مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية زوار من وراء الضّباب من قصص التشويق والخيال فطر الآلهة ( الحلقة 3)

قالت البنت االكبرى : خلال شهر سيكون قد مضى على موتنا ثلاثمائة سنة بالتمام والكمال ،في ذلك الوقت سيحصل كسوف عظيم ،يصبح معه النهار ظلاما ،وستخرج الأرواح المعذّبة التي لم تعرف الرّاحة من العالم الآخر ، وسيلي ذلك جفاف لم تر مصر وما حولها من البلدان له مثيلا !!! تشجع فؤاد، وسألها : وماذا سينفع هذا القول ؟ لقد مضى على تلك الأحداث زمن طويل ،أمّا الجفاف والمجاعة فهي من سنّة الكون،ولا أحد يقدر على منعها ، صمتت البنت قليلا كأنّها تستجمع شتات أفكارها ،ثم قالت : أنت لا تعلم شيئا ،سيحدث أمر فظيع إن لم نفتح الصندوق ،ولقد أخفيناه في مكان مجهول، لكي لا يجده أهل القرية .
أجاب فؤاد في حيرة : لا أفهم ما تقولين !!! لكن قبل كلّ شيئ، أريد أن أعرف كيف يمكن لشخص ميّت منذ قرون أن يظهر من جديد ؟ هذا لا يقبله العقل ،ولولا أني أشعر بنوع من الحزن على ما أصابكما ،لكنت الآن أركض في الشارع رعبا . ظهر على وجه الفتاة إبتسامة باهتة ،وقالت : الموت لا يمكن تفسيره بالعقل ،فنحن أيضا أحياء ،لكن فقط نختلف عنكم ، ،يجب أن تعيدوا النظر في مفهوم الموت ،الأصحّ هو الإنتقال إلى عالم آخر ،لكن المعذّبين يجدون أنفسهم بين عالمين ، لا يمكنهم الرّجوع ،ولا الرّحيل ،ولهذا يظهرون لكم !!! وفي ما يخصنا فنحن نحمل رسالة ،وطالما لم يسمعنا أحد ،سنبقى محبوسين في هذه العمارة إلى الأبد، أرجوك إنصت لما سأقوله لك !!! فأنا وأختي لا نريد أن نخيف أحدا ،ونتألم جدّا لمّا يهرب سكان هذه الشّقة ،وهم يرتعدون من الذّعر .
كان فؤاد يسمع وقد أعجبه ما قالته الفتاة ،ولطالما فكّر فيما يحدث بعد الموت ،وإعترف أن فكرة حياة ثانية تبدو مثيرة جدا ،وسبق لقدماء المصريين التحدث عن ذلك ،وبأن قاربا يقوده ملاح يعبر بالموتى نهر العالم السفلي إلى عالم آخر يسمونه آمنتي .ثم قال رأسي تألمني سأعدّ كوبا من الشاي الساخن ،وأرجع إليكم ،لتقصّان عليّ حكايتكما ،فأنا مغرم بكلّ ما يتعلّق بما وراء الطبيعة والخوارق .لمّا ذهب إلى المطبخ، وجدهما أمامه ،فلوّح بيديه وقال ّلا داعي لإتّباعي خطواتي في كل الغرف ،لكن بما أنكما هنا ،سأجلس وأستمع ،فليس لي شيئ أعمله .
أخذ فؤاد رشفة من الشاي ،وأحس بأنه أحسن حالا ،ولم تنتظر الفتاة الرّشفة الثانية وشرعت تحكي : قبل مئات السنين كان موقع هذا الحي قرية ضائعة في الرّيف، وكان الناس رغم فقرهم سعداء ،ويعيشون من الزراعة وتربية الجواميس ،وذات يوم وقع جفاف شديد ،فقلّت الأمطار ،وجفّت كل الأبيار ،وأصبحنا نحصل على الماء بمشقّة شديدة ،ونأكل الأعشاب وجذور الأشجار ،وذات يوم ،عثر رجل على مغارة ينبت فيها فطر عجيب الشكل ،ومن شدة جوعه أكل منه فأحسّ بالشّبع ،ونسي التعب ،ولمّا رجع إلى القرية ،أخبر الناس ،فصاروا يذهبون ويجمعون الفطر ،ويطبخونه في الماء ،وأبقوا المغارة سرّا بينهم .
وفيما كانت بقيّة القرى تتضوّر جوعا ،ويموت صبيانهم من قلة الطعام ،كانوا هم في أحسن حال ،ورغم إنتهاء الجفاف إلا أنهم واصلوا إستهلاكه، ولقد نصحهم أبي وهو كاهن قبطي أن يكفّوا على ذلك ،فقد وجد برديّة قديمة في الدّير فيها رسم يظهر طقسا دينيا للإله آمون رع يتمسّك فيه فتاة بآنية مليئة بهذا الفطر ،وكان شائعا في القديم إستعمال أعشاب تؤدي  إلى هلوسة في حضرة الآلهة ، وبالطبع لم يهتمّ أحد بما قاله .
وتواصل ذلك الحال مدّة من الزّمن حتى ظهر في أحد الأيّام مرض غريب بين سكّان القرية ،وأصبحوا يرون غيرهم في شكل مشوّه ومرعب ،حتى الحيوانات والهوام صار منظرها مفزعا ،وفي النّهاية أطلقوا على بعضهم النّار ،فمات خلق كثير ،وذهب أبي وحمل معه صفيحة بنزين ،ودخل إلى المغارة، وأشعل النّار ،وأحرق ما فيها من فطر،وإعتقد أنّه حلّ المشكلة، لكنه إكتشف أنّ الفطر بدأ ينمو حول المغارة ،وفي كلّ مكان …

يتبع الحلقة 4

مع تحيات الكاتبة إليس المرواني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق