ثقافه وفكر حر

حكايا من القرايا ” ع الندى لقاط التين ع الندى “

كتب عمر عبد الرحمن نمر

كان لنا ثلاث شجرات تين، كل تينة قدّ العقد، خرطمانيّة على شارع البلدة الرئيس، حبّتها عسل… وكانت سبيلاً للرايح والجاي أجراً عن روح اللي زرعها الله يرحمه… وعجلونية حبّتها كبيرة، كانت تعطي لشهر 12… وحماظيّة شابّة قوية جدا، حبّتها قدّ (كبّة الرز)… وشكلها مثل العجل… كان هذا لغاية قبل شهرين من الزمان… أي قبل ما نكّد التين بقليل… ولكن يا جماعة الخير، بقاء الحال من المحال… وكان الخراب الكبير، والدمار العام، لا أقصد لبنان، فلتلك قلوبنا، ولكني أقصد تيناتي… الخرطمانية، خرق أسفل ساقها الإرهابي اللعين (أبو حافور) فأناخها في ليلة ما فيها ظيْ قمر… والحمد لله أنها ناخت على الأرض، ولم يكن تحتها بشري أو سيارة، كان هات… يا أبو الهات… ولم يكتف اللعين بها، بل هاجم العجلونية على الطرف الآخر من المارس، وقمنا في الصباح فإذا المكان يبكي الفراغ… أما الثالثة، الحماظية الشابة، فقطعها المجلس القروي، كي يتسع الشارع بقطعها، رفضت بداية، فهي ليست في الشارع، بل على طرفه، وكانت سبيلاً للرايح والجاي… لكن نزولاً عند رغبة الطياب أزلناها من الوجود… وأنّى للإنسان الفلسطيني أن يعيش بلا صبر أو تين… وهو المكوّن من الصبر… والمزيّن بحلاوة التين…

شو بدكم بطول السيرة، ليلة البارحة، عقدت العزم قبل النوم، على مهاجمة شجرتيْ تين في محيط القرية… وقلت في نفسي: أسري عليهما سروة… ومن سرى باع واشترى… وفقنا الله وصلينا الصبح، واستغفرنا وانتظرت حتى شقشق الفجر، وحملت دبسيتي وانطلقت… رأيت صاحب التينة القريبة – الله يسعده – يدخن في فناء بيته على بعد أمتار منها، فتركتها، وأجّلت غزوها في عودتي، وانطلقت إلى الحماظيّة البعيدة، تينة ضخمة ثلثاها داخل لاكتراث، ومرّ ملاصقاً للسور غير مكترث، وجاء على بالي قول أحدهم (الحمد لله الذي مسخك كلباً، وكفاني منك حرباً)، ودندنت مقطعاً للمرحومة شريفة فاضل” فلاح كان فايت بغني من جنب السور… من جنب السور” وكنت على موعد مع زقزقة عصافير الصباح… عصافير الجناين على راي فيروز… وحبّ التين المعسل… حماظي يا تين… وعلى الندى قطفك يا تين… وأكلك ع الندى يا تين… أزعجني أن الحبّ كبير الحجم المشطّب داخل السور، فكرت بالمهاجمة، والانطلاق من الخارج إلى الداخل، فكرت أن أعتلي أغصان الشجرة وأنطلق، لكني خفت… خفت أن تنكسر عظامي داخل السور فارتدعت، وقبلت من الغنيمة بما قسم الله… وعدت للتينة الأولى… وكان الوفق والرزق فيما كتبه الله، ملأت دبسيتي… وحمدت الله ومشيت… عندما كنت في الشارع في عودتي الميمونة إلى البيت، فوجئت أن زوجة الرجل كانت تتصبح على بعد أمتار من التينة، وكانت تجلس مكان زوجها… قلت في نفسي: الحمد لله… الستّير هو الله… يا رزاق يا كريم… وكان صباحاً مباركاً…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق