مقالات

حكاية ترنجة وساحرة الجبل من الفولكلور اليمني الأرض المسحورة (الحلقة 3 والأخيرة

نديم أميري

قالت جنّية المرآة: مكتوب على شجرة التّرنج أنّه من يولد منها يظل شابا ومليحا لا يأثّر فيه الزمن، لذلك لما تغلقين عينيك وتفتحيهما سترجعين كما كنت من قبل،ولكني سأحقق لك أمنية ،فكّري جيّدا ،فلن ترينني إلا إذا شاء الله ،هل تريدينني أن أعاقب بنات جيرانك اللواتي دبّرن ضربك ؟ قالت لها الفتاة: ما أتمنّاه هو أن أرى أبي وأمّي ،أجابت الجنّية :سأحقّق لك تلك الأمنية ، والآن أغمضي عينيك !!! ولمّا فتحتهما وجدت ترنجة نفسها واقفة أمام دار صغيرة في طرف القرية ،وأوّل ما فعلته هو أنها لمست وجهها، فلم تجد أثرا للجروح التي كانت فيه ،واستعاد شعرها جماله ،فحمدت الله، وأدركت أنّ الجنّية قالت لها الحقيقة ،لكن هل أبواها حقّا في هذه الدّار ؟ هذا ما ستراه ،وقالت :ربّما لا يعرفانها بعد كلّ هذه السّنوات الطويلة .
ثم تردّدت قليلا ،وطرقت الباب ففتحت لها امرأة تحمل في يدها فنجانا من الشّاي ،وبقيت تحملق فيها ،فلقد كانت الفتاة كما وصفتها لها السّاحرة : شقراء، ولها رائحة ثمار التّرنج ،وتذكّرت ما قاله الشّيخ الذي صادفته في الطريق من أنّ إبنتها سترجع لها إذا تابت عن خطاياها ،وفجأة سقط الفنجان من يدها ، فلقد عرفت أنّها إبنتها ،ثم عانقتها ،وأدخلتها لدارها ،وقالت لها : أنّ أبوها راشد إعترف لها بما فعله منذ زمن بعيد ،ورغم ذلك سامحته ،ولم تغضب منه ،وصارت كلّ صباح تنظر إلى الباب لعلها تأتي يوما ،و تصلّي إلى الله وتتصدّق لترجع البنت لأمّها حتى اليوم الذي إستجاب لها ،وكان ما حصل لها عقوبة للّجوء للسّحرة والمشعوذين .وفي المساء رجع راشد من المرعى ،وحين وجد إبنته فرح بها ،ولم يصدّق عينيه ،وأمضوا الليل وهم يتسامرون، وقصّت عليهم الفتاة حكايتها ،وتعجّب أبواها ممّا حدث لها، وحمدا الله على سلامتها .وفي الصّباح قالت لهما أنّ حماتها أمّ محمود لا تعلم أين هي ،ولا شكّ أنّها قلقة عليها ، فطلبت من أبيها أن يذهب لبستان الشّيخ صادق، ويسأل عن امرأته عائشة ،ويروي لها ما حصل ،فهي لم تعد تأمن على نفسها من حقد بنات القرية .
ولمّا وصل راشد وجد أنّ الجيران في هرج ومرج ،فقد جاءت القرود بالمئات وفي أيديها العصي ،وحطمت أشجارهم ،وضربت كل من وجدته، وكان هناك أنثى قرد واقفة فوق شجرة عالية ،وهي تصيح بصوت مفزع ،ثم تقافزت القرود ،ورجعت إلى الغابة بعد إنصرافها،تجمع الجيران ،وهم يسبّون ويلعنون ،وقالوا أنه من يوم مجيئ ترنجة إلى دار الشّيخ صادق، وزواجها من محمود، صارت القرود أكثر جرأة عليهم ،بعد أن كانت تخاف من مغادرة الغابة ،وتلك الفتاة هي من أتى بهم إلينا ،ولما قالت لهم أمّ محمود أنّ ترنجة اختفت منذ البارحة لم يصدّقوها، واتهموها بأنها تتستّر عليها ،إبتسم راشد، فلقد نال الجيران ما يستحقّونه عقابا لهم على حسدهم ،وعلى ما فعلوه في حقّ ابنته الوحيدة ،ثم طرق باب المرأة، وحكى لها ما جرى ،وأنه لولا لطف الله لعميت الفتاة أو فقدت النطق لشدّة ما تعرضت له من ضرب ،بكت المرأة ،وقالت:حين يأتي زوجي سأطلب منه بيع البستان ،والرّحيل من هنا ،فلقد وقع الشرّ بيننا وبين أهل القرية.
بعد أيّام رجع محمود وأباه، وغضبا كثيرا لمّا سمعا ما حصل ،وقرّرا الذّهاب إلى مكان آخر بعيد عن هذه القرية اللعينة ،وعزم راشد وامرأته على الرّحيل أيضا ليكونان قرب إبنتهما ،كانت ترنجة جالسة ،وفجأة دخلت أنثى القرد التي ربّتها وهي صغيرة ،ثم أمسكت بيدها ،وقالت : لن يتركك النّاس تعيشين بهدوء فأنت تسحرين العين والقلب، سأحملكم إلى مكان لا يوجد فيه شرّ ولا حقد ،فوراء شجرة التّرنج العجيبة، أرض واسعة لا تعرفها إلا الحيوانات التي تعيش في الجبل ،ومشى الجميع بغنمهم ،وأموالهم حتى وصلوا لكهف صغير يشبه الباب ،فدخلت أنثى القرد، ثمّ أطلت عليهم ،ودعتهم للدّخول فوجدوا أنفسهم في أرض مليئة بأشجار الترنج والبرتقال وسائر الثمار التي تسرّ الأنظار، وقالت أنثى القرد تلك اشجرة التي ترونها واقعة على الحدود بين أرضكم والأرض المسحورة ،لذلك بقيّة الأشجار لا تظهر لكم ،ونحن نعرف هذا المكان ،وندخل لنأكل ونشرب وأيضا لنختفي عن الأنظار ،ولذلك لم ينقطع جنسنا وأجناس الحيوانات التي تعيش هنا في حين أنها إنتهت من الوجود في كثير من الأماكن الأخرى، أوصيكم فقط بجعل هذا المكان سرّا.
لكن بعد أجيال من قصّة ترنجة بدأ الشّر ينتشر أيضا في تلك الأرض، وقطع سكانها الأشجار، ولم يعد للقرود والحيوانات مكان يختبئون فيه، فانقرضوا بعد أن كانت الأرض المسحورة ملاذهم الأخير لقد أخطأت أنثى القرد بإدخال بني آدم إلى المكان الوحيد الذي بقي نقيا من الشر في هذه الدنيا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق