مكتبة الأدب العربي و العالمي
بعض من الدفء قصة عانس تزوجت أرمل
يصادف اليوم ذكرى ميلادي الخامس والثلاثين، لم يعد بالنسبة لي عيدا أحتفل به كما كنت أفعل من قبل، وكيف لي ان أفرح وأنا لازلت عزباء لم أتزوج بعد ، وقريناتي يصطحبن أبناءهن الى المدرسة كل يوم.
كم تمنيت ان أحظى برجل يكن لي الحب مثلهن، وان أقيم عرسا أرتدي فيه الفستان الابيض، أرقص برفقته وأصوات الزغاريد تعلو في المكان.
لم أحقق أي شيء من ذلك، حتى ذلك الفستان أصبح يبدو مسخرة لامرأة بسني!
عانس، هذا ما أصبحت عليه اليوم ولكني راضية بنصيبي،
أشغل وقتي بعملي لأوفر على الاقل مالا يكفيني ووالدتي خصوصا أن كل إخوتي متزوجون منفصلون عنا في المسكن.
أكثر ما كان يزعجني هو نظرات الشفقة من الأهل والجيران حين يتمنون لي الزواج يوما ما.
نزعت فكرة الزواج من رأسي حينها، وقررت التعود على حالي والرضى بقدري، فلا مفر لي منه غير الرضى بنصيبي.
لكن الزواج رفض ان يتركني حتى بعد ان أزحته من أحلامي حين أخبرتني والدتي أن أحدهم توفيت زوجته منذ ستة أشهر ويريدني زوجة له…
كم اشمأززت من تصرفه، كيف له ان ينسى زوجته بكل هاته السهولة ويفكر في إعادة الزواج ، ولم يمض سوى بضعة اشهر على رحيلها…
قررت الرفض ، لكن أمي كانت قد قدمت لهم موعدا في الغد، وأخبرتني أنه لا يجب رفض العريس بعد هذا العمر حتى ولو كان أرملا وله طفلان كذلك.
كم بكيت ليلتها وشعرت أن لا حظ لي في هاته الدنيا، فكيف تعيش قريناتي قصص حب وتزوجن مبكرا، بينما أحظى برجل ارمل وطفلان ليسا من رحمي.
اعتصر قلبي حزنا واختنق حلقي قهرا وابتلت وسادتي دموعا على حالي.
استقبلتهم والدتي في الغد، بينما لمحتهم من نافذة غرفتي حين حضر برفقة والدته العجوز وابنه الصغير الذي يبدو في الثالثة من العمر، قدمت لهم صينية القهوة والحزن يلتف حولي يقيدني عن الشعور بالفرح كأي فتاة في يوم خطبتها…
لم يكن حاله أفضل من حالي ، فالحزن في عيونه الذابلة ، ونظارته المنكسرة تخبرني كم هو حزين على فراق زوجته.
تبا لا يظهر الرجال حبهم لزوجاتهم حتى يرحلن ويتركنهم،
انسكب كوب الحليب فجأة على الصبي، اندفعت نحوه بعفوية في لحظة ارتباك من والده وجدته الطاعنة في السن.
لا أعلم لماذا شعرت بأني مسؤولة عنه لحظتها، أمسكت بكفه الصغيرة ودعوته إلى الحمام بغية تنظيف ثيابه، ابتسم والده وطلب منه مرافقتي، حينها دخلت الحمام برفقته وما ان نزعت عنه قميصه حتى استقرت نظراتي على جرح في مرفقه، سألته:
_ ما بها يدك؟
أجابني ببراءة:
_ وقعت بالأمس من سلالم بيتنا.
_ وهل تؤلمك ؟
أومأ برأسه ليؤكد لي ألمه.
_ وهل أسعفك والدك؟
_ كلا ..كان في العمل.
_ وجدتك؟
_ هي مريضة، دوما مريضة ونائمة.
لم أجرب شعور اليتم يوما ، حتى وانا كبيرة لا أتحمل فكرة فراق أمي فكيف لك ان تتحمله يا صغيري!
دمعت عيناي لحاله، فسألته عن والدته ان كان يعرفها،
رفع من كتفيه في تصرف طفولي عفوي ثم أخبرني
أنها في الجنة كما أخبره والده، وأنه سيجلب له اليوم والدة أخرى تهتم به وبأخته، ثم سألني بكل براءة:
_ هل انت هي أمي؟
لم أملك كلمات أجيبه بها سوى بضعة دموع وعناق اعتصرت فيه جسده الصغير بين ذراعي، كم كان حضنه دافئا رغم صغر سنه!
جففت دموعي ثم سألته:
_ من يطعمك وينظف لك ويغير ملابسك، من يعتني بك؟
_ بابا
_ وهل طعامه لذيذ؟
_ لاااا طعامه سيء، لا أحبه.
ابتسمت من براءته والدموع تتلألأ في عيناي، شعرت بما يعانيه والده دون زوجته، فهمت الان لما أراد الزواج بسرعة… ليس من أجله بل من أجل أطفاله، فبعد ان بحث عن زوجة صالحة ، اليوم يريد أما صالحة لهم…
قبلت الصغير بعدها و قدمت له قطعة حلوى، ثم رافقته الى الصالة، اندفع حينها بقوة نحو والده ليخبره عن الحلوى التي بيده.
سأله والده:
_ من قدم لك الحلوى؟
نظر الصغير نحوي وأشار إلي:
_ العمة، قدمتها لي.
ابتسمتُ وأجبته بكل حب:
_ لست العمة، أنا ماما حياة
شعرت بالحياة تنبثق من عيون ذلك الرجل لحظة سماعه لذلك، ورغم أنه والد إلا أني لمحت الطفل الصغير في عيونه يرجو انثى تكمل معه مشوار حياته.
واشتدت سعادته حين طلبت رؤية الصغيرة التي تقطن مع خالتها في الوقت الراهن بسبب عجزه عن الاعتناء بها…
كانت عيونه تحكي شوقا لابنته وهي بعيدة عنه ..
..
بعد رحيلهم سألتني أمي عن سبب تغيير رأيي وموافقتي فأجبتها:
_ لطالما ظننت أن حظي سيء ، ونصيبي أقل من قريناتي ، لكني أدركت اليوم أني حظيت بأكثر مما كنت أحلم!
نظرات ذلك الصغير وهو يبحث في عيناي عن أمه لا يمكنني ان أكسرها يوما.
مع تحيات الكاتبة : ازدهار علي