مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية #عيشة بنت صيّاد السّمك / الجزء الاول

يحكى عن رجل صيّاد سمك ،كان عنده بنت صبية رائعة الجمال ماتت امها فتزوج امرأة اخرى وكانت شريرة ومكروهه وكانت عندها بنت قبيحة المنظر وحمقاء من زوجها السّابق. .في يوم من الايّام اتى الرّجل بصيد وفير للبيت وطلبت زوجته من عائشة غسل السّمك ،وتقشيره وطبخه لهم .وبينما هي منهمكة في عملها وتغني كعادتها، سمعت صوت ضعيفا، فتعجبت ونظرت حولها لكن لم تر أحدا ،قالت في نفسها: لعله صوت أحد القطط التي تبحث عن طعام !!!
لكن تكرّر الصوت ،وهذه المرّة كان أكثر وضوحا ،ولمّا نظرت أمامها رأت سمكة غريبة الشّكل تكلمها ،وقالت لها ّ:انت بنت طيبة وكريمة ،وانا إبنة ملك الأسماك، ،ولقد أوصاني بعدم ترك الأعماق ،لكنّي لم أسمع كلامه ،وصعدت إلى السطح ، وأعجبني الهواء النقي ،وصيحات الطيور. وسبحت حتى علقت في الشّبكة مع رفيقاتي ،وأرجوك أن تطلقيني فلا شك أن أبي قد تحيّر لغيابي .
قالت لها حينما تهب الرّيح الشمالية ،ألقيني في البحر ،فستحملني إلى مملكتنا، وسوف أردّ لك معروفك .انتبهت عيشة من شرودها ،وتساءلت كيف تتكلم الأسماك هذا والله عجيب!!! أخبرتها السّمكة أنّ للبحر أسراره ،وكلّ مخلوق قي الأرض له ما يقابله في البحر .تركت عيشة عملها ،ووضعت السّمكة في إناء مليئ بالماء و،ذهبت للبحر . ولما هبت ريح الشمال أخرجت لها قوقعة صغيرة ،وقالت: إذا إحتجت شيئا عليك فقط أن تعلّقيها في إتجاه تلك الريح، ستخرج منها موسيقى جميلة ، وأكون عندك !!!.
رمت عيشة السّمكة في البحر ثم رجعت تجري للبيت لتكمل عملها، وخافت أن تفطن لها زوجة ابيها ،لكن حين خرجت البنت إلى البحر، جاءت تلك المرأة ولم تجدها، فحقدت عليها ، وقررت تنتقم منها وتشكوها لأبيها حتى يضربها ويحبسها .
دخلت عيشة البيت ،وأخذت خيطا ربطت فيه القوقعة وعلقتها في رقبتها، وإنهمكت في العمل ،جاء أبوها وقد لاح عليه الغضب، لكن لمّا رآها تعمل بجد هدأت ثائرته ،وقال لها: هيا أسرعي، وإلا تأخّرنا عن الطعام ،ولا تنسي أن تعجني لنا خبزة شعير!!! تسللت زوجة الأب إلى المطبخ ،وزادت الملح في الطعام والخبز ،ولما أكل أبوها غضب منها ،وإتهمها بالإهمال ، وقلب القدر ،ورمى الخبز على الأرض ،وقال لها : هات القلة ،فأنا أشعر بالعطش ،لكنها وجدتها فارغة ،قالت لها زوجة الأب : إملئي الدلو من البئر ،واحمليه وحدك عقابا لك !!! لم تعرف عيشة أنّها هي من أفرغ القلة ،أحسّت بالدّموع تجري على خديها ،فمنذ أن ماتت أمها ،وهي تعيش أياما قاسية لا تطاق ،ولم تكن لها ما تفعله إلا الصبر …

وصلت عيشة للبئر ،لكنها وجدت امامها اثنين من الفرسان واقفين، وقد إستبدت بهم الحيرة ،ولم يعرفا كيف يصلان للماء لأنه لم يكن هناك دلو . ولما رأوا عيشة فرحا ، وطلبا منها ان تسقيهم ،ورغم خوفها من أبيها الذي أمرها بعدم التأخير، إلا انها ملئت الدلو بالماء وقدمته لهم وقالت تفضلوا، وشربا وملآ قربة كانت معهما ،ولما هما بالإنصراف دعيا لعيشة بالخير، وقال الاول ان شاء الله كلما ما تضحكين يتناثر الذهب من فمك ،وكل ما تبكين تصب المطر. وقال الفارس الثاني ان شاء الله أينما تمشين تجرّين ورائك الحرير وتلتحفين به .
فرحت عيشة بها الدعوات الطيبة و،استبشرت بها خيرا ،و أنزت الدلو ،وملئته بالماء مرة ثانية رغم أن البئر كان عميقا . لمّا إتجهت إلى الدار أحسّت بالتعب ،وبالألم في يديها وهي تجر الدّلو الثقيل ،لكن في منتصف الطريق سمعت صوتا يناديها ،ويقول لها :ياعيشة اسقيني ماءا !!! ولما التفتت حولها لم تجد أحدا ، ولكنها سمعت الصّوت مرة ثانية يقول :هذا انا يا عيشة شجرة البرتقال ،ونظرت البنت للشجرة ،ووجدتها يابسة تكاد تموت، فسقتها ، ورجعت للبئر لتعيد ملئ الدّلو .
ذهبت إلى الدار ، ولمّا كادت تصل أمام الباب ،سمعت صوتا آخر يناديها ،وهذه المرة كانت قطة صغيرة ،ممدّدة على حافة الطريق .وقالت لها : أنا مريضة !!! اسقيني رحمك الله ،أحسّت عيشة بالشّفقة عليها ،فمسحت رأسها، وسقتها حتى إرتوت،ودبّت فيها الحياة. لم يبق في الدّلو سوى قليل من الماء ،فرجعت المسكينة للبئر، وهي تجرّ قدميها ،وملئت دلوها ،وعرفت أنها تأخرت كثيرا ،وكان عليها أن تسرع رغم الآلام في قدميها .
في طريق العودة ،قالت في نفسها : سيضربني أبي اليوم ،ورّبما حبسني في الدهليز المظلم . لكن لا يهمني ، فلقد فعلت الخير، وأمي دائما توصيني بذلك !!! قطعت شجرة البرتقال عليها أفكارها ،وسمعتها تقول: أشكرك يا عيشة ، أرجعت لي عطري وان شاء الله ،يكون لك عطر الزّهر البري .وبعد قليل سمعت القطة تدعو لها ،وتقول : أرجعت لي نور عينيّ ،إن شاء الله أضيئ لك الليالي المظلمة ، وفرحت عيشة بها الكلام الجميل ،ونسيت تعبها وحزنها ،واصلت طريقها للبيت .
في غيابها لم تدع امرأة أبيها فرصة إلا وشتمتها ،وقالت ولا بد أن تعلمها الأدب، وتكفّ عن تدليلها، وفرحت لما رأت صياد السمك يتوعد عيشة ،ويقول لن أعطيها شيئا ،وحصّتها من الهدايا والملابس ستكون من نصيب إبتتك .
لما دخات عيشة سألها أبوها لماذا تأخرت ألم يكفيك إفساد طعامي؟ والآن تتركيني دون ماء !!! روت له ما حدث في الطريق فصاح وما يهمك من أمر الفرسان والأشجار؟ سنرى هل ينفعك أحد لما تقضين ثلاثة أيام في الدهليز المظلم ،والآن ضعي ملابس قديمة وإنزعي الذّهب من أذنيك، فأنت لا تستحقين شيئا !!!
إستغربت البنت من ثورة أبيها ،وعرفت أنّ زوجته اللئيمة كادت لها،فشرعت في البكاء، لكن قلب صياد السّمك أصبح قاسيا ،ولم يرحمها ،وبعد دقائق أصبحت عيشة كالمتسوّلة بثوب مهترئ ،وحذاء مثقوب ،ودفعها أبوها في ظهرها داخل الدّهليز، وأغلق الباب ورائها بالمفتاح …

يتبع

حكاية #عيشة بنت صيّاد السّمك
جزء اول

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق