التكنولوجيا
أهمية الانتقال من التقليدية للحداثة ومن رأسمالية الدولية لاقتصاد السوق المفتوح د. غازي فيصل حسين مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية مؤتمر ليبيا الدولي للصناعة والتكنولوجيا 2024
احمد لعويسي
اتفقت أغلب قيادات دول الجنوب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية: بأن النظام الاقتصادي الدولي الراهن، “غير عادل وباطل كالنظام الاستعماري”، لأنه يمتد بأصوله وبأسباب بقاءه لهذا النظام “ولأنه تعزز وتماسك وأزدهر، بناء على ديناميكية لا تتوقف، تُفقر ألفقراء وتُغني الأغنياء. هذا ألنظام الاقتصادي، يُشكل عقبة أساسية أمام أي فرصة للتنمية وللتقدم بالنسبة لجميع بُلدان العالم الثالث”. فالنزاع والخلاف بين الدول النامية والعالم الصناعي مازال قائماً حول مفهوم النظام الدولي الجديد، بهدف بناء توازن دولي جديد.
#استراتيجية التنمية الشاملة
تشكل استراتيجية التنمية الشاملة قاعدة أساسية للانتقال بالمجتمعات من التقليدية الى الحداثة وبناء دولة المؤسسات المدنية والفصل بين السلطات وبما يضمن للدول النامية التحول لدول متقدمة في المجالات العلمية والأخلاقية، وظهور المجتمع الصناعي والزراعي، مجتمع الرفاه الاقتصادي والخدمات، لتحقيق التنمية المستدامة، وبناء مجتمع يتفاعل مع اقتصاد السوق المفتوح عبر الانفتاح على الاستثمارات لتعظيم الثروات الاقتصادية، مما يحقق التوازن بين النمو الاقتصادي والتنميـة السياسية والاجتماعيـة والبشـرية وحمايـة البيئـة.
وتستهدف التنمية الشاملة مواجهة خمس تحديـات: طبيعة التناقضات الاجتماعية وآليات الانتقال من المجتمعات التقليدية الى الحداثة؛ تحقيـق التـوازن بـن احتياجـات الأجيال المتعاقبة والمختلفة؛ وضع برامج للتنمية الاقتصادية المستهدفة وتجنب التوسع غير المنضبط؛ ضمان التوافق بين التنميــة الاقتصاديـة والتنميـة الاجتماعيـة وحمايـة البيئـة وتحقيق النمو المُستدام والمتوازن. وتبنت استراتيجيات التنمية قاعدة جوهرية تتمثل بالاسـتثمار الأمثل للمـوارد والثروات المادية والبشـرية، بجانب تطويـر وتحديـث مؤسسات الدولة لضمـان كفاءة الأداء والقدرة على الإنجاز كمعيار لقياس جودة الانتاج، وتأمـيـن إدارة نموذجية كفؤة للبرامــج والمشـاريع التنمويــة، والخدمــات العامــة، بهدف استدامة الازدهار الاقتصادي وتعزيز التنمية البشرية، والتنمية الاجتماعية، والحفاظ على البيئة من التلوث، بيئة مستدامة للأجيال القادمة.
وتسهم اســتراتيجية التنميــة الوطنيــة بنشر ثقافــة وطنيــة سائدة، ووعي اجتماعي مشــترك لأهمية خطط التنمية المُستدامة بين جميــع الهيئات والمؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني المشاركة في تحقيق التنمية الشاملة وضمان التقدم والتحرر من التخلف والثقافة التقليدية. كما تقدم استراتيجية التنمية الشاملة إطــارا للتخطيــط الإداري والاقتصادي، للمساهمة في بناء القدرات الإنتاجية للاستثمار في الموارد البشرية وتطوير الخبرات والكفاءة في إدارة المشاريع وتنمية الوعـي بأهميـة عمليـة المتابعة والتقييـم علـى مسـتوى البرامـج والمشـاريع والسياسـات، وتعميق ثقافة التخصص والتمايز الوظيفي في عمل المؤسسات وبنـاء الشــراكات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كقاعدة أساسية للتنمية السياسية وبناء الديمقراطية وحقوق الانسان.
لقد اشتملت استراتيجية التنمية الشاملة علـى قواعد ومبادئ تتعلق بالتعـاون الدولـي في إطار تبني شراكات اقتصادية وسياسية عالمية من أجل التنمية وبناء السلام والأمن في المجالين الإقليمي والدولي، مما يتطلب متابعة ومراقبة تطبيق الاستراتيجية الشاملة عبر رصد مسارات التنفيذ وتأمين متابعة تنفيذ الخطط والبرامج والاتفاقيات الإقليمية والدولية، ومواجهة التحديات ومعوقات التطبيق ومعالجتها. وتزداد في عصرنا الراهن أهمية التنمية الشاملة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتحتل التنمية الاقتصادية قاعدة أساسية للتنمية السياسية لتحقيق متطلبات الديمقراطية السياسية والاقتصادية والانفتاح عبر الاستثمارات على العولمة الاقتصادية والتفاعل مع العولمة الثقافية والعلوم والتكنولوجيا والشركات المتعددة الجنسية واستقلالية المنظمات والتكتلات الدولية بجانب تحجيم دور الدولة الوطنية. الامر الذي انعكست تداعياته على الالتزام بتنفيذ خطط التنمية المستدامة 2030 للأمم المتحدة، حيث اعتبرت الامم المتحدة ان تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز التنمية البشرية ترتبط بالأنظمة المدنية الديمقراطية وحماية حقوق الانسان وضمان التعددية والمشاركة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وبسبب عجز الدول النامية عن تحقيق التكيف مع نظريات التحديث والانتقال من مجتمعات تقليدية، ترفض الانتقال لمجتمعات صناعية حديثة، محكومة بأنظمة عشائرية استبدادية وايديولوجيات شمولية، وفي الغالب سادت أنظمة ديكتاتورية عسكرية خصوصا في القارة الافريقية التي شهدت أكثر ٢٧ انقلابا منذ ١٩٩٥م، مما أدى إلي تفاقم الازمات السياسية والاقتصادية وانعدام العدالة في توزيع الموارد والثروات والفشل في بناء اقتصاد زراعي يوفر الأمن الغذائي واقتصاد صناعي ينمي المهارة والتكييف مع التكنولوجيا الحديثة ويوفر فرصة للاستقلال الاقتصادي وحماية الغابات والبيئة من التلوث والجفاف التي تشكل سببا رئيسيا للهجرة نحو دول الشمال الصناعي والعجز في مواجهة التحديات المتفاقمة للدول النامية.
#تحديات الأمن الاجتماعي
لقد تعرضت المُقترحات والمفاهيم الخاصة ببناء نظام اقتصادي دولي جديد لانتقادات واسعة، وبصورة خاصة، في الجانب الاجتماعي، فمن المعروف أن : مليار من البشر، على الأقل، يعانون من سوء ألتغذية ومن فقر مدقع (دخل الفرد أقل من دولار يومياً). 2.5 مليار نسمة من سكان العالم يعيش بأقل من 2 دولار يوميا، يشكلون 40 % من سكان الكرة الأرضية، 1200 طفل يموت كل ساعة بسبب الفقر، 300 مليار دولار تكفي لرفع مليار نسمة فوق خط الفقر المدقع .
#تحديات الأمن الغذائي
لكن ألمُشكلة الجوهرية، تتمثل ببقاء معدلات الإنتاج ألعالمي من الغذاء لا تتناسب مع اتساع ظاهرة الفقر والجوع، لرفض مالكي فائض الإنتاج من القبول بمشاركة الآخرين، مع ذلك استمرت البلدان المُعرضة للمجاعة في طرح مُشكلاتها على صعيد المجتمع الدولي، بمُطالبة الدول الصناعية، من خلال مؤتمر الأمم المتحدة للغذاء والزراعة، بتزويد بلدان العالم الثالث بمساعدات غذائية لكن استجابة الدول الغنية كانت محدودة جداً.
#تحديات السكن اللائق
بعد مُشكلة ألتغذية، تظهر مُشكلة الإسكان، حيث يعيش 3.5 مليار من ألبشر في مجمعات عشوائية لا تستوعب أكثر من 20 ألف ساكن. لقد اهتمت العديد من المؤتمرات الخاصة بالبيئة، وتم إقرار برنامج من 9 نقاط ، يستهدف تحقيق التعاون الدولي في مجال الإسكان الإنساني، في إطار الاعتقاد: بأن تحسين حياة الأفراد يجب أن يصبح من الأهداف الأكثر أهمية في كل سياسة تتعلق بتوفير سكن لائق بالبشر، ولم يتحقق على صعيد الواقع شئ يُذكر.
#تحديات الفقر والجوع
وبهدف محاربة الفقر، وانعدام العدل الاجتماعي، وانتشار ظاهرة البطالة، عقدت العديد من المؤتمرات الدولية، لمناقشة قضايا : التوظيف؛ المُشاركة في الدخل؛ التقدم الاجتماعي؛ تقسيم العمل الدولي، وإقرار الوثيقة النهائية المُتعلقة ببناء نظام اقتصادي دولي جديد، الذي يُمكن أن يوفر فرصة لكل دولة لاختيار نمط الإنتاج ألملائم لطبيعة ثرواتها وقدراتها، كما تشكل معالجة الفقر الهدف الأول من سياسات التنمية، لكي تتمكن الدول من إشباع الحاجات الأساسية للشعوب الأكثر فقراً، إضافة لتمتع بلدان العالم الثالث، بحق الوصول لتوازن عادل، بين الأيدي ألعاملة في مجال ألتقنية ورأس المال ألمُستثمر، أي التوازن بين قوى العمل ورأس المال.
#تحديات الأمن المائي
أما على صعيد أزمة المياه في العالم، فلم يطرأ أي تحسن، فإذا كان ألماء يغطي 7 أعشار الكرة الأرضية ، فإن أقل من 1% من المياه صالحة للشرب. حيث تسبب المياه الملوثة بوفاة 4000 شخص يومياً، علماً بأن حاجة البلدان النامية لمعالجة تلوث المياه وتوفير المياه الصالحة للشرب لا تزيد عن 30 مليار دولار، فالمتضرر الكبير من ظاهرة أزمة وتلوث المياه، البلدان النامية، حيث تتعرض المجتمعات لانتشار الأمراض والأوبئة بسبب تلوث ألمياه، ويطرح حاجة 57 دولة فقيرة، لطاقم طبي مكون من 4 ملاين شخص، لمواجهة المشكلات الصحية، لذا يجب على المجتمع ألدولي اعتبار قضية ألمياه من القضايا الأساسية ألتي تتطلب تعاوناً دولياً لمعالجتها.
#تحديات التصحر والتلوث البيئي
كما تبرز ظاهرة ألتصحر، واحدة من القضايا الخطيرة التي يوجهها العالم الثالث، فالصحارى اليوم تحتل ثلث مساحة الكرة الأرضية، بسبب نشاطات الإنسان الصناعية والزراعية ألتي أدت إلى تحويل مساحات واسعة تقارب مساحة الصين إلى مناطق صحراوية، والضحية الأولى لهذه الظاهرة هي بلدان العالم الثالث، ولم تستطع مقاصد النظام الدولي المعاصر من تحقيق تقدم ونجاح ملموس لمعالجة هذه التحديات الخطيرة.
من المؤكد، أن حركة عدم الانحياز، كان بمقدورها التحول أداة فعالة لبناء نظام دولي جديد، شرط قيامها بوضع حدود لأفكارها. إن مفهوم ألنظام ألدولي ألجديد يعكس في ألمجال الأول، خطاباً أيديولوجياً، ثم يكون وبالتتابع حالة من علاقات القوة على صعيد العلاقات الدولية، وسلاح للكفاح من أجل تغيير الواقع الراهن للعلاقات الدولية .
إن الجانب القانوني للنظام الدولي الراهن ، مكون من مجموعة من القواعد ألخطرة، فالقانون ألدولي ألذي تبلور بعد إنشاء الأمم المتحدة عام 1945، كان من وضع الدول الصناعية، لتلبية حاجات الإمبريالية ولتبرير الهيمنة على دول العالم الثالث. لكن الشعوب والأمم ، بدأت ترفض تدريجياً “التصور الأرستقراطي للأمم المتحدة”، معتبرة أن التحرر السياسي يبقى ناقصاً، إذا لم يرافقه التحرر الاقتصادي، وهذا ما دفع نحو البحث عن إجراء تعديلات جوهرية لقواعد ألقانون ألدولي .
#عصر الفضاءات الكبرى
إن التحديات المعاصرة التي تواجهها الدول في قارات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تتمثل بدخول النظام الدولي، نحو عصر العولمة الاقتصادية والسياسية والثقافية لبناء شراكات اقتصادية كبرى، والعمل لتكوين جماعة اقتصادية لدول الجنوب، توفر الفرصة لضمان العمل الاقتصادي المشترك مع الدول الصناعية الرأسمالية، لتنظيم توزيع الاستثمار في الموارد البشرية والمعدنية في إطار خطط وعمليات التنمية الاقتصادية، وتعميق الشراكة الاقتصادية بين الدول، عن طريق التنسيق بين السياسات المالية والاقتصادية، وتحقيق درجة أكبر من حرية الحركة والانسياب للعمالة ورأس المال، مما يوفر سعة السوق ويؤدي إلى تحسين الإنتاجية، وزيادة رفاهية الدول الأعضاء بانتقال وانتشار المعرفة العلمية والتكنولوجية، لتوفير الموارد التي تستخدم في بناء مشروعات توسع من قاعدة الصادرات، وتقلص الاستيراد وبناء شبكة نقل واتصالات، وتنويع الإنتاج، بما يحقق التوازن في العلاقات والمصالح المتبادلة بين الدول النامية مع الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية والصين.
#من خلال العمل لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي لمعالجة مشكلات الفقر وتوفير الغذاء للشعوب التي تواجه مشكلات اقتصادية كبرى أو تتعرض إلى كوارث طبيعية أو بيئية، والعمل لوضع حلول عملية على الصعيد الدولي لمعالجة تلوث المياه وسد النقص الحاد في الحاجات الأساسية للاستهلاك البشري من المياه، والعمل بصورة جماعية لمواجهة انتشار الأمراض والأوبئة الخطيرة التي نهدد مستقبلنا وعالمنا المشترك، إلى جانب تبني الاتفاقيات الدولية والبرامج الخاصة بمعالجة تحديات التغيرات المناخية، بما يعزز أمن وسلامة الشعوب الدول. فمن الضروري قيام الأطراف المعنية إقليميا ودوليا، بتقديم تضحيات من أجل تحقيق السلام دفاعا عن الحرية والسيادة، وضمان تطبيق قرارات الأمم المتحدة بعيداً عن المعايير المزدوجة، لخدمة قضية الإنسانية في الحرية والعدالة والتقدم والازدهار.