مكتبة الأدب العربي و العالمي

الساحر بنشكين / الاجزاء 1-2-3 …استمع

في ماضي الزمان كان هناك أمير، وأب لسبع أميرات
جميلات. كن جميعاً فتيات طيبات، لكن الصغرى، واسمها
بالنا، كانت الأذكى من البقية. توفيت أمهن في صغرهن ولذلك بقيت الأميرات المسكينات من دون أم ترعاهن.
تولت بنات الراجا بالدور مهمة طبخ عشاء والدهن كل يوم، في أثناء غيابه، وهو يتداول مع وزرائه في شؤون الدولة.
وفي هذا الوقت توفي الوزير(برادهان)، تاركاً أرملة وبنت .
وفي كل يوم، عندما كانت الأميرات السبع يحضرن طعام
والدهن، كانت أرملة الوزير وابنتها تأتيان وتشحذان قبساً من نار الموقد.
وكانت بالنا تقول لأخواتها: «اطردن تلك المرأة، لم لا تحصل على نار في منزلها. ما الذي تريده من نارنا؟ لو سمحنا لها بالدخول إلى هنا، فسنعاني جراء ذلك يوماً ما».

لكن بقية أخواتها كن يجبن: «اهدئي، يا بالنا، لماذا تتشاجرين هذه المرأة البائسة؟ دعيها تأخذ قبساً من النار إذا ما أرادت». عندها، كانت الأرملة تذهب إلى الموقد وتأخذ بضعة أعواد منها، وعندما لم يكن أحد يراقبها، كانت ترمي وبسرعة حفنة من الطين وسط الأطباق التي تحتوي على عشاء الراجا.

كان الراجا مولعاً ببناته. ومنذ وفاة والدتهن كن يطبخن
عشائه بأيديهن، لتجنب خطر تعرضه للتسمم من قبل
لذلك، فعندما عثر على الطين ممزوجاً بطعامه، اعتقد أن الأمر ناتج عن إهمالهن حيث لم يكن هناك احتمال بأن يتقصد أحدهم وضع الطين هناك، ولأنه والد عطوف لم يرغب في لومهن على ذلك، رغم تكرار تلف «الكاري» لأيام متتالية. وأخيراً، وفي أحد الأيام، قرر أن يختبئ، ويراقب بناته في أثناء الطبخ، ليرى كيف تجري الأمور. لذا دخل الغرفة المجاورة،
وراح يراقبهن من خلال ثقب في الجدار .
هناك، شاهد بناته السبع وهن يغسلن الأرز بعناية ويحضرن طبق «الكاري» وبعد الانتهاء من كل طبق، كن يضعنه قرب النار، ليجهز للطبخ، ثم رأى زوجة الوزير وهي تصل إلى الباب وتطلب بعض الحطب لتطبخ طعامها، وكانت بالنا تردها غاضبة

وتقول: «لم لا تحتفظين بالوقود في بيتك، بدلاً من أن تأتي إلى هنا كل يوم وتأخذي من وقودنا؟. أخواتي، لا تعطين هذه المرأة المزيد من الحطب، دعوها تشتريه لنفسها؟».
عندها أجابت الأخت الكبرى: «بالنا، دعي المرأة المسكينة
تأخذ الحطب والنار، فهي لا تمسسنا بسوء»، لكن بالنا ردت بالقول: «إذا ما سمحتن لها بالدخول هنا مراراً، ربما ستلحق بنا الأذى، وتجعلنا نأسف على ذلك يوماً ما».
ثم رأى الراجا أرملة الوزير وهي تذهب إلى المكان الذي
يعد فيه عشاؤه بطريقة لطيفة، وبينما تأخذ الحطب، قامت برمي كمية صغيرة من الطين في كل طبق من الأطباق .
عندها غضب الراجا غضباً شديداً، وأمر بإلقاء القبض على المرأة وجلبها أمامه. ولكن حين حضرت الأرملة، أخبرته أنها لعبت تلك الحيلة لأنها أرادت أن تستقطب اهتمامه وأن تتحدث معه. وتحدثت بكل ذكاء وفتنته بحديثها وبكلامها المعسول
فتزوج منها وانتقلت وابنتها لتعيشان في القصر.
وكانت الملكة الجديدة تكره الأميرات السبع وتريد التخلص منهن إن أمكن، لكي تستحوذ ابنتها على كل ممتلكاتهن، وتعيش في القصر أميرة بدلاً منهن، وبدلاً من أن ترد لهن الجميل على عطفهن عليها فعلت كل ما في وسعها لتحيل حياتهن إلى شقاء. فما عادت تقدم لهن من الزادسوى كسرات من الخبز وقليل من الماء، فاستحالت حياة الأميرات المسكينات الصغيرات اللائي اعتدن على العيش الرغيد في مأكلهن وملبسهن طيلة حياتهن، إلى حياة بائسة شقية.
فبدأن بزيارة قبر أمهن كل يوم والبكاء قائلات: «ألا ترين يا أمنا،مدی شقاء بناتك، وكيف جوعتهن زوجة أبيهن القاسية؟».
وفي أحد الأيام، وبينما كن يبكين وينشجن، فإذا بشجرة
برتقال هندي جميلة تنمو خارجة من القبر، وقد امتلأت بحبات البرتقال الناضجة الطازجة، وأشبعن جوعهن بتناول شيء من الثمار ، وبعد ذلك، وفي كل يوم، وبدلاً من تناول الطعام السيء
الذي كانت زوجة أبيهن تقدمه لهن، أخذن بالخروج إلى قبر أمهن وتناول ثمار البرتقال من تلك الشجرة الجميلة.
ثم قالت زوجة الأمير لابنتها: «لا أفهم كيف يحدث ذلك،
هؤلاء البنات السبع لا يرغبن في أي عشاء، ولا يأكلن شيئاً، ومع ذلك لم ينحفن ولم يظهر عليهن المرض، بل يبدين بحال أفضل،
أنا لا أفهم ذلك». وأمرت ابنتها بمراقبة الأميرات السبع لترى إن كان أحدهم يعطيهن ما يأكلنه.

يتبع … الجزء الثاني

#الساحر_بنشكين
جزء ثاني

وأمرت ابنتها بمراقبة الأميرات السبع لترى إن كان أحدهم يعطيهن ما يأكلنه.

وفي اليوم التالي، وعندما خرجت الأميرات إلى قبر أمهن،ورحن يأكلن ثمار البرتقال الهندي اللذيذة، تبعتهن ابنة الأرملة وشاهدتهن يجمعن الفاكهة.

قالت بالنا لأخواتها: «ألا ترين تلك الفتاة وهي تراقبنا؟
دعونا نبعدها، أو نخفي الثمار عنها، وإلا ستذهب وتبلغ أمها بكل ما شاهدته، وهذا سيكون سيئاً جداً علينا».

لكن الأخوات الأخريات قلن: «كلا، لا تكوني قاسية يا بالنا.
فالفتاة لا يمكن أن تكون بهذا الخبث حتى تخبر أمها. وبدلاً من ذلك دعونا ندعوها لتتناول شيئاً من الفاكهة». وبعد أن دعونها، أعطينها حبة من البرتقال.

وما إن تناولتها، حتى ذهبت ابنة البردوان إلى البيت وقالت لأمها: «لا أعجب أن لا تأكل الأميرات السبع الطعام الذي تحضرينه لهن، فبالقرب من قبر أمهن تنمو شجرة برتقال هندي جميلة، يذهبن إليها كل يوم ويأكلن الثمار.

أكلت واحدة منها، وقد كانت أطيب فاكهة تذوقتها في حياتي».
امتعضت الملكة كثيراً من سماع ذلك، وطوال اليوم التالي بقيت في غرفتها، وأخبرت الراجا أنها تعاني من صداع شديد .

حزن الراجا كثيراً وقال لزوجته: «ما الذي أستطيع أن أفعله لك؟». فردت عليه: «هناك شيء واحد فقط سيخفف من هذاالصداع.
هناك قرب قبر زوجتك تنمو شجرة برتقال هندي
جميلة، عليك أن تجلبها من هناك وتغليها، بجذورها وأغصانها، وتضع قليلاً من الماء الذي غليت فيه على جبهتي، علاج صداعي».

أرسل الراجا خدمه، وأمر بقلع الشجرة من
جذورها، كما رغبت الراني (الملكة)، وبعد أن وضع شيء من الماء الذي غليت فيه الشجرة على جبهتها، قالت إن صداعها قد انتهى وشعرت بالتحسن.
هو هذا
وفي اليوم التالي، خرجت الأميرات السبع كالعادة إلى قبر أمهن، فوجدن أن شجرة الليمون الهندي قد اختفت. وبدأن جميعاً بالبكاء بمرارة.
وكان هناك حوض صغير على مقربة من قبر الملكة الميتة، وفيما كن يبكين رأين أن الحوض امتلأ بمادة غنية تشبه القشطة، الذي تصلب بسرعة ليصبح كعكة بيضاء سميكة. وبعد أن شاهدن هذا، فرحت الأميرات السبع كثيراً، وأكلن من الكعكة وأحببنها، وتكرر ذلك في اليوم التالي، وهكذا استمر الحال على هذا المنوال لأيام عديدة. كانت الأميرات يذهبن كل صباح إلى قبر أمهن، ويجدن الحوض الصغير مليئاً بالكعكة المغذية التي
تشبه القشطة. ثم قالت زوجة الأب القاسية لابنتها: «لا أفهم كيف يحدث ذلك، لقد أمرت باقتلاع شجرة البرتقال التي كانت تنمو عند قبر الملكة الراحلة، ومع ذلك، لا يبدو الوهن على الأميرات، ولا يبدين أكثر حزناً، رغم أنهن لا يأكلن الطعام الذي أقدمه لهن، أنا لا أفهـم».
فقالت ابنتها: «سأراقبهن».

وفي اليوم التالي، وبينما كانت الأميرات يأكلن الكعكة،
ظهرت ابنة زوجة الأب. فرأتها بالنا أولاً، وقالت: «لاحظن،
يا أخواتي، ها هي الفتاة تعود مرة أخرى، دعونا نجلس حول حافة الحوض ولا نسمح لها برؤيته، لأننا إذا ما أعطيناها شيئاً من الكعك، ستذهب وتقول لأمها، وهذا سيكون من سوء حظنا».

إلا أن أخواتها لم يجدن مبرراً لشكوك أختهن وبدلاً من اتباع نصيحتها، أعطين لابنة البرودان، قطعة من الكعكة، فعادت إلى البيت وأخبرت أمها بما رأته .

وبعد أن علمت الملكة برفاهية الأميرات، انتابها غضب
شديد، وأرسلت خدمها لهدم قبر الملكة الراحلة وملء الحوض

الصغير بالقمامة، ولم تكتف بذلك، بل تظاهرت في اليوم التالي بالمرض الشديد، وبأنها أوشكت على الموت، فشعر الراجا بحزن شديد، وسألها إن كان باستطاعته  أن يوفر لها أي علاج،فقالت له: «هناك شيء واحد لا غير يمكن أن ينقذ حياتي، ولكني أعلم أنك لن تفعلها».

فأجاب: «بلى سأفعل كل ما تطلبين».
ثم قالت: «لكي تنقذ حياتي، يجب أن تقتل بناتك السبع من زوجتك الأولى، وتضع شيئاً من دمائهن على جبهتي وراحتي وسيكون موتهن حياة لي».

عند سماعه هذه الكلمات، انتاب الراجا حزن شديد، ولأنه خشي أن لا يفي بوعده، خرج محزوناً باحثاً عن بناته، فوجدهن يبكين عند حطام قبر والدتهن.

عندها، وبسبب عجزه عن قتلهن، تحدث الراجا بلطف إلى
بناته وطلب إليهن أن يمضين إلى الغابة معه، وهناك أشعل ناراً وطبخ أرزاً، وقدمه لهن.

وبعد الظهر، وبسبب حرارة الجو الشديدة، غطت الأميرات السبع في النوم، وعندما رأى أنهن نمن
بسرعة، ابتعد والدهن، الراجا، خلسة وتركهن (لأنه كان يخاف من زوجته) وقال لنفسه: «من الأفضل أن يمتن هنا بدلاً من أن يقتلن على يد زوجة أبيهن».

ثم اصطاد غزالاً، وفي أثناء عودته إلى البيت

يتبع …  الجزء الثالث

#الساحر_بنشكين
الجزء الثالث

ثم اصطاد غزالاً، وفي أثناء عودته إلى البيت

، وضع بعض الدم على جبهة الملكة ويديها، وظناً منها أنه قتل الأميرات فعلاً، قالت إنها شعرت بالتحسن تماماً.
وفي الوقت نفسه استيقظت الأميرات، وعندما وجدن
أنفسهن وحيدات تماماً في الغابة الواسعة، انتابهن خوف شديد، ورحن ينادين بأعلى أصواتهن على أمل أن يسمعهن أبوهن.

لكنه كان بعيداً جداً، ولم يعد بإمكانه سماع أصواتهن حتى لو كانت بقوة الرعد.
وتصادف في اليوم نفسه ذهاب سبعة شبان هم أبناء أحد أمراء منطقة مجاورة في رحلة صيد إلى تلك الغابة، وفي أثناء عودتهم إلى البيت وبعد انتهاء رحلة الصيد لذلك اليوم، قال أصغر الأمراء لإخوته: «توقفوا، أعتقد أني أسمع صوت أحدهم يبكي وينادي.

ألا تسمعون؟ فلنذهب ، ونتبين ماهية هذا الصوت».

ركب الأمراء السبعة خيولهم وشقوا طريقهم في الغابة
حتى وصلوا إلى حيث جلست الأميرات السبع ينتحبن. ذهل الأمراء عند مشاهدتهن وزادت دهشتهم عندما علموا بقصتهن، وتوصلوا إلى قرار مفاده أن يتزوج كل واحد منهم واحدة من هؤلاء الفتيات المسكينات المنسيات ويأخذها إلى بيته .

وهكذا أخذ الأمير الأكبر الأميرة الأكبر إلى بيته وتزوج بها.
والثاني من الثانية.
والثالث من الثالثة.
والرابع مع الرابعة.
والخامس من الخامسة.
والسادس من السادسة.
وتزوج السابع، وهو الأوسم من كل الأمراء من «بالنا»
الجميلة.

وعندما عادوا إلى موطنهم أقيمت أفراح كبيرة عمت أرجاء المملكة بمناسبة زواج الأمراء من الأميرات الجميلات السبع.

وبعد زهاء عام رزقت «بالنا» طفلاً، وقد فتن به أعمامه
وخالاته وأحاطوه برعايتهم حتى كأنه كان له سبعة آباء وسبع أمهات.

ولم يرزق أي من الأمراء والأميرات الآخرين والأخريات
بأي أطفال، لذلك أقر الجميع بأن ابن الأمير السابع وزوجته
«بالنا» هو وريثهم.

وهكذا عاشوا في سعادة لفترة من الزمن، وفي أحد الأيام الجميلة قال الأمير السابع إنه ذاهب إلى الصيد، ثم انتظروه.طويلا، لكنه لم بعد أبدا وقال إخوته الستة إنهم ذاهبون لكي يروا ما حل به، ورحلو .

ولم يعودوا هم كذلك حزنت الأميرات السبع كثيرا، لأنهن خشين أن يكون أزواجهن قد قتلوا

وفي أحد الأيام، ولم يكن قد مضى وقت طويل على ذلك كانت «بالنا» تهز مهد طفلها، بينما أخواتها يعملن في الغرفة في الطابق الأرضي، وصل إلى بوابة القصر رجل يرتدي ملابس سوداء طويلة، وقال إنه درويش زاهد جاء مستجديا. قال له الخدم: «لا تستطيع الدخول إلى القصر فقد خرج أبناء الراجا كلهم، ونعتقد أنهم في عداد الموتى، ولا يمكن الدخول على،أراملهم طالبة منهن المساعدة».

ولكنه قال: «أنا رجل مبروك يجب أن تسمحوا لي بالدخول». فسمح له الخدم الأغبياء بالدخول إلى القصر، ولم يعرفوا أنه لم يكن من النساك بل ساحر شریر اسمه بنتشکن

تحول تنتشكن الفقير في أرجاء القصر وشاهد الكثير من الأشياء الجميلة هناك، وأخيراً وصل إلى الغرفة التي كانت «بالنا» تجلس فيها تهدهد ولدها الصغير. وجد الساحر أنها أجمل امرأة رآها في حياته، فطلب منها أن ترحل معه وتصبح زوجته، لكنها قالت :

«أخشى أن زوجي قد مات، ولكن ابني ما زال صغيراً، فأنوي البقاء هنا وتربية ابني حتى يكبر ويصير رجلاً ذكياً، وعندئذ سيخرج إلى العالم، ويحاول أن يستعلم عن أخبار أبيه. أعوذ بالله أن أتخلى عنه أو أن أتزوج منك». غضب الساحر غضباً شديداً من كلامها هذا، فحولها إلى كلب صغير أسود، وقادها إلى الخارج قائلاً:
«ما دمت قد رفضت المجيء معي بمحض إرادتك، فسأجبرك على ذلك».

وهكذا سحبت الأميرة المسكينة دون قدرة على الفكاك
من العجوز. وحين مر بنشكين من بوابة القصر قال له الخدم: «من أين جئت بهذا الجرو اللطيف؟»، فرد عليهم: «أهدتني إياه إحدى الأميرات».

وعند سماعهم ذلك سمحوا له بالمرور من دون طرح
المزيد من الأسئلة.
وبعد ذلك مباشرة، سمعت الأميرات الست بكاء ابن
أختهن، وعندما صعدن إلى الطابق الأعلى، ذهلن لرؤيته وحيداً، ولم تكن «بالنا» على مقربة منه، ثم سألن الخدم، وعندما سمعن…

**يتبع الجزء  الرابع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق