مقالات
ماجد الغرباوي المثقف التنويري والمفكر المضيء شاكر فريد حسن
الكتابة عن الكاتب والشاعر والباحث والمبدع والمفكر العراقي القدير والملهم والمضيء والاستثنائي ماجد الغرباوي هي مغامرة كبرى ..!
فحذار من الكتابة عنه والخوض في غماره ، لأنك ستكون كمن يحاول القاء القبض على مجرة او سوق البحر الى السواقي ، او رسم خريطة جامدة لتسونامي حي لا يهدأً ..!
اننا نحتمي بماجد الغرباوي ، بفكره الراقي المتنور العقلاني ، ورأيه السديد ، وحضوره الكثيف بكتبه ومؤلفاته النفيسة ، التي سنرفعها كالمتراس في وجهه المشرق لنحدق في وجهه الانساني والنقدي والبحثي والعلمي والفكري ، وسنربض خلف عناوين منجزه الفكري والثقافي ، لكن وجوهه الاخرى سوف تجتاحنا .
لا امتلك سوى الاعتراف بأن لا قدرة لي على اقتحام عالم ماجد الغرباوي والنفاذ الى كنوزه والواحه الماسية والذهبية ، ولكن ساحاول قدر المستطاع .
ماجد الغرباوي رمز ونجم فكري وثقافي نقدي لامع يتجدد كل يوم في فضاءات العلم والثقافة والسياسة والمعرفة ، ويقف ضمن طليعة المفكرين والمثقفين العرب المستنيربن والنقديين المشتغلين على نقد الفكر الديني والحركات الاسلامية ومسائل النهضة والاصلاح والتجديد والمعاصرة والتنوير والعنف والتسامح بين الاديان والعقائد والمذاهب ، وقضية المرأة ومسألة تحررها المرتبطة بتحرر المجتع كله .
انه يتمتع بموهبة أدبية ابداعية وخلاقة وآفاق علمية واسعة ، ويتصف بالذكاء والفطنة والبصيرة الثاقبة وبعد النظر والرؤية الواضحة والوعي المتجدد المتوهج المتوقد .
وهو المفكر المتواضع الثري بالثقافة الاسلامية والفكر الانساني والوعي النقدي ، والانسان العصامي ، الصلب ، المقاتل والمحارب بالكلمة والقلم ، والثورة لديه فصل حب وعشق كوني شمولي .
ماجد الغرباوي المفكر المتمرس المتبحر في التراث الاسلامي ، يملك الأسس العقلية المنفتحة والأدوات الفنية التي يعتمدها اسلوبه الكتابي النقدي ومقارباته الفكرية والثقافية ، التي تعد اهم ركائز واوليات الاستنساخ للمثقف المبدع الخلاق المبتكر المجدد .
ماجد الغرباوي كاتب وباحث عميق وجاد ، صاحب مشروع فكري نهضوي معاصر يسعى من خلاله الى ترشيد الوعي عبر تحرير الخطاب الديني من سطوة التراث وتداعيات العقل التقليدي ، ومن خلال قراءة متجددة للنص الديني على اساس النقد والمراجعة المستمرة من اجل فهم متجدد للدين كشرط أساس لأي نهوض حضاري وعصري متقدم وجذري يساهم في تأصيل قيم الحرية والتسامح والعدالة في اطار مجتمع مدني خال من العنف والتنابذ والاحتراب .
ماجد الغرباوي نخلة عراقية باسقة وشامخة في الفكر العربي الاسلامي ، عانق نور الحياة في مدينة قلعة سكر ، النائمة على نهر الغراف ، وتتوشح بجمال طبيعتها وانسياب نهرها .
نشأ بين ازقتها وحواريها ، وتعلم الابتدائية في مدارسها ، ثم انتقل وهو صغير السن مع افراد أسرته الى العاصمة العراقية بغداد ، وفيها اكمل دراسته في اعدادية الكاظمية ثم الثانوية ، لكنه تعرض للسجن مع ثلة من رفاقه ، وبعدها واصل دراسته خارج حدود وطنه بموضوع الشريعة والعلوم الاسلامية ، واستقر به الحال والمطاف في سيدني باستراليا .
مارس ماجد الغرباوي التدريس بالمعاهد العلمية في اطار تخصصه لسنوات عدة ، وشارك في العديد من الندوات والحوارات والمؤتمرات والحلقات والمواسم الفكرية والعلمية ، واشغل رئيس تحرير مجلة ” التوحيد ” ، واشرف على اصدار سلسلة رواد الاصلاح ، وعمل على تأسيس صحيفة ” المثقف ” ومؤسسة المثقف العربي في سيدني باستراليا .
نال عدداً من الجوائز التقديرية عن اعماله الفكرية والعلمية البحثية .
له العديد من المنجزات في ميادين البحث والعقل والتنوير ، بلغت حوالي ٢٥عملاً ومؤلفاً اضافة الى عدد كبير من الدراسات والبحوث والمقالات التي نشرها في الصحف والمجلات والمواقع الالكترونية المختلفة المتعددة ، ومن اهم كتبه :
اشكاليات التجديد ، التسامح ومنابع اللاتسامح ، الضد النوعي للاستبداد ، الحركة الدستورية ، الحركات الاسلامية – قراءة نقدية في تجليات الوعي ، جدلية السياسة والوعي – الشيخ مفيد وعلوم الحديث ، المشروع الاصلاحي ، المرأة والقرآن ، اخفاقات الوعي الديني – حوار في تداعيات النكوص الحضاري ، رهانات السلطة في العراق – حوار في ايديولوجيا التوظيف السياسي ، مدارات عقائدية ساخنة وغيرها .
منذ عهده الاول بالحياة وتشكل وعيه ، رسم ماجد الغرباوي خريطة المستقبل ، وراح بصلابة المؤمنين وحبر الانسان ينحت في الصخر الحديد ، وينهض بالبناء ضلعاً قاصراً حتى استوى على هذا الطراز من الاصالة والتجاوز ،فلا عجب اذا اصبح المثال والنموذج الفكري الذي يضرب ويحتذى به بين حراس الثقافة وعشاق الابداع ، عن تحديه العنيد لاقدار المرحلة وتمرد الشجاع على سلطانها الجائر . ورغم انه يعيش في الغربة الا ان روحه وقلبه وعقله مع وطنه بلاد الرافدين ودجلة والفرات ، مع عراقاه وشعبه ، مؤكداً حرصه الدائم وتمسكه بالسلم الاهلي والوطني والاجتماعي كخيار استراتيجي ومنطلق اساسي للتعايش السلمي بين كل اطراف واطياف وتشكيلات المجتمع العراقي .
وهو يدعو في خطابه الى ترسيخ حس ثقافي وفكري تقدمي وعقلاني يهدف الى وعي ومصالحة شاملة بين مكونات المجتمع العراقي والعربي على حد سواء ، ويرى ضرورة واهمية تقديم قراءة متأنية لاسس واصول التسامح السائدة في واقعنا العربي المزري ، قراءة واعية وحقيقية مبنية على قاعدة متينة تشكل قفزة نوعية في اخراج المجتمع من محنه وازماته المتراكمة ، وتقوده للخلاص من الجهل والتخلف والامية .
ماجد الغرباوي مثقف ومفكر مسكون بالأسئلة ، يجيد علامات الاستفهام ، ويبحث عن الحقيقة ، ويطاردها في كل مكان ، ويتوغل عميقاً في الجزر والمساحات المغلقة ، رافضاً المسلمات ، مؤكداً على ان كل شيء قابل للنقد والمراجعة ، ولا فرق عنده بين المقدس واللا مقدس ، يمارس النقد باوسع أبوابه ، ولا يخشى دخول مساحات الممنوع والمحرم والمقدس المتستر عليه .
ماجد الغرباوي هو صاحب ومؤسس صحيفة ” المثقف ” التي ساهمت في نشر الوعي الثقافي والفكر الحر الديمقراطي والليبرالي ، وتركت صدى واسعاً ، ولقيت تقديراً واحتراماً من الاوساط الادبية والثقافية والفكرية في مختلف اقطار العالم كونها منبراً حراً للكلمة والرأي والموقف ، وبفضل ما تنشره من دراسات وأبحاث ومتابعات ومداخلات واضاءات أديية وفكرية واجتماعية وسياسية ، وكتابات ابداعية ، شعرية ونثرية ، وهو ايضاً رئيس مؤسسة ” المثقف ” الرائدة في تكريم رجالات الفكر والأدب والأقلام الثقافية والرموز الادبية والفكرية ، وتكريم كتاب وكاتبات ” المثقف ” ومنحهم الشهادات التقديرية ، واسهامها في طباعة ونشر الكتب المتنوعة في جميع الألوان والأجناس الكتابية ، وكل ذلك بفضل جهوده الطيبة المباركة .
ماجد الغرباوي ، تلك الارادة الفذة القادرة على المجابهة والجدال والنقاش دفاعاً عن الحقيقة في سياق التخطي المستمر في تلك الحركة المجندة لتدمير اعمدة الهيكل الاجتماعي الثقافي الفكري الراهن ، وانشاء تلك العمارة حلم البشرية جمعاء وغاية نضالاته المتواصلة عبر مسيرته الحياتية والثقافية .
وهو ذلك المتواضع النقي المستخفي الظل الذي لا يستمليه صخب الاضواء ولا تبهره الكاميرات ولا الميكروفونات ولا الفضائيات .انه النسر الجارح الآتي الناهض من ارض الرافدين ، الذي تعاظم وجعه مع وجع العراق دون ان ينتابه الوهن او يصبه الفتور ، ولم يستسلم لجبروت الراهن من الزمن العربي الرديء ، حاشا، فاليقين لديه يتعزز بحتمية التغيير ، ويغدو اكثر اطمئناناً كلما اوغلت قوى الثورة المضادة والجماعات التكفيرية المتأسلمة والقوى المتطرفة الوهابية في سفك الدماء والخرائب وتدمير التراث الحضاري العراقي والعربي واغتيال رموز الثقافة والفكر والادب بنهم وحشي .
ان مساهمات ماجد الغرباوي ومقارباته ومداخلاته الفكرية على جبهة الفكر النهضوي التنويري ليست من ذلك النوع المرحلي العابر ، بل هي جذورية نفاذة ومستمرة في شعاع المراحل الراهنة واللاحقة ، بمنهجية علمية واضحة ،وتأتي لتصحيح النظرة الفكرية المعاصرة للتاريخ والتراث ، مستمداً أدواته المعرفية من المنهج التاريخي المادي في تفسير التاريخ ومنهجه ، وترشدنا عناوين اعماله من مؤلفات ومنجزات فكرية ، الى مفاتيح أفكاره وتوجهاته ، وتدل على مدى رغبته كمثقف عضوي مشاكس ومتنور ونقدي في التأسيس لفكر نهضوي حداثوي جديد ، لا يساوم على الحقيقة ، اذ انه منذ بداياته التفاكرية او التجادل الفكري قدم سجلاً جديداً للثقافة العربية والفكر الديني الاصلاحي قوامه نقد المحظور ، لكنه لم يكن ولن يكون مفكراً للفرد ، ولا يبحث في قضايا ومسائل من فوق المجتمع وخارجه ، بل يستظل على مسائل فكرية تهم وتمس ثقافتنا وعقلانيتنا ووعينا الانساني .
ماجد الغرباوي علامة مضيئة كبيرة ومشرقة في الاجتهاد الفكري ، وظاهرة مميزة ومتفردة في الشجاعة والجرأة الفكرية والتعفف الاخلاقي ، تبدو غريبة في زمن الانحطاط والخواء والفقر الثقافي والتخلي عن الافكار والقناعات الايديولوجية .
انه مثقف طليعي ومفكر نظيف وعفيف قوي الروح ، يشكل نموذجاً في الثبات على الموقف والمبدأ والطرح والاستعداد للتضحية ، والتفاني لاجل ان تتصارع الأفكار ، وتتحاور المواقف ، وتتجادل وصولاً الى الحقيقة والاقناع واحترام الرأي الآخر .