اخبار اقليميه
“الرشوة الجنسية”: نساء يكسرن حاجز الخوف من الفضيحة-وكالات -همسة سماء الثقافه
في أماكن مغلقة سادرة في العتمة، يمارس بعض أصحاب السلطة والنفوذ فسادا أخلاقيا صامتا، مستغلين ضعف المرأة نفسيا وجسديا، وسط مجتمع ذكوري يدين الضحية ويؤازر الجاني، ما يجعل نساء كثرا يفضلن الصمت على البوح، خوفا من أن “يخسرن القضية ويكسبن الفضيحة”.
وفي وقت تتسم فيه جهود رسمية وأهلية لرصد الشكاوى بـ”الضعف”، تستمر مطالبات حقوقيين ونشطاء بتعريف مصطلحات سلوكيات لها علاقة مباشرة بالأفعال الجنسية: كالابتزاز والاستغلال والتحرش، من أجل تضمينها في قوانين العقوبات لتجريم الفعل الصريح.
وعرفت الجمعية الدولية للقاضيات الرشوة الجنسية (الابتزاز الجنسي) بأنها “شكل من أشكال الاستغلال الجنسي والفساد الذي يحدث عن أشخاص لديهم مراكز سلطة أو نفوذ؛ إذ يتحول الجنس ليصبح هو العملة بدلا من رشوة المال”.
ضحايا يكسرن حاجز الصمت
لم تتوقف دموع الثلاثينية أم رباح، والتي تعمل في مكتب عقاري، بمهنة عاملة نظافة، وهي تروي معاناتها من استغلال جسدها من قبل صاحب المكتب، الذي هددها بقطع رزقها، إذا لم تستجب لأوامره، مقابل راتب شهري مقداره 80 دينارا أردنيا.
وتشهد جدران مستودع صغير على مقاومة أم رباح (اسم مستعار)، ورفضها ممارسات رب عملها، الذي لجأ إلى “اتهامها بسرقة (لاب توب)، وهددها بتبليغ الجهات الأمنية والزج بها في السجن”، غير أنها تركت العمل، بعد أن بادرت إحدى منظمات المجتمع المدني، التي تدافع عن النساء، بتأمين عمل منزلي مشترك لها مع ربات بيوت، بدخل يومي لا يتجاوز 10 دنانير، وفقا لأقوالها التي أدلت بها في شكوى رسمية، قامت بتقديمها إلى جمعية حماية الأسرة والطفولة الأردنية- فرع إربد.
وجراء “ابتزازها جنسيا من قبل مسؤولها في العمل”، باتت السيدة العراقية أفراح (43 عاما) تعاني قلقا واكتئابا واضطرابا نفسيا، الأمر الذي دفعها لترك عملها، كي لا تستجيب لغريزته “الحيوانية”، وبذلك خسرت راتبها الشهري الذي تتقاضاه، والبالغ 250 دينارا (350 دولارا)، والذي كانت تنفقه على أسرتها.
السيدة أفراح (اسم مستعار)، امرأة متزوجة، تعيل خمسة أطفال صغار، وهي مقيمة في الأردن وتعمل سكرتيرة في مكتب تجاري، وكان صاحب العمل “يقوم بالتحرش بها لفظيا”، كما أنه “طلب منها أكثر من مرة أن تمارس الجنس معه مقابل تحسين وضعها المعيشي بزيادة راتبها وعدم طردها من عملها”، وفقا للشكوى الرسمية الموثقة في ملفات إحدى منظمات المجتمع المدني الأردنية، التي تعمل في مجال الدفاع عن المرأة.
وأفاد رئيس الجمعية الأردنية/ فرع إربد، كاظم الكفيري، في حديثه لـ”الغد”، أن أغلب هذه الشكاوى تحلها الجمعية كوسيط بين الطرفين للحصول على حقوق المرأة المتضررة معنويا وماليا، لا سيما وأن المسؤولين في أماكن العمل يستخدمون سلطتهم القانونية بتعيين أو فصل أو تخفيض رواتب الفتيات، إذا لم يستجبن لرغباتهم.
وغالبا ما تتراجع المرأة عن اللجوء للمحاكم نظرا لحساسية الموضوع، وتخوفها من عدم إنصافها أولا، وتجنبا لتعريض سمعتها لـ”التلويث”، وفق قول الكفيري.
“الوساطة” أفضل من التوجه للقضاء
هناك تسع شكاوى رسمية تقدمت بها نساء معنفات “تعرضن للاستغلال الجنسي في أماكن عملهن”، وفق مديرة جمعية المرأة العاملة للتنمية، ومقرها رام الله، أمل الخريشة، التي أشارت في حديثها لـ”الغد”، إلى أن الجمعية قامت بدور الوسيط بين الضحية والجاني، لتحصيل حقوق الضحايا المالية من جهة، ومساندتهن نفسيا من جهة ثانية.
السيدة هادية (32 عاما)، تعمل في محل مختص ببيع مواد التجميل، وبعد أن تركت عملها في صالونات التجميل، وكونها امرأة مطلقة، اعتبرها صاحب العمل “وجبة سهلة” في مجتمع شرقي محافظ ما يزال ينظر بريبة إلى المطلقات من أزواجهن، حسب قول هادية (اسم مستعار) في الشكوى الرسمية التي تقدمت بها للجمعية.
“صار صاحب العمل يقترب مني، ويريد أن أتحدث له عن طليقي، وخلال حديثي أمسك بيدي وبدأ بفك أزرار قميصه وشدني نحو جسده”، حسب ما أفادت في روايتها، مضيفة أنها “خافت كثيرا وتسلحت بالصراخ عاليا، لكن الحمد لله أني نجحت بالهروب من المكتب”.
ووجدت ضحايا “أن الوساطة بينهن وبين الجاني أفضل من التوجه للقضاء، لأنهن على دراية بأن المواد والقوانين السارية في الأراضي الفلسطينية (فضفاضة) ولا تحمل في نصوصها تجريما لفعل التحرش”، حسب الخريشة.
وترى عضو الأمانة العامة للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية منى نمورة، “أن المرأة وحدها من تدفع ثمن الممارسات الخاطئة الصادرة عن مسؤولها المستغل، والتي تصل إلى حد حرمانها من حقها بالعمل، فتنضم إلى صفوف البطالة، حتى وإن كان التعامل مع قضيتها يتم على نحو سري للغاية”.
ولم يتلق الاتحاد، حسب تأكيدات نمورة، أي شكوى رسمية تشير الى “تحرش جنسي أو عنف تمت ممارسته من قبل مسؤول ضد موظفاته في أماكن العمل أو في الجامعات”، لأن الضحية تكون “متخوفة من أن تصبح أكثر عرضة للتحرش بعد فضح قصتها مجتمعيا”.
سيف العلامة على رقاب الطالبات
بتردد شديد، تروي الطالبة في إحدى الجامعات الخاصة مرام (اسم مستعار) تفاصيل قصة “تحرش أستاذها بجسدها في مكتبه، أثناء مناقشته لبحثها الأكاديمي”.
“فتحة كل زر من قميصك تحدد علامتك في المادة”، وقعت هذه الكلمات الصادرة من أستاذها الخمسيني كالصاعقة على مسامع الطالبة العشرينية.
لم تكن (مرام) الطالبة الوحيدة التي تعرضت لهذا الموقف الصادم، حسب قولها لـ”الغد”؛ حيث “تحرش هذا الأستاذ نفسه بعدد من صديقاتها”.
وحاولت “الغد” إقناع صديقات مرام بكسر حاجز الصمت والحديث بصوت عال عن تجاربهن “القاسية” مع أستاذهن في الجامعة، لكنهن رفضن أن يتحدثن لوسائل الإعلام، وفضلن أن يتحدثن مع بعضهن بعضا.
وحتى الآن لم تتجرأ أي منهن على تقديم شكوى رسمية إلى إدارة الجامعة، لاتخاذ إجراءات قانونية بحق هذا الأستاذ.
ودارت مخاوف الطالبات حول “عدم تصديقهن أو رسوبهن في المادة التي يدرسها أستاذهن”، خاصة وأن لجنة الشكاوى في عمادة شؤون الطلبة في الجامعة يتكون أعضاؤها من أكاديميين قد يتحيزون لزميلهم، أو تحفظ الشكوى وتبقى في أدراج المسؤولين في العمادة، لذلك فضلت الطالبات أن يتسلحن بقانون بشري هو “الصمت، ومواده: الخوف والقلق والاكتئاب”.
مرام من بين عشرات الطالبات الجامعيات، اللواتي تعرضن لـ”فساد الرشوة الجنسية” من قبل أساتذتهن، الذين يستخدم بعضهم “سلطة العلامة كمؤشر على النجاح أو التفوق أو الرسوب في حال عدم الاستجابة”.
ولم تنف الأستاذة الدكتورة رولا قواس، مدرسة مادة النظرية النسوية في الجامعة الأردنية الحكومية منذ 20 عاما، وجود ظاهرة “الاستغلال الجنسي لطالبات من قبل أساتذة جامعيين، لكن بلا أدلة أو شهود”، موضحة أن رئاسة الجامعة “تتخذ إجراءات إدارية بحق الأساتذة المتحرشين، وبخاصة ممن استقطبتهم بعقود من الخارج”.
وتركز قواس في محاضراتها على توعية الفتيات بحقوقهن وزرع الثقة بأنفسهن، وكيفية الدفاع عن أنفسهن إذا تعرضن لأي مضايقات من قبل الذكور.
وكان الكاتب الصحفي سميح المعايطة، تناول في مقالة نشرها في جريدة “الغد” قبل أعوام، بعنوان “أكاديميون وتحرش”، تفاصيل “مؤذية ومشينة يمارسها أحد أساتذة الجامعة، بحق بعض الطالبات، وكيف تحول مكتب الأستاذ إلى غرفة نوم؛ حيث يضع فيه فرشة بلاستيكية تعمل بالنفخ، وأدوات مكياج”.
وتفاصيل هذه القضية التي حصلت قبل أعوام ماضية، كثيرة ومؤلمة، لكن في المحصلة “تم تشكيل لجنة تحقيق رسمية، وبعد الاستماع لشهادة الطالبات الضحايا، فصل الأستاذ الأكاديمي من عمله”.
ومع تزايد ظاهرة “التحرش” في المجتمع الأردني الذي لا يتجاوز عدد سكانه 9.3 مليون نسمة، قامت جمعية (تحت التأسيس) بإطلاق مبادرة شبابية، لمحاربة التحرش بأشكاله وأماكنه كافة، وفق رئيس جمعية “فرسان الأمان لحماية الإنسان”، اختصاصي الإرشاد النفسي موسى مطارنة.
وحملت المبادرة التي سيتم إشهارها رسميا قريبا، عنوان “استرجل واحميها بدل ما تتحرش فيها”.
إعلاميات عربيات يختبئن تحت ثوب الخجل
بعض الإعلاميات العربيات، صاحبات القلم والفكر الجريء، يخبئن بداخلهن حكايات حزينة عن تعرضهن لأبشع استغلال وابتزاز من قبل مسؤوليهن في الصحيفة أو مصادرهن الإعلامية، ولكنهن لم يتجرأن على البوح بها، خوفا من التشهير بهن أو فصلهن أو منعهن من العمل من قبل أسرهن، وفقا لمقابلات تمت مع إعلاميات أجرتها معدة التحقيق في ثلاثة بلدان عربية، هي الأردن وفلسطين ومصر.
الصحفية الأردنية ريما (اسم مستعار)، تبلغ من العمر (28 عاما)، وتعمل منذ خمسة أعوام في مؤسسة إعلامية، رفضت طلب مديرها المباشر “بترتيب لقاء حميمي في شقته الخاصة في عمان، مقابل وعود بتثبيتها في الوظيفة”.
تقول الصحفية: “لم أستوعب حتى الآن ما قاله لي: (أنت صحفية متحررة وما المانع من لقاء ودي في شقتي؟)”.
“لو استجبت لطلبه الحقير وسلوكياته المنحرفة ليتم تثبيتي وترقيتي…”، وأضافت “كان ثمن رفضي نقلي إلى قسم آخر أقل أهمية”.
نقابة الصحفيين الأردنيين لم تتسلم أي شكوى رسمية من قبل إعلاميات منتسبات اليها، باستثناء شكوى واحدة من إعلامية تعمل في إحدى الصحف العام الماضي (2015)، تشير إلى “مضايقات من قبل مديرها المباشر الذي يدفعها الى العمل معه حتى ساعات متأخرة في الليل”، حسب ما أشارت إليه عضو مجلس النقابة سمر حدادين، الإعلامية المتخصصة في شؤون المرأة منذ 20 عاما.
بدورها، قامت الإعلامية حدادين بالاتصال هاتفيا مع الصحفية للحصول على تفاصيل موسعة عن شكواها الرسمية؛ حيث خجلت تلك الصحفية أن تكتب في شكواها النقابية بصراحة طبيعة “المضايقات التي تعرضت لها”.
وكان أن تدخل المجلس النقابي الأردني في هذه القضية بالحديث مباشرة مع المسؤول، وحلت المشكلة وجها لوجه، وكانت النتيجة لصالحها، وتحول دوامها من الفترة المسائية إلى الفترة الصباحية، حسب ما أفادت به حدادين، التي قالت لـ”الغد”: “كوني المرأة الوحيدة في مجلس نقابي ذكوري قرأت بين السطور حجم المرارة التي تعرضت لها الصحفية المشتكية من مضايقات، فقمت بتبني قضيتها وإقناع المجلس بالتدخل وحل مشكلتها”.
إلى جانب ذلك، أفادت مديرة نادي الإعلاميات الفلسطينيات وفاء عبد الرحمن، الذي يندرج تحت لوائه 400 إعلامية “أن بعض أصحاب السلطة الإعلامية يطور أدواته في الوصول إلى غايته، فيخضع الفتاة إلى تجربة لقياس مدى تقبلها، فإن رفضت يتخفى وراء ستار أنه زميلها ويمازحها، وإن لم تعترض يعد ذلك ضوءا أخضر للاستمرار في سلوكياته”.
ورغم أن النادي الإعلامي، حسب قولها لـ”الغد”، لم يتسلم أي شكوى رسمية، إلا أنها لاحظت أن “المراسلات الصحفيات اللواتي يعملن في فضائيات وبرفقتهن مصور، يكن أقل تعرضا للتحرش الجنسي من زميلاتهن اللواتي يعملن في مؤسسات صحفية مكتوبة أو إلكترونية في الأماكن المغلقة”.
وفي القاهرة، كسرت الإعلامية بثينة كامل حاجز الصمت عندما تحدثت في مقابلتها مع “الغد” عن “تعرضها لرشوة جنسية فضحت فيها سلوكيات بشرية ذكورية تتعامل مع المرأة بكونها جسدا بلا عقل، ومجتمع شرقي ينحي باللائمة مباشرة على المرأة، وبأنها السبب في إثارة الرجال”.
ودفعت الإعلامية كامل التي ترشحت لرئاسة الجمهورية العام 2011 ضريبة نجاحها ومواقفها الجريئة في الحديث عن تابوهات محرمة كـ”التحرش الجنسي”، و”الرشوة الجنسية”، فضلا عن مواقفها السياسية، فكانت الضريبة “تشويه سمعتها وإيقافها عن العمل أحيانا”.
غير أن أغرب موقف صادم واجهته في حياتها، عندما “عرض عليها رجل أعمال عربي مرموق تقديم برنامج ديني أسري في إحدى المحطات الفضائية العربية، تظهر فيه محجبة، براتب يصل الى 120 ألف دولار سنويا”، متسائلة: “ما هو المقابل لكل هذه الإغراءات؟”.
وتضيف كامل “أكثر ما جرحني كامرأة، عندما أقحموا زوجي وزير الثقافة السابق بالموضوع”، مستدركة: “الحمد لله أن زوجي، ووالد بنتي كان داعما لي، ومتفهما لموضوع الاغتيال المعنوي للشخصيات الإعلامية والسياسية”.
وعلى الرغم من أن خبرة ملاك (اسم مستعار) في الصحافة المكتوبة لم تتجاوز سبعة أعوام، لكنها “واجهت فساد الرشوة الجنسية مرتين: من رئيس تحريرها الذي كانت “تعتبره مثل والدها” والأخرى كانت من مديرها المباشر، فكان أن تجرأت وقدمت شكوى ضده عندما استغفلها، فضمها وداعب ظهرها بطريقة مقرفة”، حسب قولها لـ”الغد”، أثناء مقابلتها في القاهرة.
شعرت الصحفية ملاك (28 عاما) أن نظرة المجتمع الإعلامي الذي كانت وصفته بـ”الواعي” قد تغيرت عندما خلعت حجابها العام 2013 لتتحول الى “نظرة جنسية”، قائلة “أنا كنت راجل بينهم، وما زلت الإنسانة ذاتها، الجريئة في عملي وقلمي، والقيادية في مجتمعي قبل أو بعد الحجاب”، حسب قولها أثناء لقائها مع معدة التحقيق في القاهرة.
وتضيف: “نظرا لعدم استجابتي لرسائله الهاتفية، خصم رئيس التحرير من راتبي الشهري ألف جنيه”.
أما المدرب الإعلامي الدولي زهير عبد القادر، الذي عمل (37 عاما) في مؤسسة إذاعة وتلفزيون (دوتشية فيليه) في برلين، فيرى أن المجتمع الأوروبي تجاوز مسألة التحرش والاستغلال الجنسي منذ قرون عدة مضت، وأصبحت العلاقة بين الطرفين مبنية على التقدير والاحترام، بما في ذلك “طلب إقامة علاقة جنسية، والتي تخضع للقبول أو الرفض من قبل المرأة”.
ويضيف: “في المقابل، حين تجد مجتمعاتنا الشرقية أن احترام المرأة بات عملة نادرة، فذلك لأن تفكير الرجل ينصب على الجنس، كونه يجهل حقيقة وطبيعة ونفسية المرأة، ويتفاخر بتلويث سمعة الفتاة، وذلك ناتج عن الكبت الجنسي الذي يولد معه منذ صغره”.
القطاعان الطبي والتمريضي
لم يمنع الثوب الملائكي الذي ترتديه الطبيبات والممرضات من ردع بعض مسؤوليهن من التعرض لهن، سواء في المستشفيات أو العيادات والجمعيات والمراكز الطبية، لأن جميعها “أماكن مغلقة تنطلق فيها رغبات البعض الجنسية”، وفق بعض الممرضات والطبيبات اللواتي امتنعن عن الحديث سرا أو علنا لوسائل الإعلام.
وكان تركيب كاميرات في أحد المستشفيات الخاصة “سببا في الحد من إقامة أي علاقة جنسية، كانت تحدث أحيانا بين أطباء وبعض الممرضات”.
وجاء هذا الإجراء الإداري بعد أن “تناهى الأمر إلى مسامع المدير العام للمستشفى، ومفاده أن عددا من الأطباء يستغلون ممرضات خصوصا من جنسيات أجنبية، مقابل تثبيتهن في العمل أو تجديد إقامتهن في الأردن”، حسب إدارية في المستشفى، فضلت عدم نشر اسمها.
وقال عضو جمعية الشفافية الأردنية الدكتور باسم الكسواني لـ”الغد”، إنه ظل “على مدار خمس سنوات متواصلة يتقصى، ولغايات بحثية، عن علاقات بين أطباء وممرضاتهم أو أطباء وسكرتيراتهم، ضمن مفهوم (رشوة جنسية غير مالية)، لكنه لم يتوصل إلى أدلة موثقة”.
ووجد الدكتور الكسواني، رئيس لجنة الشكاوى في نقابة الأطباء الأردنية “أن زواج الأطباء من سكرتيراتهم، كان بسبب علاقات عاطفية أو جنسية، وعددهم لا يتجاوز أصابع اليد، غير أن هذه العلاقات غالبا ما انتهت بالزواج الشرعي الصوري، فاستمرت شهرا أو شهرين وانتهت بالانفصال”.
وآثر الكسواني أن لا يعلن عن هذه الدراسة، نظرا لخصوصية المجتمع الأردني المحافظ، واكتفى بحفظ مسودتها في أدراج النقابة، مؤكدا أنه “لم يحقق منذ ثلاث سنوات، منذ توليه مهام رئاسة اللجنة، بأي شكوى رسمية حول تحرش أو استغلال أو ابتزاز من أي جسم طبي أو تمريضي للنساء”.
علاقات صامتة بلا شهود
لم توثق أغلب مراكز الدعم القانوني في الأردن المعنية بحقوق الإنسان، أي حالة رسمية لتحرش جنسي، بل رصدت “شكاوى شفوية وصلت اليها إما وجها لوجه أو عبر الخط الساخن”، معتبرة هذه القضايا “خطا أحمر وسريا للغاية بالنسبة للمرأة، ولن تقوم بتوثيقه بشكوى رسمية، وهو ليس من ضمن أولوياتها الاجتماعية”، حسب استطلاع أجرته معدة التحقيق، ما يدل على أن الحركة من أجل التغيير الاجتماعي في الأردن ما تزال “ضعيفة”.
واعترفت هذه المراكز بأنها لم توثق شكاوى الضحايا رسميا، وهي: المركز الوطني لحقوق الإنسان، ومركز عدالة لدراسات حقوق الإنسان الأردني، ومركز ميزان (مجموعة قانونية من أجل حقوق الإنسان)، ومركز العدل للمساعدة القانونية، ومركز “تمكين” للمساعدة القانونية، الذي يعنى بتعزيز مفهوم الحماية الاجتماعية للفئات المستضعفة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الأردن.
والحال نفسه لجمعيات أردنية تعنى بمكافحة الفساد، تتمثل بمركز الشفافية الأردني، وجمعية الشفافية الأردنية، فيما رفض مسؤولون في هيئات أخرى معنية بالنزاهة والشفافية ومكافحة الفساد، الحديث حول موضوع “الرشوة الجنسية”، بدون الإفصاح عن الأسباب.
ومع ذلك، أكدت مديرة مركز حقوقي قانوني أردني، فضلت عدم نشر اسمها، أن عددا من المحاميات المتدربات اللواتي تقدمن بطلب توظيف لديها، تركن عملهن في مكاتب قانونية أصحابها محامون، بعد “تعرضهن لابتزاز جنسي”.
وأوضحت المديرة: “هؤلاء المسؤولون الذين يدافعون عن حقوق الإنسان قايضوا محاميات بالجنس مقابل مغريات مهنية، مقابل أن يتم تثبيتهن في المكتب وتسليمهن قضايا لمتابعتها في المحاكم، إذا وافقن على ممارسة الجنس إما في مزرعته أو في مكتبه بعد انتهاء الدوام الرسمي”.
أما بالنسبة للمركز الوطني لحقوق الإنسان الأردني، فهو أيضا “لم يوثق أي حالة تعرض نساء لاستغلال جنسي من قبل صاحب سلطة أو نفوذ”، وفقا لما أكدته رئيسة قسم المرأة والطفل في المركز المحامية بثينة فريحات، ويعود ذلك حسب رأيها إلى “ضعف إقبال الضحايا على الإفصاح عما تعرضن له، خوفا من وصمة مجتمعية قد تلاحقهن”.
واعتبرت أن “استغلال المرأة في العمل لفظيا أو معنويا أو جسديا، يمثل فسادا أخلاقيا وإداريا، لأن المرأة ليست سلعة”.
أما اتحاد المرأة الأردنية، فرصد في العام الحالي شكويين شفويتين وصلتا للاتحاد عبر خط الإرشاد القانوني والنفسي الساخن، بدون أن يتم ذكر أسماء الضحايا، تعود الأولى لامرأة مطلقة “خشيت الكشف عن حالتها الاجتماعية كمطلقة، ومع ذلك تتعرض لمضايقات جنسية من رئيسها المباشر، لذلك لجأت الى الاتحاد، الذي نصحها بتقديم شكوى رسمية ضده لكنها رفضت”.
بينما تطرقت الشكوى الثانية إلى الفعل ذاته، لكن من متزوجة تعيل أسرتها؛ حيث طلبت من الاتحاد “تمكينها بآلية معينة للتصدي لمسؤولها في العمل الذي ما يزال يستغلها جنسيا مقابل حفاظها على وظيفتها”، حسب قول عضو الاتحاد الناشطة الحقوقية مكرم عودة، التي أكدت أن هذه السيدة “رفضت تقديم شكوى رسمية للاتحاد أو حتى الى وزارة العمل”.
“ليس من ضمن أولويات تحالف “رشيد” للنزاهة والشفافية فتح ملف فساد “الرشوة الجنسية”، أو التحرش في أماكن العمل في الفترة الحالية؛ إذ إن تركيز التحالف حاليا ينصب على تعزيز دور المرأة القيادية في نشر قيم الشفافية النزاهة، والعمل على تحسين انخراط المواطن الأردني في مكافحة الفساد”، حسب ما أكدته مديرة البرامج ثروت إبزاخ في مقابلة مع “الغد”.
أما على صعيد نشاط مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني، فإن جهود المجتمع المدني تمثلت في إعداد مدونة السلوك الخاصة التي جاءت بعنوان “مبادئ مدونات السلوك والمعايير الأخلاقية” التي أعدها الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان) خلال الأعوام الأخيرة.
ورغم الدراسات الأردنية المتخصصة بعمل المرأة (ممرضات، مزارعات، عاملات في صالونات التجميل) التي أعدها المرصد العمالي الأردني، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، والتي رصدت شكاوى عدة من سيدات تعرضن لفساد “الرشوة الجنسية” في أماكن عملهن، غير أنه امتنع عن نشر ومتابعة معلومات تتعلق بفساد أخلاقي وإداري في أماكن العمل، حتى لا يسهم المرصد بوضع عقبات أمام تشجيع المرأة وانخراطها في العمل، وتمكينها اقتصاديا، حسب ما أوضح مدير المرصد أحمد عوض.
قصور رسمي عن رصد الحالات
نظرا لضعف الاهتمام الرسمي، وعدم قناعة مسؤولين بانتشار هذه الظاهرة في مجتمعاتنا العربية، ما تزال جهود الجهات الرسمية “متواضعة”، ومع هذا بدأت تظهر مطالبات بتعديل التشريعات لتوضيح وتفسير مواد قانونية تضمن حقوق المرأة الضحية والحفاظ على كرامتها.
وفي المقابل، تجد بعض القاضيات ومسؤولات رفيعات المستوى في الحكومة، أن المرأة هي من “تتحمل مسؤولية فعل الرشوة الجنسية”، بحجة أنها ظلت “صامتة، ولم تتقدم بشكوى رسمية الى الجهات المعنية من أجل متابعتها ومن ثم اتخاذ الإجراءات الرسمية بحق المسؤول الجاني إن ثبتت التهمة عليه”، وفق استطلاع حول فساد “الرشوة الجنسية” أجرته “الغد”.
وذهبت بعض المسؤولات الى أن “المرأة هي من تقوم أحيانا بتحفيز الرجل على استغلالها جنسيا من أجل كسب خدمات تتمثل بترقيتها بالعمل أو زيادة راتبها الشهري والسنوي”.
من جهتها، “لم تتعامل وزارة العمل مع أي قضية تحرش أو استغلال جنسي للمرأة في عملها أو خارجه”، وفق مديرة الوحدة الدكتورة ليلى الشوبكي، التي قالت: “نلاحظ خلال جلسات توعوية بحقوقهن العمالية، أن لدى العملات مشاكل أخرى تتعلق بفعل الابتزاز الجنسي في عملهن، لكنهن يرفضن تقديم شكوى لاعتقادهن بعدم وجود خصوصية أو سرية في الوزارة، إضافة إلى أن مجتمعنا المحافظ يكمم أفواههن”.
بدورها، أشارت مسؤولة وحدة الشكاوى في وزارة شؤون المرأة الفلسطينية إلهام حمد، إلى جملة من الأسباب التي حالت دون تقديم النساء شكاوى رسمية العام الحالي، بينما رصدت ما يزيد على 40 شكوى في أعوام سابقة.
وتضيف حمد: “إن غياب الوعي المجتمعي بمفهوم التحرش ضد النساء والتمييز ضدهن، والضعف الواضح بالمنظومة القانونية، لا تتناسب مع “العصرنة” لدحر التحرش الجنسي، كما أن ضعف عمل وحدات الشكاوى وآلياته وغياب تأمين السرية والخصوصية لهن، وعدم الالتزام بمدونة السلوك والأخلاق في المؤسسات العامة والخاصة، كلها أسباب تؤدي الى استفحال ظاهرة فساد الرشوة الجنسية في مجتمعاتنا”.
أما في مصر، فأكدت رئيسة مجلس إدارة المركز القومي للمرأة نهاد أبو القمصان لـ”الغد”، أن المركز لديه وحدة لاستقبال الشكاوى في جامعتي عين شمس وأسيوط.
وترى أبو القمصان أن من آليات التحقيق بالشكوى “الاستماع للطرف الآخر، ووجود الشهود ينفيان موضوع السرية”، مشيرة إلى أن “التحقيق وصولا لنتائج حقيقية لا بد منه، إنصافا للطرفين”.
ودعت أبو القمصان المرأة إلى تطوير أدواتها لتوثيق استغلالها في أماكن العمل، من خلال كاميرات أو تسجيلات صوتية، أو خدمة الرسائل الهاتفية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخدمة “الدردشة الهاتفية (الواتس أب)”.
أما على صعيد التحركات النيابية في الأردن، فقد اتهم رئيس لجنة العمل السابق في مجلس النواب عدنان السواعير، عضو جمعية الشفافية الأردنية، الحكومة بـ”التباطؤ في الموافقة على تعديل المواد القانونية المتعلقة بعمل المرأة وقضاياها العمالية والحقوقية”.
وتتفق معه النائب رولا الحروب، من ناحية تطوير التشريعات وإقرار قوانين عصرية، على غرار تحديث القوانين في مصر وتونس، قائلة: “لن نتحضر إذا اتبعنا الحلول العشائرية أو الأسرية، بعيدا عن سلطة القانون”.
قوانين عقوبات لا تردع الجاني
وحدة الاتجار بالبشر التابعة لمديرية الأمن العام، تعاملت خلال العامين الماضيين (2014 و2015) مع (9) قضايا اتجار بالبشر، بناء على قانوني العمل الأردني، والاتجار بالبشر للعام 2009، لكنها صنفت القضايا تحت جريمة “الاستغلال الجنسي”، وفق نائب مدير وحدة مكافحة الاتجار في عمان المقدم مهند الشبلي، الذي أكد أن هذه القضايا “فصل بها القضاء على أنها اتجار بالبشر، والضحايا فتيات قاصرات يحملن الجنسية السورية”.
كما أن قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1969، المطبق في الأردن وفلسطين، تنص المادة (308) منه على أن “من عرض على شخص لم يكمل الثامنة عشرة من عمره أو على أنثى مهما بلغ عمرها، عملاً منافياً للحياء أو وجّه لأي منهما كلاماً منافياً للحياء، عوقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر، أو بغرامة من ثلاثين ديناراً الى مائتي دينار”.
غير أن ناشطين في مجال حقوق الإنسان يرون أن هذه العقوبات، “غير رادعة، مقارنة مع حجم الفعل الذي وقع على الضحية، مما يوجب على المشرعين تجريم فعل الرشوة الجنسية بمفهومها الواضح والدقيق والشامل، وإدراجه في قانون مكافحة الفساد حفاظا على كرامة الإنسان”.
*(أعد هذا التحقيق بالتعاون مع منظمة الشفافية الدولية- ألمانيا)
– See more at: http://www.belarabinews.net/news/167474.html#sthash.McqgPpuS.dpuf