في هذه الأيام نحيي ونستحضر ذكرى ثورة الجزائر الوطنية التحررية، التي اندلعت في تشرين الثاني العام 1954، وحققت أهدافها بالخلاص من ربقة الاستعمار الأجنبي والاحتلال الفرنسي، ونيل الاستقلال الوطني.
وكانت هذه الثورة الماجدة قد ألهبت أحاسيس ومشاعر وحماس الجماهير على امتداد مساحة الوطن العربي، وتغنى الشعراء في كل مكان بها، فأنشدوا لمعارك اوراس البطولية، وهتفوا للمناضلين الأشاوس في الخنادق والميادين، وللمناضلتين جميلة بوحيرد وجميلة بوباشا.
وتجسدت الثورة بشكل حي في قصائد وطنية غاضبة واهازيج ثورية وأشعار مقاومة لاهبة. فهذا شاعرنا الفلسطيني الراحل راشد حسين كتب حين أشيع عن مصرع جميلة بوحيرد الباقية على قيد الحياة حتى يومنا هذا، قائلًا :
هذي حواكير الجزائر في ” جميلة “.. في العيونْ
والعزَّة السمراء مشرقة على الشفةِ الحنون ْ
لمْ تتسِعْ للهيبِها الحرّاق أقبيةُ السجونْ
فْتتسِعْ للهيبِها ساحات مقصلة المنونْ
أما شاعر العراق الكبير المرحوم محمد مهدي الجواهري، فهتف ممجدًا الثورة .. فيقول :
جزائر يا كوكب المشرقين
دجا الشرق من كُربة فاطلعي
جزائر يا جدث الغاصبين
بوركت في الموت من مربع
ويا نبعة الصابرين للصامدين
لونها الرياحُ ولم تقطع
ويقول شاعر الثورة الجزائرية مفدي زكريا، صاحب النشيد الوطني وهو في غياهب سجون الاحتلال الفرنسي، المتوفى في العام 1977، في قصيدته الشهيرة ” الياذة الجزائر ” :
يا ثورة حار فيها الزمان
وفي شغبها الهادئ الثائر
ويا وحدة صهرتها الخطوب
فقامت على دمها الفائز
ويا همة ساد فيها الحجى
فلم تك تقنع بالظاهر
وعندما نقرن الشعر بالثورة الجزائرية فنحن أمام متعتين : متعة الفن الشعري بتجلياته المختلفة، بخياله وصوره وموسيقاه، ومتعة الموضوع بزخمه وهوله وروعته، التي تركت أثرها في نفوس الشعب الجزائري والشعوب العربية قاطبة، ابان المد الثوري العربي الجارف.
ولعل اهتمام الشعر العربي بالثورة الجزائرية مرده كونها ثورة عظيمة ومجيدة في زمانها ومكانها، وحجم البطولات لشعب الجزائر في حرب غير متكافئة، وايمان الشعراء بأن للكلمة المقاومة أهميتها في معارك الشعوب وثوراتها التحررية وتحديد مصائرها ومستقبلها، وفي دفع العمل النضالي والثوري في مسار التطور والتقدم والنهضة وعمليات الإصلاح وتغيير الأوضاع السائدة.
وما أحوج الشعب الجزائري في هذه الأيام استلهام فكر الثورة والحفاظ على مكتسباتها الوطنية الكفاحية والثورية لأجل مستقبل أكثر اشراقًا وسعادة وفرح، وبناء المجتمع المدني الحر الديمقراطي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.