مقالات

قراءة في كتاب القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم، دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة (25)

بقلم: د. محمّد طلال بدران -مدير دار الإفتاء والبحوث الإسلاميّة-

الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد:
* العهد القديم (14)
وكما وعدنا في مقالة الأمس أن نتناول الخاتمة التي ختم بها بوكاي فصل دراسة العهد القديم (التوراة) حيث قال فيها: لا يجب النظر إلى كُتُبِ التوراة بزخرفتها بدعيًا بميّزاتٍ نريد أن تتميّز بها، وإنما بأن ندرس موضوعيًا ما هي عليه، وذلك لا يتضمن فقط معرفة بالنصوص، بل ويتضمن أيضًا معرفةً بتاريخ النصوص، إن معرفة تاريخ النصوص تسمح في الواقع بتكوين فكرة عن الظروف التي قادت إلى التعديلات النصيّة عبر القرون، وإلى التكوّن البطيئ لمجموعها كما نملكه اليوم بأجزاء متعددة محذوفة وأخرى مُضافة.
– إن هذه المعلومات تجعل من المعقول تمامًا الوجود في العهد القديم روايات مختلفة عن موضوع واحد وأخطاء تاريخية، وأمورًا متناقضة، وأخرى غير معقولة أو يستحبل أن تتفق مع المعطيات العلمية الثابتة، إن استحالة الاتفاق مع المعطيات العلمية أمرًا طبيعيًا تمامًا في جميع المؤلفات الإنسانية القديمة، وكيف لا نجد مثل هذه التعارضات في كتب تمت كتابتها في ظروف كتلك التي تكونت فيها نصوص التوراة؟.
– إن رجلًا يتمتع بإدراكٍ سليم مثل القديس: (أوغسطين قد استطاع حتى قبل أن تثير مسائل المشكلات العلمية نفسها في عصر لم يكن ممكنًا الحكم فيه على أمورٍ غير معقولة أو متناقضة، استطاع أن يطرح فيها مبدأ استحالة أن يكون أصل الدعوى المناقضة للحقيقة إلهيًا! فالقديس اوغسطبن كان يعتبر أن الله لا يمكن أن يُعلّمَ البشر بما لا يتفق والحقيقة، وكان على استعدادٍ لأن يستبعد من أي نصٍ مقدسٍ ما كان يمكن أن يبدو له واجب الحذف لهذه الدوافع.
– أما في عصرنا فقد أدرك المفكرون استحالة اتفاق بعض فقرات التوراة مع المعارف الحديثة، فإنهم يرفضون اتباع موقف القديس أوغسطين، عندئذٍ شهِدنا مولد الأدب الذي يهدف إلى تبرير الاحتفاظ، برغم أنفِ كل شيئ بنصوص لم يعد لها مكانً في التوراة.
– إن المَمجمع المسكوني للفاتيكان الثاني (1962/1965) قد خفف بشدة من هذا التصلب وذلك بإدخال تحفظٍ على أسفار للعهد القديم التي تحتوي على الشوائب وشيئ من البُطلان، تُرى! هل يبقى هذا التحفظ مجرد تعبير عن نية طيبة أم سبتبعه تغيّرًا في الموقف إزاء ما لم يعد القرن العشرون يقبله في نصوصٍ كانت تهدف أن تكون مجرّد شهاداتٍ عن تعليمٍ الهيٍ حقيقيٍ وذلك خارج أي تعديلٍ بشري؟.
– هذا ما خلُص إليه بوكاي باختصارٍ شديدٍ فيما يتعلق بالعهد القديم (التوراة) أما ما يتعلق بالأناجيل فسوف نبدأ بأيراد نبئِه ابتداءًً من مقالة الغد بمشيئة الله تعالى، فكونو ا على موعدنا المتجدد بارك الله فيكم.
– مقالة رقم: (1614)
18. ذو القعدة. 1445 هـ
د. محمد طلال بدران (أبو صُهيب).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق