شعر وشعراء

أنـــا والـصَّـــــدى / الشاعر حسن منصور

أنـــا والـصَّـــــدى
الشاعر حسن منصور
وأنْتَ أَمـــامي أُفـكِّــرُ فـــيـكْ || وَأنتَ وَرائـي أُفـكِّــرُ فــيـكْ
وأنتَ تُحـيــطُ بكلِّ خُــطـــايَ || وفي كُلِّ نَـبْـضي أَنا أَلْتَقـيكْ
هـواجِـسُ نفْسي تَدورُ علــيكَ || ومُنذُ الطُّـفــولَةِ إِنّي أَعـــيكْ
أراكَ تُحَــوِّمُ فـوقَ خَـيالِي || وتَرْسُمُكَ الشّمسُ فوقَ الشُّكوك
فــأنْظُـرُ نَحـوَ السَّماءِ مَــلــِيّـاً || لـعـلّي أراكَ كَـمـا أرْتَجـيـك
ولكنْ أَرى الشّمسَ تَبهَرُ عَيني || وما كانَ يُبْديكَ صارَ يَقيك
****
رأيْـتُـكَ يومــاً أمــامي تَســيرُ || بَعــيدًا بعـيـدًا ولَمْ تَنْـتَظِرْنِي
فأسْرَعْتُ خَلفكَ كَالبَرقِ أعْدو || أُناديكَ: مَهلاً! فَلمْ تَسْـتَمِعْني
وما إنْ دَنَوْتُ وقُلتُ وصَـلْتُكَ || حَـتّى اخْـتَفَـيْتَ ولَمّا تُجِـبْني
فـهـلْ أنتَ تسْمعُ مـاذا أقـــولُ || أتَسمَعُ صَوْتِي ولَهْفةَ عَـيْني
أتسْمعُ نَجْوى فُؤادي الشَّغوفِ || أتسمعُ روحي ونَفْسي وذِهْني
وهــلْ أنتَ فِيَّ ولَسْتُ أراكَ || وهـلْ أَنـا فـيكَ أُفـتِّشُ عـنّي؟!
****
لقدْ صَدِئَتْ بِالْحَوادِثِ نفْسي || فَروحي تَئِنُّ وصَدري يَضيقْ
وأنْظُرُ حـوْلِي لعَـلَّ صَديقاً || سيَسْمعُ صوْتِي، وَما مِن صَديقْ
أُحَــدِّقُ في كُـلِّ وجــهٍ أَراهُ || بِلَهْـفَـةِ طفْــلٍ أَضاعَ الطَّـريق
وأرْجـو التَّعَلُّـقَ منْها بِشيءٍ || كَـما تَـتعـلَّـقُ أيْـدي الغَـــريقْ
ولكنْ وجـدْتُ التَّـشبُّثَ شَيْئاً || بَعـيدَ الْمَــنالِ وَمـا لا أُطـــيقْ
ولَمّا يَئِسْـتُ وكِدْتُ أَغوصُ || وجَـدْتُـكَ تُشْعـلُ فِيَّ الْحَـريقْ!
****
فقُلْ لِي بِرَبِّكَ مِنْ أيْنَ تَأْتِي || وكــيـفَ تَجيءُ بِغــيْرِ انْتِـظارِ
لِماذا أَتَيْتَ وأيْقَظْتَ روحي || وَأَجَّجْتَ عزْمي وأشْعلتَ ناري
وكيفَ عـرفتَ بِأنّي أُعـانِي || وكيفَ أتَيــتَ إلَى عُـقْـرِ داري
وكيفَ أضاعَـكَ مَرُّ السّنينِ || وكـنـتُ نَسـيـتُـكَ بعـــدَ ادِّكــارِ
فكيفَ احْتفظْتَ بذاكَ الوَفاءِ || ولَمْ تَـنْسَ وَجْهي بذاكَ الغِمارِ؟!
قَرَنْتَ الوَفاءَ بِدهْرٍ عَصيبٍ || فــفِعْلٌ عَـظيمٌ وحُسْنُ اخْـتِـيار!
****
أَسيرُ ـ وأنْتَ مَعي ـ مُطْمَـئِـنًّا || كَأنّي وُلـــدْتُ بِعـمْــرٍ جَــديدْ
ومَهْما اكْفَهرَّتْ وُجوهُ اللَّيالِي || فلَسْتُ أخافُ الدُّجى والرُّعودْ
ووَجهُكَ نَجْمٌ ثَوى في خَيالِي || وفي أفْـقِ عَـيْني يَشُقُّ السُّدودْ
إِلى أنْ أَتى الفَجرُ والدِّفءُ فيهِ || وبَسْمَةُ شَمْسِ الصَّباحِ الوَليدْ
وقَـبْلَـكَ ما كُنتُ أبْصِـرُ شيْئاً || بِهــذا الْجَـمالِ النَّـقيِّ الْفَـــريـدْ
فعُمْري جَديدٌ وعزْمي حَديدٌ || وَدَرْبِي أَكــيدٌ وخَطْـوي رَشـيد
****
وأنْظُـرُ حوْلِي أَمامي وخَلْفي || لعَــلّي أَراكَ كَلَـمْـــحَـةِ نــورِ
أُحِــسُّ بأنَّـكَ تَمْـــلأُ عَــيْــني || وأنَّكَ تَأْسِـرُ كُـلَّ شُـعــــوري
ولكـنْ عَـشيـتُ فـلسْـتُ أَراكَ || وأنْتَ القَــوِيُّ بِهــذا الْحُضورِ
أُريدُ التّحـقُّـقَ مِـنْـكَ عَــيـانـاً || لأَهْــزِمَ شيْـطانَ شَكّي الْمَريرِ
لأُوقِــنَ أنَّكَ ما كُـنْتَ تَنْـسـى || وتَغفَلُ عنْ صَرْخَةِ الْمُسْتَجيرِ
وهــلْ يَطْـمَئِنُ الْفَـتى لِنَعــيمٍ || يُشـاغِـلُهُ عَـنْ خَــفِيِّ الْمَـصيرِ؟!
****
تَوَدَّدَ لِي صـاحِـبٌ وقَـــريبٌ || وكُـنْتُ سَعــيداً بِهـــذا الــوَدادِ
فَهذا صَديقي وهــذا ابْنُ أُمّي || أَراهُمْ يُحِـسّونَ نَبْــضَ فُـؤادي
وَليْسـوا يَغيبونَ عـنيّ فأَشْكو || ولَيْسوا يُطـيقـونَ يومَ ابْتِعـادي
ولكـنْ مَشَـيْتُ طـريقَ الْحَـياةِ || فغـابَ الرِّفـاقُ وَضَلَّ اعْتِقادي
وأصْبحْتُ وحْدي بأرضِ فَلاةٍ || أنا مَــنْ أَرى وَأَنا مَـنْ أُنادي
وأنْتَ الوَحيدُ الذي صانَ وُدّي || فَـفـقْــدُكَ ليسَ كأَيِّ افْـتِـقــادِ!
****
وَما كنتُ أنْسى زَمانَ السُّرورِ || ولَهْـفَـةَ نَفْـسي بِذاكَ الصَّفـاءْ
كأنّي أُريدُ اغْــتِرافَ الْحَــياةِ || بِحِـسّي وَروحي صَباحَ مَسـاء
وأمْـشي كأَنّي بِطـولِ الْجِبالِ || وأَحْـــيا كأنِّيَ فــوقَ الـفَــــناء ْ
وَكِدْتُ هُنـاكَ أَضِـلُّ الطَّريقَ || ويَغْفو ضَميري وَيَطْغى البَلاءْ
إلَى أنْ رأَيْتُكَ تَسمـو بِفِكْري || وَتوقِــظُ فِيَّ صَـدى الكِـبْـرِياء
وتَدفَعُني في طريقِ الصُّعودِ || لأَمْشي ورَأْسي يَطـالُ السَّماء
****
لوامِعُ مـنكَ تَلــوحُ وتَخْـــفى || ولكـنْ يَـظـلُّ سَناهــا مُقــيـمــا
تَرى (عينُ ذاتِي) مَنارًا بِها || فيَهدي الغَريبَ ويَشْفي السَّقيما
ويَحْمي مِنَ الغَيِّ، مِنْ شَرِّ دُنيا|| معَ الشَّهدِ دَوْماً تَدُسُّ السُّموما
وَتَسْقيكَ كأسَ السُّرورِ ولكِنْ || تُمـيتُ الوَقــارَ وتُغوي الْحَكيما
فهــلْ أنْتَ مِنْ عالَـمٍ لا يَزالُ || نَقِيَّ الضّـميِر، مُــحِـبًّا حَمـيما؟!
أَفيضوا عَليْنا مِن الطُّهرِ شَيئاً || فـرُبَّ بَغِـيٍّ تَصيـرُ حَـشــيما!
****
وأنتَ أمــامي أُفـكّــــِرُ فــيكْ || وأنتَ وَرائــي أُفـــكّــرُ فـيـكْ
خَـفـيتَ عليَّ وَلِي قدْ ظَهرْتَ || وإِنَّـكَ لِي في حَــياتِي شَريك
ولَـسْــتُ أراكَ ولكـــنْ أَراكَ || وأنْتَ لــــديَّ ولا أدَّعـــــيـك
ولكــنْ بِـرَبِّــكَ لا تَـبْــتَـعِـــدْ || وَلَــب ِّ نداءَ الـذي يَرْتَجـيــكْ
وإنّي أَجــوزُ صِراطَ الْحَـياةِ || وأسْـعى إلـــيكَ لكيْ ألْـتَقـيـك
فكُنْ في ضَميري وكُنْ في حَياتِي || وكُنْ في سَمائي فأنْتَ الْمَليكْ!.
*****
الشاعر حسن منصور
[من المجموعة العاشرة، ديوان: (تقاسيم على مسيرة الزمن) دار أمواج2014م ـ ص31 ]

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
إغلاق