اقلام حرة

الملك في أمان والأردن في خطر في حرب «كَزّ» الأسنان بين الإعلام وعباس!

لينا أبو بكر

فعلها عباس إذن! فجر آخر اللمسات الملغومة لصفقة القرن «المسمومة»، وبصراحة أجاد اختيار الوقت الملائم لهذا، فتصريحه لم يحرج الصهيونيين العرب والإسرائيليين، ولم يطمئن الفلسطينيين، ولم يغضب الأمريكيين، ولم يسعد الأردنيين، ولكنه بالتأكيد أعاد الخبر الفلسطيني وأعاده إلى الضوء بعد انحسار الاهتمام العالمي والاعتبار الدولي لدوره وللقضية، فهل سينجح هذه المرة، أم سيكتفي باللعب مع الأضواء بذات المهارة التي تفوق كل ما لا يملكه من أدوات!
أين الخطر إذن؟ هل هو في ظلمين: أن تظلم عدوك أو تظلم حقك! أم هو في عدلين: عدل الذنوب في إنقاذ الحروب؟
إوعك يغلي دمك أيها المشاهد، سيبك من الحمية الزائفة، وتابع المشهد بتأمل وتجرد، فكل مرة تتكرر اللعبة وتتكرر الخسارات، كل مرة يقدمون لك صفقة «ممعوطة» مقابل سلام «ممطوط»، العدو يربح الصفقة وأنت تخسر السلام، وتخسر الحرب وتخسر الأرباح التاريخية والرهانات والتنازلات ما ظهر منها وما بطن!
هناك صراع «كز أسنان» بين التاريخ والإعلام، وهناك بنات الليل «الأحلام»، التي يرعاها سكان الصحون الطائرة في كوكب السيكوبيكو… ما بين الربع الخالي من الوسادة والربع المغدور من الأنخاب… فماذا بعد؟

الـ«جيروساليم بوست» سبقت عباس!

الـ»جيروساليم بوست»، تشترط على عباس قبول اللاجئين بما لا يتجاوز عدد المستوطنين، وفصل حقوق الإقامة عن حقوق المواطنة، والعيش في وطنهم بلا تمثيل وطني، أما الترتيب الكونفدرالي، فتكشف الصحيفة في أحد أعداد أغسطس/آب 2016، أن الأمر كان موضوع التفاوض بين رام الله وعمان وأن ياسر عرفات كان سباقا لهذا الطرح، على طريقته، لا بل إن الموقع الالكتروني للصحيفة عرض بنود هذا الاتحاد، حيث يندمج الطرفان في اقتصاد مشترك وبرلمان مشترك وحكومتين إقليميتين وحكومة مركزية للكونفدرالية. وسيكون لعمان والقدس الشرقية صفة العاصمة، سيتم التحكم في القضايا الأمنية من قبل الكونفدرالية مع المسؤولية الرئيسية للجانب الأردني بالتعاون مع الصهاينة! وشوية مغريات لا حدود لها بالإنعاش الاقتصادي والوظيفي!
طيب هل اقترح عباس فعلا كونفدرالية ثلاثية لتعجيز اسرائيل، أم أنها استحضار لحيلة سياسية، يدعي موقع الـ«جيروساليم بوست» أنها تفيد الأمن والاستقرار في المنطقة؟ أم أن عباس ينكش الأدراج السرية للإعلام، مذكرا بصيغة عرفات – حسين، التي استندا فيها على «إقليم بنلوكس» أو اتحاد بنلوكس الاقتصادي، وهو القلب الأصلي للاتحاد الأوروبي، حيث بدأ كثالوث اقتصادي يضم بلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ، وعليه يمكن أن ينبني الاتحاد الكونفدرالي الاقتصادي بين الأردن وفلسطين والصهاينة!
إن كنت تعلم أيها الإعلام فتلك مصيبة، ولكن الأعظم منها أن لا يعلم المشاهد، فهل بعد هذا تصدق عباس أم تكذب «جيروساليم بوست»؟ وهل تتعاطف مع ما يخشاه الأردنيون أم تخشى حميتهم؟

ضرورة أمنية!

لا تنسى أنك تتعاطى مع أخبار إسرائيلية، ولذلك عليك أن تراعي طريقة حكمها على الأمور، فهي وإن أكدت مخاوفك على التنازلات، إلا أنها اعتبرت التنازل ضرورة أمنية واستيراتيجية، متوسلة الغموض أو الميوعة الخطابية حول تقبل الملك حسين والرئيس أبو عمار، للذوبان في هيئة سياسية تتوزع فيها المسؤوليات وتقلل من ثقل السيادة المطلقة، ولكن، يظل الأمر للفلسطنيين ناقصا، طالما أن الموقع الالكتروني يعتبر أن التنازل عن السيادة يستوجب أولا امتلاكها، فهل أخفق إعلامنا باتهام عباس بفرقعة فكرة سبقه إليها آخرون؟ أم نجح بخذلاننا وهو يبرع بالسباحة فوق صفيح عاكس: تخوفا أو ترقبا أو ادعاء! وإن كان الإعلام الفلسطيني الرسمي يدافع عن فكرة تعجيزية، فالإعلام الصهيوني يتخذ تدابيره ويستعد للفكرة مستندا إلى أرشيف تاريخي ومخزون الكتروني، يقفز من فوق الحواجز الزمنية ويعود إلى المستقبل بكامل جهوزيته وخفته، أما نحن فالوثب السريع لعبتنا، ولكن باتجاه الهاوية؟!
عموما، الموقع الالكتروني الإسرائيلي وضع الشرط الأهم للصيغة، بأن تبدأ الكونفدرالية الأردنية – الفلسطينية، ومن ثم تنضم اسرائيل لاحقا بعد ضمان إيجابية التفاعل بين الطرفين، فإن كان وضع الملك «سياسيا» آمنا كما يوحي كاتب المقال، وكذلك الأمر بالنسبة للرئيس الفلسطيني، فهذا يعني أن الخطر لا يصيب السيادة، ولكنه لا بد يفيد العدو؟ وأن الانتفاضة الإعلامية في الأردن ما هي رعشة موسمية عابرة، أو هبة مفتعلة لامتصاص الاحتقان، مع شوية كمّادات إعلامية… وآيس كريم فضائي، بتنخفض الحرارة، والفورة تتلاشى كفقاعة صيف… وكان الملك بالسر عليما!
هنا تحديدا تكمن اللعنة، فأنت تظلم عدوك كلما غرك جهلك، وتعدل مع ظلمه كلما ظلمك حقك بالمعرفة، التي لا يسمح لك بها، لأنها حصرية كدليل إعلامي، لا يبحث عن الذنوب ليطهر الحروب، إنما عن الأسرار المحرمة، والأحلام المحرومة من النوم؟!

الأردنيون والفلسطينيون: سمكة وطُعم!

الحمد لله على سلامتك يا مواطن، والبقية بحياتك، الوطن تعيش إنت، والعدو في إجازة كونفدرالية، واللاجئون ويلهم همك وويلهم همهم، فما الذي تريده من الحكومة والإعلام؟ هل تتوقع مثلا أن يطلع عليك مذيع النشرة الإخبارية في برنامج «ستون دقيقة» قائلا: مبروك للأردنيين، تخفيضات بالجملة على المواطن والمهور، وحملة تبرع باللاجئين والحدود والزوجات، وصفقة علاوات تاريخية في رواتب العزابية من القاصرين والختيارية، وبوسة لحى للأعيان والإعلاميين المخضرمين، وجنازات ملكية للمتظاهرين والمتقاعدين الفضائيين وشعب الأونروا؟
هل ما زلت تذكر أيها التلفزيون أن الإنسان أغلى ما يملكه الوطن لا «الوطن البديل»؟ حسنا إذن لماذا تحمق ويطلع خلقك كلما تخنفس الفلسطيني قائلا: بدهم يعطونا وطنا مُستبدلا من مخازنهم الالكترونية، على الكاونترات، بالكراتين والكوبونات، وبدهم نعطيهم وطن بعمر السماء ببلاش، غير قابل للاسترجاع أو التبديل، فهل هذا تدليل أم تسطيل؟!
الأردني في النهاية ضحية، والفلسطيني إن لم يكن ضحية عدوه فهو حتما ضحية الضحية، لأن الفتنة لا تقبل القسمة على الأعداء، بل على الأشقاء وحدهم، أما عملية التشطيبات النهائية على الخارطة الكونفدرالية، فيبدو أن الفلسطيني سيتحمل تكلفتها وحده، لأن من ينسون عدوهم، هم فقط من لا يتذكرون أن الخوف من الضحية، يشوه النزاهة الوطنية، وأن اللاجئين ليسوا شبهة على الوطن البديل، كما يحاول العدو أن يثبت، بل هم وثيقة ثبوتية على حقهم بالوطن المسروق، لا الوطن الممنوح، فإن كانت الفتنة تتلقف الفلسطيني كطعم، فالطعم في بطن السمكة والسمكة في بطن الصياد، والكونفدرالية سنارة جحا الإعلامي، وخذلك عاد!!
لم يعد هناك داع إذن للدفاع عن عباس أو لإدانته، فالقضية ليست عباس وعباس ليس القضية، وأما أضغاث الكونفدرالية، فهي لن تساعد الحالمين سوى على «كز الأسنان» ومداعبة الإعلام بفرشاة أسنان ناصعة البياض، أما الشعب الأردني، فليس مطلوبا منه سوى المحافظة على خواص الزئبق في ميزان الحرارة، كلما انخفضت قيمة الوطن وارتفع ضغط المواطن، الذي يعتبر المخيمجية مستوطنين، واللجوء احتلالا، والكونفدرالية خازوقا ملكيا لا إعلاميا!

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق