مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية زوار من وراء الضّباب من قصص التشويق والخيال القرية الملعونة ( الحلقة 2)

بعد قليل سمع الأقدام تبتعد ،فأحسّ براحة كبيرة ،وأطلّ من تحت الغطاء فرأى فتاتين واحدة أكبر من الأخرى تخرجان ،وفجأة إستدارت الصغرى، ونظرت إليه ،فكادت أنفاسه تنحبس، فلقد كان وجهها نصف محترق وتمسك بدمية محروقة ،ثم واصلت طريقها ،وشعر مرة أخرى ببرودة الهواء ،ونهض ،فوجد الشرفة مفتوحة ،والطاولة الثقيلة قد رجعت لمكانها ،أقفل الباب الزجاجي وهو يرتعد ،نظر إلى الخارج ،ولاحظ وجود ضباب في الخارج ،بدأ يتبدّد تدرجيّا .
رجع فؤاد إلى فراشه ،وفكّر قليلا ثم ذهب للمطبخ، وأخذ علبة ملح ورشّها امام غرفته، فلقد كان يسمع من أمه أن الملح يبعد الأرواح الشريرة، ثم بدأ يتلو كل ما حفظه من قرآن ،ويحاول أن يبعد عنه صورة تلك البنت المرعبة ،لكنه لم يقدر ،فأخذ كتابا شرع يقرأ فيه لكن باله كان شاردا ،وفي الأخير نام، وكانت ليلته مضطربة ،ومليئة بالكوابيس . وفي الصّباح إستيقظ على صوت المنبّه الذي يشير إلى السّاعة السّادسة صباحا ،كان يحسّ أنّ رأسه ثقيلة ،أعدّ لنفسه كوبا من الشّاي ،وأخذ دشّا ساخنا، فشعر بالانتعاش ،لبس ملابسه وذهب إلى المعهد الذي عيّنوه فيه ،فلقد كان مدرّس فيزياء ،وإنهمك في العمل، ونسي ما حل الليلة الماضية ،
لمّا رجع إلى العمارة ،وجد البوّاب في مكانه المعتاد ،فأعطاه علبة سجائر من ماركة أمريكيّة ،ففرح الرجل وأخذ واحدة ،ولّعها ،ونفث الدّخان في الهواء ،ورمق فؤاد بنظرة متفحصّة ،ثم سأله : لقد رأيتهما أليس كذلك ؟ والآن تريد أن ترحل ،لقد حذّرتك لكن لم تسمعني !!! أجاب فؤاد : ليس لي مكان آخر لأذهب إليه ،يجب أن أتعوّد على ما رأيته ،فهما مجرّد فتاتين صغيرتين .تعجّب البوّاب لجرأة فؤاد ،وقال : إذا كان الله في عونك !!! لكن بما أنك قدمت لي هديّة سأخبرك بشيئ إنّهما لا تظهران إلا لمّا يرتفع الضّباب ،ولا أدري من أين يخرج ،والغريب أنّه لا يوجد سوى حول هذه العمارة، والسّكان يقولون أنّه نذير شؤم، ويقفلون نوافذهم لمّا يرونه .
كان فؤاد يستمع بإنتاه ،فلقد رأى البارحة ذلك الضّباب ،وشمّ رائحة حطب محترق ،ثم تذكّر فجأة وجه البنت ،وقال : لقد حدث شيئ مؤلم في هذه العمارة ،أجاب البوّاب ليس في العمارة ،بل المنازل التي تحتها ،وهذا سر لم أقله لأحد فلقد كان جدي يحكي لى أنهم لما حفروا لبناء العمارة وجدوا عظاما كثيرة لناس مشوّهين ،كأنهم أصيبوا بمرض غريب ،وجمعوها، ودفنوها في مكان آخر ،ومنذ ذلك الوقت بدأ الضّباب في الظهور، ومعه الفتاتين ،ولم يعرف أحد ماذا تريدان ،المؤكدأن موتهما كان مروّعا !!!
رجع فؤاد إلى الشقة ،وقال اليوم سأنتظرهما ،لن ينفع شيئا الإختفاء ،وفي جميع الحالات هذا المكان يناسبني ،فهو ليس بعيدا عن العمل، ولا استحقّ مصاريف نقل ،وهناك محلات بقالة ،ومحل لغسل الملابس ،ومطاعم صغيرة تبيع السّندوتشات والطعمية بثمن معقول . شغّل جهاز التلفزيون ،وأعدّ عشاءا خفيفا ،وأخذ يتفرج ،ويأكل ،وينظر من حين إلى آخر للشرفة ،لكن لم يحدث شيئ ،بدأ يشعر بالرّاحة ،فلعلهما قررتا أخيرا الرحيل بعد أن عرفتا عزمه على البقاء ،وبرودة أعصابه ،
كان الجو هادئا في الشّقة ،ولايقطعه إلا دقات ساعة حائطية من موديل قديم ،شعر بارتخاء جفونه ،حاول أن يقاوم الرغّبة في النّوم ،لكنه إستلقى على الأريكة، ونام .لكنّه بعد ساعة إستيقظ على رائحة شيئ محترق ،وفكّر أنّه ربّما نسي شيئا على الموقد، لكن وجد أنبوبة الغاز مقفلة ، إكتشف أنه كان نائما بملابسه في الصالون فذهب إلى غرفة نومه ووضع البيجامة وإستلقى على الفراش ولما إلتفت ، وجد فتاتين تحملقان فيه ،فجمد مكانه ،وحاول أن يصرخ ،لكن الصّرخة ماتت في حلقه . تقدّمتا نحوه ببطئ ،فإنكمش في أحد الأركان، وهو يشير إليهما بيديه لكي تبتعدا عنه ،لكنهما واصلتا الإقتراب ،ثم وقفتا أمامه ،ومدّت إليه الصّغرى دميتها ،وهي تنظر إليه بعين واحدة ،أما الأخرى فكانت مطموسة ،وقالت بصوت ضعيف: لا بدّ أن تفتح الصّندوق ،وتقرأ ما في الرّسالة !!! إعتدل فؤاد في جلسته ،وسألها عن أيّ شيئ تتحدثين؟ وقبل كلّ شيئ من أنتما ؟ فإني أحسّ بالخوف ..

يتبع الحلقة 3

مع تحيات  الكاتبة اليس المرواني

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق