مكتبة الأدب العربي و العالمي

حكاية حورية و إبن السلطان من الفولكلور السوري ” كوسم ” خاتون (حلقة 4 )

بقلم : محمد حميدي

لم يمض زمن طويل حتى صارت الألسن الخبيثة تتهامس حول أصل الأميرة ،وبأن ليلة عرسها لم يحضر أحد من أهلها ،وبدأت الإشاعات تعظم حتى سمع بها السّلطان، فقال لابنه: سنعاقب كلّ من يتكلّم بالسّوء في حقّ امرأتك ،فهي فتاة عاقلة، وأنا أحبّها مثل ابنتي ،قال عماد الدين : القوّة لا تنفع يا أبي ،أترك الأمر لي وسأفكر في حلّ !!! لمّا دخلت حورية على الأمير ،وجدته مطرقا برأسه ،فسألته عن ما يقلقه ،فأجلسها بجواره ،ثم روى لها ما يقول بعض الناس من الحاسدين ،فأجابته :أنا أعرف كيف أخرس تلك الألسن ،سألها بدهشة: وكيف ذلك ؟ ردّت : قل لأبيك أن يقيم مهرجانا للشّعر يحضره التّرك والسّريان و الأرمن ، وقبل ذلك سأتعلّم لغة التّرك وأدبهم، وكلّ ما يتعلّق بهم.!!! قال لها : لكن سيحتاج كل ذلك إلى وقت طويل ،والإشاعات ستملأ المملكة ، أجابت : لا تنس أنّي ساحرة، ولن أحتاج سوى لبضعة أيّام ،والآن كلّم أباك السّلطان لينظّم المهرجان في أقرب وقت ،قال عماد الدين: إن كان الأمر كذلك ،ففي ديوان الرّسائل كلّ ما تستحقّينه ،وعندنا كتّاب من التّركمان يعرفون كلّ شيئ عن تلك البلاد .
سمعت العامّة بأنّ الأميرة ستشارك مع أكبر شعراء الممالك المجاورة ،وفي اليوم الموعود بدأ النّاس يتوافدون وكان مروّجوا الإشاعات متأكّدين أنّ أمر حورية سينكشف ،وأوّلهم أخوها ،فما تعرفه من لغتهم لا يتجاوز بعض الجمل والكلمات التي كان يردّدها أبوها وأمّها حين كانا صغيرين ،بدأ الشّعراء يلقون قصائدهم ،حتى جاء دور التّرك ،فقام شاعر من أفصحهم لسانا، وألقى قصيدة طويلة ،فصفّق له التّركمان، وجاء ثان ،وثالث ،حتى حضر دور حورية ،وكانت الأنظار ترمقها ،ثم أنشدت قصيدة تحكي فيها عن حياتها في الغابة :

لا أحد معي
كنت هناك وحدي
مع الغزلان أعيش
أبيت حيث تقودني قدماي
وفي الصّباح دون هدى أسير
لا أدرى كيف يكون الغد
أو ما هو المصير …

كان شعرها جميلا ،ولغته فصيحة ،وحين أتمّت القصيدة ،صفّق لها تركمان دمشق ،والشّعراء الذين جاءوا من أورفة، وديار بكر ، وسألوها عن حالها ومن تكون؟ فأجابتهم أنها إبنة طرخان خاقان الترك ،وتعجّبوا لسعة علمها ،فهي كانت تعرف كل شيئ عنه ،وأسماء أولاده ونسائه ،قال أحد الشّيوخ لرفيقه : لقد كنت من ندماء طرخان ،ووجه تلك الفتاة ليس غريبا عني ،وهي تذكّرني بإمرأة من نسائه إختفت منذ زمن طويل ،ولا أحد يعرف عنها شيئا ،وإن لم أكن مخطئا فهي إبنة ” كوسم ” خاتون .
لم يعد للناس شكّ في أن حورية قالت الحقيقة ،فلقد رحّب بها قومها ،وكانت تفوقهم علما وفصاحة ،واستاء أخوها لنجاتها من الفخّ الذي صنعه لها وقال : لم يعد هناك سوى حلّ واحد ،سأرحل لمملكة الترك ،وأخبر طرخان أن هناك من تدّعي أنّها إبنته ،ولما يعلم سيغضب، وسيتدخّل لكي تكفّ أختي عن تلك الكذبة ،ويعلم الجميع الحقيقة ،ولمّا وصل إليه أخبره بتلك القصّة، وقال له: أنّها أخته ،لكن ليس من نفس الأب ،فتعجّب طرخان، وسأله عن أبويه،ثم نادى الشّعراء الذين شاركوا في المهرجان، فأجمعوا على علمها، وأن لها هيئة بنات السلاطين ،ولمّا جاء دور النّديم الذي كان يروي له الطرائف، وينشد الأشعار ،قال له: إنها أشبه ما يكون بمولاتي كوسم خاتون !!! فلها جمالها الفتّان ،ولون عينيها .
وكانت “كوسم ” قد عشقت أحد الحرس ، ولمّا فطن لها طرخان هربت مع ذلك الحارس، ومعها إبنتها رضيعة ،ولم يعثر لها أحد على أثر، وحملها الرّجل إلى قرية صغيرة قرب دمشق ،وهناك ولدت حورية ، وبعد سنة أخاها وهو منه ،لكن تلك المرأة لم تعش طويلا وماتت ،ولحق بها زوجها حزنا عليها ..

يتبع الحلقة 5 والأخيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق