كيف لا ونحن على أعتاب الكهولة..!!؟؟
كيف وقد أخذ الدهر مِنَّا مأخذه..!!؟؟
وبلغ الكبر غايته..!!
وسرى بين أوصالنا دبيب الحنين للماضي..!!
وتسائل إبن الأرض.. هل من عودة..؟؟
وهل من سبيل يعيد الصِّبى فجراً باسما..؟؟
هل حقاً تريد العودة..؟؟؟؟؟؟؟؟
نعم.. ومن لا يريد ذلك..؟؟
وأقل شيء.. ليذكر ما فعل المشيب..!!
لذا فإن مجمل البشر في الصِّغَرِ.. وعند إدراك الطفولة..
يستعجلون قطاف زهرة العمر وريعان الشباب بفارغ الصبر..!!
حتى إذا بلغوا تمام العنفوان ومصدر القوة..
جاء النذير وقد إشتعل الرأس شيبا..!!
فإستيقظوا بعد سِنَةٍ من اللهو والضياع..
وغفلة خارج نطاق الزمان..
وطغى على الحياة لون من الحرمان..
ليجدوا أمامهم.. سارق الأحلام وصانع الأوهام..
يخبرهم.. يخبرهم.. يخبرهم..
أنَّ وقت الترجل والتخلي عن أعلى درجات السلم قد آن..
وحان معه البدء للعد التنازلي والإنحدار..
هنا يقف المرء مع نفسه مندهشاً..
ليتأمل هذه المرحلة المفصلية..
حيث يبدءُ كثيرٌ من الناس – إن لم يكن مجملهم -..
يودوُّن العودة للوراء..!!
جاعلين العِصِيِّ في دولاب الزمان كي يتوقف..!!
آملين بذلك العودة للوراء ولو قليلاّ..!!
لكن دون جدوى.. وهيهات هيهات لما توعدون..!!
لأن حكمة الله وقدرته.. إقتضت الحركة للأمام دون توقف..!!
ولو عاد الزمان كما يشتهي البعض منا..
فقد لا يكون لنا وجوداً أصلاً..!!
وقد يصل بنا الحال لبدايات الخلق..!!
ولربما توقف الخلق عند آدم عليه السلام..!!
فالعودة للوراء.. مطلبُ أكثر بني البشر..!!
إن لم يكن مجملهم..!!
لكن سبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وهو بكل خلق عليم..!!
فهو الخالق والرازق والمعز والمذل وهو على كل شيء قدير..
وهو الذي خلق الموت والحياة إبتلاءاً لعباده وإمتحاناً لهم..
وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى..
فقسم الأرزاق وبارك التجارة والأسواق ويسر الآفاق للجميع.. فأعطى ومنع..!!
فمن رضي.. فله الرضى..!! ومن سخط.. فعليه السخط..!!
وعظيم حكمة الله إقتضت أن لا عودة للوراء..
لأنه جل في علاه.. عليم بخلقه حكيم بتدبيره..!!
وهذا سبب وجودنا اليوم..!!
وإلا توقف الخلق عند آدم عليه السلام كما اسلفنا..
بل ربما كنا وما زلنا في عالم الذَّر..
فلو تدبر الناس مقتضى حكمة الله من خلقهم..
حيث قال سبحانه وتعالى..
*{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}*
لأدركوا أنَّ الإستخلاف في الأرض وعمارتها..
لا يكون إلا بتعاقب الأجيال.. ومرور الأزمان..
وهذا من أسباب وجودنا اليوم..
لذلك جعلنا الله خلقاً من بعد خلق..
يتوارث بعضنا بعضا.. وهذا عين الحكمة ومقتضها..!!
ولو علم الناس الخير في ذلك..
ما إعترض على ذلك كائن من كان..
وليس بعيداً عن ذلك..
وعدا عن إستخلافنا في الأرض..
هناك غاية أسمى من ذلك بكثير..!!
ألا وهي إفراد العبودية لله وحده..
وعدم الإشراك به..
إمتثالاً لقوله تعالى..
*{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}*
فمنتهى الرفعة والسمو.. أن تكون عبداً لله..
فأقرب ما يكون العبد لله.. وهو ساجد متذلل بين يدي ربه..
فالحمد لله على نعمة الإسلام.. وكفى بها من نعمة..
والحمد لله الذي خلقنا من ذرية قوم مسلمين..
وجعلنا مؤمنين موحدين.. من أتباع سيد المرسلين..
يقول الله عز وجل في محكم تنزيله.. واصفاً حال الكافرين والمشركين يوم القيامة..
*{رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ}*
يتمنى أهل الشرك والكفر أن لو كانوا مسلمين.. أي مسلم..!!
وقد وصف الله حالهم في مشهد عظيم..
وهم يعرضون على النار..
فقال سبحانه..
*{وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}*
وليت هنا تفيد الإستغراق في التَّمَني والرجاء..
لكن ليس من عودة أيها الضالون المكذبون..
ولا فَوْتَ ولا مَناص من دخولكم ما تعاينون..!!
فالحمد لله أننا من المسلمين..
والحمد لله أننا من عباده الموحدين..
والف الف الحمد لله أننا مؤمنين غير مشركين به..
وهذا عزاء المسلم عند الله..
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم..
الملك الحَنَّان المَنَّان.. ذو العِزِّ الذي لا يُرام.. وصاحب الملك الذي لا يُضام..
أسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم ومن نحب.. من المقبولين عنده..
وأن يجمعنا وأهلنا ومن نحب في ظل عرشه.. يوم لا ظل إلا ظله..
ويحشرنا جميعأ في زمرة الصالحين..
مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
اللهم آمين آمين آمين يارب العالمين..
محبكم في الله.. أبو طارق الحوَّاس..