مقالات

جفاف نهر دجلة يفك طلاسم غموض إمبراطورية (ميتاني)

على مدى تاريخها الطويل، شهدت منطقة الشرق الأوسط حضارات لم تكشف سوى القليل من خباياها حول ثقافتها وتطورها وتنظيمها.

وتعد حضارة “ميتاني” -التي يعود تاريخها إلى عام 1550 ق. م- إحدى أهم الحضارات شرق الأوسطية التي ازدهرت في غرب آسيا، واكتست بالغموض قبل أن يسهم الجفاف الذي أصاب ضفاف نهر دجلة في محافظة الموصل بالعراق في كشف جزء من تفاصيلها.

ويشير البيان الصحفي المُصاحب للدراسة -والذي حصل موقع “للعلم” على نسخة منه- إلى أن القصر الموجود بمنطقة كردستان في شمال العراق، كان مشيدًا على ضفاف نهر “دجلة” على ارتفاع 20 مترًا، وهو ملاصق من جهة الشمال لمدينة تم اكتشافها عام 2010 تُسمى “كيمون”، لكنهم لم يتمكنوا من التنقيب عن آثار هذه المدينة إلا بعد تراجُع منسوب المياه وانحسارها بشكل كبير نتيجة شح الأمطار وتسرُّب مياه سد الموصل؛ إذ أدت المياه المتراجعة في خزان سد الموصل إلى ظهور آثار غير متوقعة، ما دفع علماء الآثار للتنقيب عن الآثار التي كشفت عنها المياه المتراجعة خلال خريف عام 2018.

وبالفعل تمكن علماء آثار من العراق وجامعة “توبنجن” الألمانية من استكشاف القصر الأثري، الذي يعود تاريخه إلى ما قبل 3400 سنة، وتحديدًا إلى “الإمبراطورية الميتانية” التي سيطرت على أجزاء كبيرة من شمال بلاد ما بين النهرين وسوريا من القرن الخامس عشر إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

ويحتوي القصر على جدران من الطوب ارتفاعها سبعة أمتار وعرضها متران، وألواح طينية حُفرت عليها كتابات “مسمارية”؛ وتزينها لوحات جدارية باللونين الأحمر والأزرق، وهي الزينة التي كانت سائدة في الحضارات القديمة بالشرق الأوسط، ومن شأنها أن توفر معلومات أدق عن حضارة “ميتاني” ونظامها الاقتصادي وتقسيمها الإداري.

يقول حسن أحمد قاسم –من مديرية آثار دهوك، ورئيس الفريق العراقي- في تصريحات لـ”للعلم”: “إن القصر يحتوي على قاعات كبيرة، تم التنقيب عن ثمانٍ منها، بالإضافة إلى عشر لوحات من الطين عليها كتابات مسمارية تجري دراستها حاليًّا في جامعة توبنجن لفك شفراتها”.

ويضيف أن “الاكتشاف باهر؛ لأنه سيسمح لنا باكتشاف مزيد من أسرار هذه الحضارة التي عمرت المنطقة التي تُعرف اليوم بكردستان دون أن نعرف عنها الكثير، وهي إرث حضاري لمنطقة الشرق الأوسط والإنسانية جمعاء”.

ويوضح “قاسم” أن “الحضارة الميتانية كانت تتحدث اللغة الحورية، وأصلها مزيج من اللسان الهندو-أوروبي، وقد نمت وازدهرت بفضل اشتغال أهلها بالزراعة ومهارتهم في مختلف الحِرَف التي ساعدتهم على إقامة علاقات تجارية خاصة مع الحضارة الفرعونية، ونحن نتطلع إلى مزيد من البحث لمعرفة خباياها”، وفق وصفه.

 

من جهتها، تقول “إيفانا بولجيز” -عالِمة الآثار في معهد دراسات الشرق الأدنى القديم بجامعة “توبنجن” الألمانية، ورئيسة الفريق الألماني- في تصريحات لـ”للعلم”: “إن إمبراطورية ميتاني كانت إمبراطوريةً قويةً في عصرها، وفرضت سيطرتها على المنطقة، ما جعلها بين الحضارات الكبيرة في الشرق الأوسط، ونأمل الحصول على معلومات أدق عن حضارة “ميتاني” من خلال الكتابات المحفورة في الألواح الطينية، خاصة أننا ليس لدينا الكثير من المعلومات عنها”.

وتضيف “بولجيز”: استقينا المعلومات المتوافرة عن حضارة “ميتاني” من خلال الدراسات الجارية على قصور “تل برك” بسوريا بمنطقة الحسكة على الحدود مع العراق ومدينة “نوزي” بمنطقة كركوك العراقية و”أنطاكيا” التركية.

ويرجح المؤرخون أن عاصمة “ميتاني” كانت تقع في منطقة “واشوكاني“، وأن نفوذ هذه الحضارة -في أوج قوتهاـ امتد من ساحل البحر المتوسط غربًا إلى مدينة كركوك في شمال شرقي العراق، وكان لها علاقات مصاهرة مع الحضارة الفرعونية في مصر، لكنها فقدت قوتها وبدأت في الاندثار في نهاية القرن الـ14 ق.م بسبب الخلافات السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق