شعر وشعراء
القــريب والـبعـــيد -الشاعر حسن منصور
القــريب والـبعـــيد
-الشاعر حسن منصور
يُعاتِبُــني ذاك الصَّــديقُ لأنَّني || تَجافَـيْــتُ عـنهُ ناسِياً عَـيْشَنا مَعا
فـقـلـتُ لهُ ليس العِــتابُ بِنافـعٍ || ألسْـتَ تَرى رَتْقَ القـلوبِ تَصَدَّعا
فَما نَفْعُ قُربٍ في المكانِ إذا أبَتْ || مَشاعِــرُنا يـوْمــاً بِأَنْ تَـتَـجَــمَّعــا
وهَــلْ كانَ بُعْــدُ المَسافَةِ مانِعاً || لِقـاءً لأحْــبابٍ إذا شَـوْقُـهــم دَعــا
فرُبَّ قَريبٍ لا ترى العينُ قُرْبَه || ورُبَّ بَعــيـدٍ في الـفُــؤادِ تَـرَبَّـعــا
وَهذي قُلوبٌ في يدِ اللهِ حُكْـمُها || فسُبْحـانَ ربّي كـيفَ صاغَ وَأبْدَعا
رأيتُ يَماماتِ السَّماءِ تَفَـرَّقَــتْ || عَـلى يَـدِ صـيّادٍ رَمـاهــا وَأَفْـزَعـا
فَطارَتْ وراءَ الغَيْمِ حيْثُ تَخَبَّأتْ || وأصْـواتُهـا رَنَّـتْ رَنيـناً مُفَـجَّـعــا
وما كانَتِ الأصْواتُ إلّا لِخَوْفِها || عـلى بَعْضِها مِنْ أنْ تتوهَ وَتُقْطَعا
وَظَـلَّتْ تُنادي بالحَـنـينِ رِفاقَهــا || وَتَحْـلُـمُ أَنْ تَنْجـو قريباً وَتَرْجِعـا
إلى أنْ تَلاقَتْ في السَّماءِ جَميعُها || وَفوْقَ غيومٍ أَطبَقَتْ، جَمْعُها سَعى
ولكنَّ غيْمَ الشَّكِّ ما كانَ حاضِراً || وَمِـنْ دونِهِ كانَ التَّـقابُـلُ أرْوَعـا
وعادَتْ إلى أعْشاشِها وهيَ حُرَّةٌ || تُغَنّي هَديلاً بَلْ وَسَجْـعاً مُسَجَّعـا
وزادَ وَدادُ القلـبِ في كلِّ عــائِـدٍ || وقد رجَعَ الصيّادُ ما نالَ مَطْمَعا
*******
كـَذا يا صَديقي إنَّني كَـيَـمامَــةٍ || فَهَلْ أنْتَ ترْضى أنْ تكونَ وتقْنَعا
مَـدَدْتُ يَدي شَوْقاً جَناحَ يَمامــةٍ || يَرِفُّ وَيَهْـفو نَحْوَكَ الآنَ مُسْرِعا
مَدَدْتُ يَدي لا أبْتَغي مِنْكَ حاجَةً || سِوى أنْ تُلاقـيـني وَأَنْ لا تُوَدِّعا
أتذْكُـرُ إذْ أَعْرَضْتَ عَنّي تَكــبُّراً || وَقدْ كانَ أحْـرى أنْ تَحِنَّ وَتَخْشَعا
ولكـنَّهُ الشـيْـطـانُ أزَّكَ مُـغْــرِياً || فَسِرْتَ كَطِفْـلٍ لا تَأنّى ولا وَعـى
وكنْتَ فتىً غَضّاً وَشَعْرُكَ فَحْمَةٌ || ولكنَّ مَعْــنى الـوُدِّ كانَ مُـضَـيَّعا
كَأنَّ سَوادَ الفحْمِ في القلبِ ساكنٌ || فَـعَـقْـلُـكَ أمْسى بِالسَّـوادِ مُـلَـفَّـعـا
ومَرَّتْ بِنا الأيّامُ تَجْـري سَريعةً || ولمْ ألـقَ في قلبي لذِكْـرِكَ مَوْقِعـا
وَها أنْتَ تأتي مِنْ جَديدٍ تزورُني || لِتوقِظَ أحْلاماً مِنَ الأَمْسِ هُجَّعا
يُـؤَرِّقُــني أَنّي أراكَ مُـجَــــرَّداً || مِنَ الجاهِ والأَمْوالِ بلْ عُدْتَ مُدْقِعا
وكُنْتَ بِشَعْـرٍ فاحِمِ اللوْنِ مُـرْسَلٍ || فَـأذْهَـلَــني أنّي رَأيْـتُـكَ أصْلَـعـا
فَهَـلْ غَـسَلَ الدَّهْرُ السَّوادَ جَميعَهُ || وَقَـلبُكَ حقاً صارَ أنقى وَأَنْصَعا
فَـعُــدْتَ بِإخْـلاصٍ تُكِـنُّ مَـــوَدَّةً || وَتَبْقى عَلى صِدْقٍ وَلنْ تَتَزَعْزَعا
أَمِ الغَدْرُ مَقْصودٌ كَما كُنْتَ سابِقاً || وَكُلِّ امْرِئٍ يَحـيا بِما قـدْ تَطَـبَّعا
وليْسَتْ طِـباعي أنْ أرُدَّ مُــؤَمِّـلاً || وَلا عَـنْ سَبيلِ الخيْرِ أنْ أَتَرَفَّعـا
وإنّي لأُغْضي عَنْ حُقوقي كَرامَةً || وَأُعْطي لِغَيْري ما أَشاءُ تَبَرُّعـا
***********************************
الشاعر حسن منصور
من المجموعة الثانية عشرة، ديوان: (عندما تنكسر الدائرة)ـ ص91