اخبار العالم العربي

طالبة مدرسية تقع في فخّ أضحوكة الحب وتسرق من والدها مبلغاً مالياً

همسة سماء الثقافه

جلست بعيداً عن والدتها، أمسكت شفتيها بشدّة كبيرة، أحنت رأسها للأسفل، وبدأت تحرّك جسمها أماماً وخلفاً وبيدها قلمٌ وورقة مكتوب عليها (آسفة يا ماما، سامحيني)، تنظر لوالدتها التي لم تتوقف عن البكاء، وتحاول النطق بكلمات بقيت خمساً وعشرين دقيقة من جلوسنا معها حتى تحدّثت بها.

طلبت منّا الجلوس بمفردها للحديث، ذهبنا وإيّاها لغرفة جدرانها مشقوقة، وبداخلها “فرشة” نومٍ وغطاء واحد وكرسيّ لا يصلح للجلوس، جلبت حقيبتها المدرسية وقالت “أنظري هذا أجمل ما لديّ الآن، سابقاً كانت كتبي لا تفتح بتاتاً، الآن يكتب لي (شاطرة)، لكن بعد ماذا؟ سحقاً لأنّني لم أكن قريبة من أمي”، تقول مرام.

غابت قليلاً، وعادت فجلبت معها كيساً مملوءاً بأشياء كثيرة، هذا هاتفها المحمول الذي كُسِر بعد تلك الحادثة، وتلك على ما يبدو “شالة بيضاء ممزقة”، وهناك بقايا قصاصات، وكيس صغير مغلق بشدّة تحّدثت لنا أنها ستكشف ما بداخله حين انتهائها من سرد ما حدث معها.

ما هي حكاية مرام؟ وما سرّ عدم توقف والدتها عن البكاء مع أنها مَن طلبت منا القدوم وتوثيق ما حدث؟ ولما مزّقت هذه الشالة؟ وكيف ليدٍ أن تكسر هاتفاً من هذا النوع؟ وما السرّ وراء هذا الكيس الصغير؟ ولما تجلس في غرفة كهذه مع أن بيتهم مليء بغرف أفضل منها بكثير؟ ما الذي أخفته سمر عنها؟ ومن كان المسيطر على عقلها الصغير طوال أربعة شهور؟ وكيف استطاعت إنقاذ نفسها من “ورطة” كبرى؟ وأين والدتها من هذا كله؟ ومن بدل حياة مرام من طفلة صغيرة في صفها العاشر إلى شابّة وكأنها أنهت جزءاً كبيراً من مشوار حياتها؟ أسئلة وغيرها نجيب عليها تباعاً.

إنها السادسة والنصف صباحاً، وكما اعتادت عليه مرام من استيقاظها بعد نداءات عدّة من والدتها، ترتدي زيّها المدرسيّ، وتجلس دقائق كثيرة قد تصل لنصف ساعة تجول بين تطبيق فيسبوكيّ وإنستجراميّ وآسكيّ وأيضاً سنابشاتيّ وللفايبر جزء كبير من وقتها، “حسناً أريد رؤية ما نشره في الأمس، فأنا حاولت الحديث معه لكنه يرى رسائلي ولا يجيب، سأحدّث سمر حتى تقول لي ماذا أفعل؟ أو أتصل عليه هاتفياً لا أعلم”، من هنا تسترجع مرام ذكريات ما حدث معها قبل أشهر عدة.

هي تحمل حقيبتها التي لم تُفتح منذ أيام كثيرة من ملل الدراسة بحسب وصفها، تركل برجليها تلك القطّة التي تجلس يوميّاً على باب المنزل بانتظار موعد خروج مرام وبيديها وجبتها الصباحيّة، وتكمل مشوارها لبيت صديقتها سمر حتى تصل برفقتها إلى المدرسة.

رفيق السوء
هما في الصف التاسع، إحداهنّ في الشعبة “أ” والأخرى في الشعبة “ب”، لم يكن ذاك عائقاً لعلاقة وطيدة، فموعد الفرصة مكان اجتماعهما بعيداً عن الحصص الدراسية، والهاتف المحمول بصحبتهما طوال فترة وجودهنّ في المدرسة، “سمر شوفي هاي شو كاتبة؟ مبارح اتصلت عليه وما رد علي شو أعمل”، “طيب أحكيلك تيجي نروح مكان ما بشتغل واسألي أكيد رح يجاوبك “، “مش عارفة شو أحكي لأمي؟”، “أنا بحكيلك شو تحكيلها؟”.

اتفقنَ سويّاً على إخبار والدة مرام أنّهن سيدرُسن لاختبار الإنجليزية مع بعضهما، وستتأخر مرام حتى الثالثة عصراً للقدوم، وذهبنَ لملاقاة ذلك الشابّ الذي يعمل في إحدى أماكن “الكوزمتكس” الموجودة في إحدى بلدات مدينة طولكرم.

هو أحمد -اسم مستعار- قد تعرّفت عليه سمر في البداية لتنقل هذه المعرفة لمرام عبر تطبيق الإنستجرام، ذاك الشاب “المثالي” إن قمت بمتابعته ستجد نفسك أمام عالم لا يمتّ بِصلة له، مبادئ حياة يا لجماليتّها بكتابته، وصور مجسدّة بأماكن مختلفة، وقصص يسردها تجبرك أحياناً على النزول أسفل وقراءة كل ما كتبه.

إنها واحة العالم الافتراضيّ، صنعت أقنعة لوجوه مليئة بكل قبيح، وأفسح مجالاً لهواة بات همّهم استقطاب الفتيات وحتى الشباب ليصبحوا من فئة “المشاهير” أولئك من يسيروا بين الطرقات فيلاحظون كمّ المتتبعين لهم ليرفع ذلك من مبدأ (علّق حتى تشهر دون الاهتمام بالوسيلة).

يذكر أن الانستقرام برنامج يعمل على الهواتف الذكية يستخدم لمشاركة الصور عبر البرنامج ومواقع التواصل الاجتماعي، وما يميزّه إتاحة خاصية الهاشتاع اضافة الى إمكانية التعديل على الصور، وإضافة تأثيرات عليها عن طريق أدوات مختلفة لمعالجة الصور والفلاتر المخصصة للمبتدئين حسب موقع عالم احتراف الكمبيوتر.

تابعت مرام وسمر سيرهنّ وصولاً لمكان عمل أحمد، تفاجأ من وجودهنّ لكنّه رحب وكأن شيئاً لم يكن، فالمكان ممتلئ بالزبائن، وإن بدر منه أيّ تصرف سيء سستكون سمعة غير صالحة بتاتاً له.

“جلست برفقة سمر حتى انتهى من كل شيء، بدت عليه ملامح الغضب، طرق بيده كلّ ما هو موجود وصرخ بوجهنا طالباً الذهاب لأنه مكان عمل”، تذكر مرام.

تتابع مرام “طلبت سمر محادثته مفرداً دون أن أسمع ماذا حدث بينهما؟ وبعد عشرين دقيقة عاد ووجهه غير ذلك الذي استقبلنا به، مدّ يده لمصافحتي ولم أمتنع، وطلب لنا عصيراً، شربنا وتحدّثنا قليلاً واعتذر عمّا بدر منه”.

إنها الثالثة وبضع دقائق، طلبت مرام المغادرة وإكمال الحديث عبر الهاتف، وبقيت سمر هناك لوحدها، إذن ما الذي كنتِ تخفيه يا سمر عن مرام؟ ولما لم تغادري برفقتها؟ وما المخطط الذي رسمته منذ البداية؟

استكملت مرام حديثها مع أحمد لتتعلّق به أكثر يوماً عن يوم، رسبت بأغلب موادها المدرسية والتي أخفت أمرها عن أسرتها ليصدموا بنتائجها النهائية فهي راسبة بأربعة مواد، ويجب إعادتها في الفصل الدراسي الثاني، لكنها لم تكن الصدمة القوية !

سرّ المكالمة
دقّ الهاتف في حوالي الساعة الثانية فجراً بجملة “ما تنسي بكرا” لتردّ مرام قائلة “أكيد”، وبدأت تجهيز ذاك اليو الذي إن غاب طرفة من أحداثه عن مرام فوالدتها لا زالت تبكي من صدمتها بذاك المشهد.

حاولت مرام إقناع والدتها أنّ هناك رحلة مدرسية إلى مدينة رام الله للتعرّف على أحد المصانع، ويجب أن تذهب إليها حتى لا ترسب في مادة العلوم، لكنها فشلت في إقناعها لتكمل حيلتها بطريقة أخرى.

طأطأت رأسها للأسفل، وهمست لصديقتها قائلة “إذا سألتك أمي احكيلها أنه عندي حصة إضافية، أنا رايحة وبشوفك بكرا، ما تنسي”.

ثلاثون دقيقة من تأخرها الوصول عن المنزل، جعلت دقاب قلب والدتها تنبض بشدة، إذن إلى أين ذهبت مرام؟

ارتدت ملابسَ قد جلبتها إليها مرام، شفّافة وملاصقة للجسم تماماً وممزقة من أسفل، خلعت حجابها عند وصولها مدينة رام الله، وذهبت للقائه، وفي إحدى المطاعم جلست برفقته وجلبت له المبلغ الذي طلبه حتى يقوم بخطبتها، ويوفّر لها مسكناً جيداً، “تباً أين عقلها من هذه الخرافات؟”.

وفي بيت مرام كارثة تحدث، إذن ما الذي قامت بفعله سمر عند وجود مرام في مدينة رام الله بصحبة ذاك الشاب؟ قامت بالاتصال بوالدتها وإخبارها أن ابنتها موجودة في شقة بمدينة رام الله دون حجابها وإن لم تتدخل ستعود لها “ليست بنتاً”، وأغلقت الهاتف.

هنا أوقفنا حديثنا مع مرام، والتي أخبرتنا بحقائق عدّة سنكملها في تحقيقنا، وعدنا لوالدتها لمعرفة ما الذي حدث تماماً ذاك اليوم.

وجهها مليء بالدموع، بانت عليها التجاعيد مع أنّ عمرها لا يتجاوز 45 سنة، تتأمل تقاسيمها وكأنها تخبئ العديد من القصص والحكايا، ورَغم ما حدث تحدّثت بكل شيء.

تنهدّت كثيراً، أمسكت يدي وذكرت قائلة “وصلني اتصال أن مرام موجودة في مدينة رام الله، وكنت متأكدة أنها ذاهبة إلى مدرستها، قالوا لي أنها لن تعود (بنتاً) وأغلقوا الهاتف”.

“يا بنتي متت، ما عرفت شو بدي أعمل، وقفت، مع مين بدي أتصل، مع مين أحكي؟ الشرطة؟ والفضيحة؟ وإن أخبرت والدها سيقتلها، سيقتلها، ولم أصحو على نفسي إلا أنّني في المشفى ومغمى عليّ حتى عدت إلى البيت تقريباً في حدود الخامسة مساء”.

تكمل والدة مرام “أخبروني أن مرام جاءت في حدود الثانية ظهراً، تركتهم يغادرون جميعاً، وجلست برفقتها، أخبرتني بما حدث تماماً، وكيف قامت بسرقة مبلغ من والدها حتى تعطيه لذاك الشابّ، لكنّها لم تقم بفعل أيّ شيء.

أنت رخيصة
بعد حصول أحمد على المال تركها وحدها في المطعم قائلاً لها “يا رخيصة بس حلوين شعراتك وأنت بدون حجاب، مع السلامة يا هبلة”.

ما وصلنا إليه في تحقيقنا هذا أن سمر أي صديقة مرام كانت متفقة مسبقاً مع أحمد على تعليقه إياها لحصوله على مبلغ ماليّ، فعلاقة حب مسبقة كانت بين سمر وبينه.

لم تتمالك والدة مرام أعصابها عمّا حدث، لكن تلك المرأة خريجة كلية التربية حاولت التعامل مع الأمر بأقل الخسائر، كسرت هاتف ابنتها، مزقت شالتها التي ذهبت بها إلى مدينة رام لله، نقلتها إلى غرفة ضيقة باردة حتى تفكر كثيراً قبل الإقدام على هكذا أمر.

أمّا ماذا كانت تخبئ سمر في ذاك الكيس الصغير فهو “سكينة صغيرة وتركت بجانبها قطعة بيضاء صغيرة” كانت تنوي بهما قطع شرايينها والانتحار لحلّ هذه المشكلة، لكن تفهم والدتها لما حدث وتصرفها الصائب في حلّ الموضوع جعلها تلقي بهذا الكيس الصغير وتعود مرة أخرى للدراسة الصحيحة.

استكملنا تحقيقنا للوصول إلى بيت سمر ومكان عمل أحمد بعد أخذ العنوان من مرام، وصلنا لبيت سمر ذاك الذي يعجّ صراخاً من أسفله يبدو أنه مليئ بالمشاكل الأسرية، حاولنا دقّ الباب مرة واثنتين وثلاثة لكن لم يستجب أحد لنا.

مشاكل في بيت سمر
عدنا مرة أخرى إليه وحدثنا جيرانهم أنهم لن يقوموا بالاستجابة لنا، فهذا هو تعاملهم مع بقية من حولهم، إذن أتكون هذه المشاكل الأسرية التي تم إخبارنا عنها، ولن نتحدث هنا عنها من منطلق “الخصوصية” سبباً لكي تفعل سمر كل هذه؟ أتفكر طالبة في الصف العاشر بهذه الطرق دون أن تكون هناك مشاكل نفسية كثيرة حولها؟ لا أظن.

تابعنا في جولة تحقيقنا هذا الوصول إلى محل أحمد، فدخلت وكأنني زبونة تريد شراء بعض من الأساور والشنط، وبعد أن فرغ المكان سألته قائلة “المبلغ الذي أخدته من مرام كيف تصرفت به أجلبت بضاعة جديدة أم ماذا؟”، فما كان منه إلا الصراخ بشدة طالباً منا الخروج وإلا جلب الشرطة، حسناً من كان يجدر أن يذهب إلى الشرطة نحن أم أنت؟ لكن لا بأس يا عزيزي، فالمجتمع الذكوري لا يأبه بإلقاء اللوم عليك أنت !

أما والدة مرام فطلبت منا كتابة هذا التحقيق لتوصل رسالتين تقول بهما “بناتي الحلوات أنتم جنات هالدنيا، ورود ملونة بكل مكان، دراستكم ومستقبلكم أهم شي، بكرا بتتزوجوا ونصيبكم بييجي، لا تسعجلوا وتسبقوا كل شي”.

وفي رسالتها الثانية لتي خصت بها الأمهات تقول “بناتكم جنتكم، ديروا بالكم وشوفوا وين بروحوا وبييجوا، اطلعوا معهم بكلّ مكان، ما تتركوهم، وهالجوالات الحديثة حاولوا تفتشوا وراهم بكل شي”.

كونوا قرب أبنائكم
وفي حوار إذاعيّ مسبق عبر إذاعة وتلفزيون الفجر تحدّث الدكتورعمار مناع عن أسباب وقوع مثل هذه الحوادث قائلاً “التفكك الأسري وعدم مراقبة الأبناء، والمشاكل توقع مثل هذه الأمور، يجب على الأهل مواصلة أبنائهم ومتابعتهم بكلّ تطبيق وأمر لو كان صغير حتى لا نندم فيما بعد”.

أما فأنا فسأختتم تحقيقي بحادثة قد وصلتني قبل أيام عدّة وفي طياتها استهزاء من بعض الزملاء العاملين في مجال الإعلام عن كتابتي لهذه المواضيع والتطرّق إليها واصفين إياها ب “الحكي الفاضي” لكن أعزائي إن لم نشعر بالإنسانية والمسؤولية ونتغلب على هذه القوقعة التي صنعها مجتمعنا باسم (العادات والتقاليد) ولنترك مجالنا الصحفيّ ونذهب إلى إحدى المقاهي ونتابع به “خرافاتنا النسونجية”.

– See more at: http://www.belarabinews.net/news/166654.html#sthash.eUazrmpM.dpuf

مقالات ذات صلة

إغلاق