجتمع وزعت فيه الالتزامات بين أعضائه توزيعاً دقيقاً، بحيث يخضع الاسفلون للأعليين، والصغار للكبار، والابن للأب، والمرأة للرجل.
وقد وقف ضد الكونفوشية ممثلو المدرسة الليغية (هان في وغيره)، الذين أكدوا على أن العلاقات في المجتمع يجب ألاّ تقوم على أساس التنظيم الصارم لحياة الناس الاجتماعية والكمال الذاتي الأخلاقي، وإنما على اساس “القانون ” و “حكمة القادة “.
وفي القرون 10-13 ظهرت “الكونفوشية الجديدة ” مزيجاً من الكونفوشية القديمة والطاوية والبوذية، التي بدأت تتسرب الي الصين منذ القرن الميلادي الأول.
وقد جاء الكونفوشيون الجدد بحلول مختلفة لمشكلة العلاقة بين مبدئي الوجود الموضوعيين – “لي” (المثالي) و”تسي” (المادي).
وجاءت حروب الأفيون والحركات الفلاحية الجماهيرية في القرن التاسع عشر،فعززت النزعات الإصلاحية في المجتمع الصيني، مما انعكس في الفلسفة الصينية أيضاً.
فتحت ستار النضال من اجل إحياء تعاليم كونفوشيوس الاصلية طرح “كان يوى” فكرة خلق الظروف لتطور العلم والاقتصاد في البلاد، وللانتقال الى مجتمع قائم على مبادئ المحبة الشاملة وغياب التناقضات الاجتماعية والتفاوت في الاملاك.
وارتبط التطور اللاحق لفكرة تحوير المجتمع التقليدي باسم “صون يات“، الذي قام مذهب الاجتماعي على مبادئ ” القومية ” و “سلطة الشعب ” و “رخاء الشعب “. وكان لهذه المبادئ المفهومة بروح ديمقراطية، شأن كبير على طريق تطور المجتمع الصيني روحياً وسياسياً.
” العاقل لا يتكبر أمام غيره بمنزلته العالية حتى وإن كان ملكاً “(تشوانغ سي)