مكتبة الأدب العربي و العالمي
حكايا من القرايا “الحمار الضائع” عمر عبد الرحمن نمر
حكاية أهداني إياها عضو حكي القرايا الرائع " عبد الرحمن السبع "
حضّر أبو سليم عدّة السراحة، زوّادة أعدّتها أم سليم ف “سفرطاس”، وبرّاد شاي، ومطرة جلدية مملوءة بالماء. وضع الحلس على حماره، بعد أن شدّ الحياصة ليضمن ثبات الحلس، وضع الخرج على الحلس، وفي إحدى عينيْ الخرج وضع أكله وشربه، وفي الثانية طوريّة، وكالوشة… وأوقف الحمار بجانب حجر كبير على طرف الطريق، وقف أبو سليم على الحجر، وقفز قفزة شبابيّة وإذ به على ظهر الدابة…
ما أن وجّه الرجل الحمار إلى الجهة الغربية، حتى عرف الحمار أن (أبو سليم) يقصد خلّة القصب، وبالفعل أراد أبو سليم السراحة إلى الخلّة حتى (يُكَشْكِشَ) تحت أشجار الزيتون، ما شاء الله هطل المطر غزيراً في عامين متتاليين، وأبو سليم حرث الأرض مرتيْن، لكن العشب كان يماحكه ويغلّ، العشب طويل، وأكل الأرض، رغم رشّه بالمبيد…
وقف الحمار في أول قطان في الخلّة، فهو يعرف مرساه في الأرض، ونزل عن ظهره الفارس، وأنزل الحمولة… ثم شلّح الحمار حلسه، وحجّلة بحبل، حيث قيّد يده اليمنى برجله اليسرى، حتى يحدّ من حركته… وحمل كالوشته، وبدأ يعمل يا حدّادي طيحوا الوادي، يكشكش زعف الأرض وهشيرها، لتبدو عروساً مجلوّة… ورفع الرجل عقيرته بالغناء مع حركة الكالوشة وصوتها وهي تعانق القش، فكان تختاً موسيقياً بريّاً… تطرب له الطيور… والأشجار…
في العاشرة جاع الرجل، جلس في فيء شجرة، وتناول ما قسم الله له، وشرب الشاي، وبرم سيجارة هيشي دخّنها وهو مترَبّع على الأرض، وينظر فيما أنجزه، ثم قام وبدأ يعمل كأنما بدأ عمله للتوّ… ما شاء الله أبو سليم بطل عمل وإنتاج…
حميت الدنيا، وأصبح كل شيء يساوي ظله، اكتفى الرجل بالعمل، وذهب ليأتي بحماره، ويجهزه للعودة إلى البيت، ذهب حيث وضع الحمار، ولم يجده، صعد إلى قطان آخر، ولم يجده، فقطان ثالث ورابع وفي كل الأرض، لم يجد حماره.. إلى الأراضي المجاورة، وضاعت جهوده عبثاً… هلّل الرجل وحوقل… ولم يكن أمامه سوى حمل عدّته في الخرج والعودة إلى البيت بلا حمار… بعد العصر حاول وآخرون البحث عن الحمار في محيط القرية دون جدوى… ومع المغرب ذهب بموسِ كبّاسٍ ذي أنجمٍ ثلاث، وخيط من القنّب إلى أحد العارفين، وألجم عليه… وفي الصباح وسّع دائرة البحث لتشمل القرى المجاورة، دون جدوى… وفي اليوم الثاني والثالث… دون جدوى… إلى أن هداه عقله للذهاب إلى سوق الحلال لعلّ وعسى… وفعلاً كان… ما أن وصل سوق الحلال حتى كان رجل يمسك برسن حماره الضائع، ويدلّل عليه لبيعه، تقدم الرجل ملهوفاً من ضالته، وساوم صاحب الحمار المزيّف، واتفقا على الثمن، وعند الدفع تحجّج بأنه نسي المصاري في البيت، وأن عليه أن يأتي معه إلى بيته لينقده ثمن الحمار… ركب صاحب الحمار الحقيقي أولاً، ثم ركب خلفه المزيّف… وعندما وصلا أول رجل في البلد، قال السعيد الراظي: الحمد لله، لقيته؟ فأجابه: قللو(يقصد الرجل خلفه)… وزغردت أم برقوقة وسألت: أين وجدته؟ فقال: قولي له (للرجل خلفه)، وما أن وصل البيت حتى طرّدَ الحمار إلى مذوده، وتحلّقت حوله العائلة… وهنا بدأت المكاشفة بين الرجلين، وأقسم المزيف بأنه اشترى الحمار من بلدة السكسونية… واتفق الرجلان على تتبع خريطة بيع الحمار، وانتقاله من يد إلى أخرى… ليصلا إلى السارق الأول… فهل وصلا؟ هل وصلا؟ وأترك الإجابة لــــِ (أبو السبع ) وهي خرّيفيته، وقديماً قالوا ” صاحب الهرش أخبر بشدّ ذيله “.