في باديءِ الأمرِ .. كانَ الطفلُ يسكنُهُ و الحبُّ بحرٌ.. به يطفو و ينغَمِسُ
ليعتلي موجةَ الأفراحِ يركَبُها نحوَ الفضاءِ .. فلا أرضٌ و لا يبَسُ
و الكونُ يغمُرُهُ بالحُبِّ مبتَهِجاً فقلبُهُ العَذبُ .. شفافٌ و مقتَبِسُ
لا يعرفُ البغضُ و الأحقادُ قِبلَتَهُ و مَعبَدُ الطُهرِ .. لا يرتادُهُ النَجَسُ
كانت مسيرتُهُ بيضاءَ مرهَفَةً مثلَ السحابِ علا .. ما مَسَّهُ دَنَسُ
طِيبُ البراءَةِ أَخّاذٌ بِقُوّتِه فالراسخونَ .. أمام الطُهرِ يلتَبِسوا
لكنَّهُ الدهرُ يُغري المرءَ من سَأَمٍ ليستكينَ .. فإذ بالدربِ يَنعَكِسُ
و يظهَرُ اللؤمُ .. فالحرمان حُجّتُهُ و كُلُّ ذاتٍ بها نابٌ .. فتفتَرِسُ
و الطفلُ يرقُدُ مُلتاعاً و مضطَرِباً ما كانَ يعلَمُ أنَّ الحُبَّ يندَرِسُ
ما كانَ يعلَمُ أنَّ الغابَ موطِنُهُم و أنَّ قلبَ البرايا جارحٌ شَرِسُ
مصالحُ النفسِ تطغى لا ترى أحدًا و تَحجِبُ الخيرَ كي يَذوي و ينطَمِسُ
تلهو الحياةُ بهذا الطفلِ في تَرَفٍ فَيُقبِلُ الضيقُ و الإرهاقُ و التَعَسُ
و التيهُ يجرِفُهُ حيناً و يسحَقُهُ في قعرِ وادٍ ظلومٍ ما لهُ أُسُسُ
حتى يَحِنَّ لذاك الطفلِ مُلهِمَهُ فإذ بهِ جَدَثٌ قد عافَهُ النَفَسُ
بلا جمالٍ و لا زهرٍ و لا شَغَفٍ عديمُ زادٍ ضعيفٌ شاردٌ يَئِسُ
فتدمَعُ العينُ إشفاقاً و مَسكَنَةً على بريءٍ تَوَلّى ظُلمَهُ الحَرَسُ
فيفزَعُ المرءُ ممّا حَلَّ في نَدَمٍ و يبدؤُ اللَومُ .. و الأعذارُ تنبَجِسُ
و قد مضى الحُبُّ لم يترُك له أثراً سوى صراعٍ به جرحٌ لهُ جَرَسُ
يَشُقُّ روحاً تمادَت في تعَنُّتِها نادَى بحسرَتِها .. تفريطُها السلِسُ
تمضي الحياةُ و يبقى الطفلُ يطلُبُنا إن لم نسامِرهُ .. حتماً سينخَرِسُ
فلنتركِ الطفلَ يَسري في جوانِحِنا قبلَ المغيبِ ليُجلَى عتمُنا النَحِسُ
# بقلم
# رياض الصالح
