مكتبة الأدب العربي و العالمي

المزمار_السحري الجزء الرابع

أثناء البحث، أوقعت بدور عن طريق الخطأ مزهريةً كبيرة على الأرض فتحطمت..

فجمد الاثنان في مكانيهما بسبب قوة الضجة التي حدثت.. وتمنّيا أن لا يكون الغول قد سمعها..
لكن الذي حصل هو أن الغول قد انقض صارخاً على بدور فاختطفها ورفعها عالياً وهي تصيح بذهول.. فركض احمد نحوها لكن الغول رطمه بظاهر كفه فقذف به نحو الجدار فارتطم به وسقط مغشياً عليه..
.
.بعد مضي بعض الوقت..
استيقظ احمد وهو يمسح برأسه..
ثم استغرقت ذاكرته عدة ثوانٍ لإدراك ما حصل قبل أن يفقد وعيه.. فنهض وقد عقد العزم على البحث عن بدور وهو يرجو أنها لا تزال بخير..

لكنه وقبل أن ينطلق، إستوقفه أمر ما…
فقد لمح داخل حطام المزهرية لُفافةً عتيقة.. بدا وكأنها كانت مخبئةً هناك قبل أن يكشفها تهشم المزهرية..
رفع احمد اللفافة وفتحها فوجد داخلها خنجراً أسود اللون منقوشاً عليه هذه العبارة (أداة قتل السحر الأسود)..

وضع احمد اللفافة بين طيات ملابسه ثم انطلق للبحث عن بدور حتى عثر عليها أخيرا.. لكن بأي حالٍ وجدها… فقد كانت مقيدةً بالحبال، ومتدليةً بحبلٍ رفيع الى غصنٍ هزيل لشجرةٍ تقع تماماً على حافة قمة الجبل.. ولو سقطت بدور فستسقط في هاويةٍ سحيقة..

كان فم بدور مكمماً بخرقة.. فلما شاهدت احمد يقترب، حتى أخذت تجاهد نفسها الى أن تحررت من الخرقة في سبيل أن تصرخ قائلة :
لا يا احمد لا تقترب… إنه فخ..

لكن احمد واصل التقدم وهو يقول :
لا استطيع سوى التقدم يا سلوى..
فبكت هي وقالت :
ارجوك قف عندك يا احمد وإلا تعرضتَ للهلاك بسببي..
رد عليها :
ارجوكِ افهميني أنتي يا سلوى.. فأنا لا يمكنني ترككِ بعد رؤياكِ على تلك الحالة.. واجبي يحتم عليّ إنقاذك..

نظرت بدور بفخرٍ الى احمد وهو يقول ذلك.. فشعرت وكأنها تخاطب نبيلاً يتمتع بشمائل الفرسان..
وصل احمد للشجرة، فلما كاد أن يتسلقها… وإذا بالغصن ينكسر فتسقط بدور نحو الهاوية…
لكن احمد سارع بالوثب والتمسك بطرف الحبل فبقي هو على الحافة، بينما تتأرجح بدور بشكلٍ خطير في الهاوية..

كان هو يناضل بمشقةٍ بالغة كي يسحب بدور إليه.. بينما كانت الفتاة تصرخ من الرعب وهي تطالع الهاوية.. فقال احمد :
بدور … انظري إلي.. انظري الى عيناي فقط..

نظرت بدور الى عينيه واستغرقت فيهما.. فشخص بصرها نحوه فقط..
آنذاك.. كفت عن الصراخ.. فتبدل حالها وما عادت تشعر بالخوف بعد الآن..

بقي احمد على تلك الحالة ممسكاً بالحبل ولا يستطيع رفع بدور أكثر من ذلك حتى خارت قواه وتصبب العرق من بدنه والاثنان ينظران الى بعضهما..
ثم دمعت عيناه وقال :
بدور … سامحيني فما عدت احتمل..
فابتسمت هي له وقد طفحت عيناها دموعاً ثم قالت :
لا بأس عليك يا احمد… وددت لو تعرفت إليك أكثر..

ثم اُفلت الحبل من بين يديّ الفتى ممزقاً راحتيه.. فكادت الفتاة أن تهوي وتتحطم لولا أن ظهر الغول فجأةً من خلف احمد وأمسك بالحبل… ثم وبجرةٍ واحدة رفع بدور الى بر الأمان..
أسرع احمد المذهول الى فك الحبال عن بدور ثم عانقها…..
أغلق الاثنان عينيهما وهما ممسكان ببعضهما يتنهدان ويجلسان على الارض..
بينما يقف الغول فوقهما وهو ينظر اليهما ولا يحرك ساكنا..
وأخيرا..
استدار الغول وابتعد عنهما..

وبعد أن حمدا الله على نجاتها، ابتعد عنها احمد وقال :
آسف يا بدور. .. فقد وعدتكِ أن لا ألمسكِ ثانية.. وها أنا أخلف بوعدي..
قالت هي مازحة :
لا تكن أحمقاً يا فتى.. فهذا لا يحتسب..
ثم نظرت الى يديه وقالت :
يا إلهي يداك.. ما أسوء حالهما..
عندها.. قامت بلف يديه بالخرق فشكرها على ذلك..
ثم نظرت هي جهة الغول وقالت :
لقد أنقذني الغول.. ربما أشفق على حالنا وسيطلق سراحنا..
قال هو :
وربما لم يشأ أن تضيع إحدى وجبات طعامه هدراً في الهاوية..
قالت :
أحمد.. أعتقد أنني بإمكاني مخاطبته وإقناعه بفكرة العدول عن قتلنا..
صاح احمد :
أجننتي؟؟ ماذا تقولين؟؟ تريدين أن تحاوري وحشاً بالمنطق؟؟!!!
قالت :
أنا جادةٌ الآن فيما أقول… لقد نظرتُ في عيني الغول، ولم أشاهد فيهما الوحش تماما… لقد كان هنالك شيئاً آخر في داخله… شيئٌ أقرب للإنسانية..
قال :
على الأقل، لا تخاطبيه حتى ينهي تناول النعجة الثالثة.. لأنه سيكون حينها شبعاناً وسيحجم عن أكلك..
.
.
وفي اليوم التالي وبعد أن أنهى الغول طعامه، اقتربت بدور منه بوجلٍ وتوسلت إليه أن يطلق سراحهما.. ووعدته أن تجلب له قطيعاً كبيراً من الماشية إن هو فعل ذلك..
لكن الغول فتح فمه وتمتم قائلا :
لقد فات الآوان ولا يمكن أن نغير شيئاً بعد الآن…
ثم أضاف بصوتٍ خفيض :
غداً لابد أن يموت أحدكما..
ذهلت بدور فصاحت :
ماذا؟؟ ماذا قلت؟؟ أعد عليّ ما قلته ارجوك؟؟
لكن الغول تركها وانصرف تاركاً إياها في حيرةٍ شديدة..
.
.في تلك الليلة..أحضر إليها أحمد بعض الطعام الذي جمعه من هنا وهناك.. فتناولا عشائهما معا..
ثم أراد الفتى الإنصراف للمراقبة من مكانه البعيد، فأمسكت هي بيده وقالت :
لا تبتعد عني كثيرا.. أجلس قريباً مني الليلة.. فوجودك معي يشعرني بالأمان..
فجلس هو في مكانه وقال :
إذا كان هذا قرارك فسأحترمه وأنفذه بسرور..
فابتسمت هي وقالت :
نعم.. هو قراري..
ثم أضافت :
احمد.. أرجوك اعزف لي بمزمارك حتى أنام..
فأطرق هو أرضاً وقال بتردد :
لقد… لقد ضاع مني المزمار.. أعتذر إليكِ بشدة..
قالت هي بحسرة :
يا للخسارة.. فلقد كانت أنغامه الساحرة تنقلني الى عالمٍ آخر..
فرد هو :
إذا كان الأمر كذلك، فأنا أعدكِ بأني سأبحث عنه غداً وسأطرب أذنيكِ بأعذب الألحان..
قالت :
لكن ماذا لو قرر الغول قتلنا في الغد..؟؟
فكما ترى، لم يعد لدينا نعجاتٌ لنطعمه إياها..

ألقى احمد ببصره نحو السماء المرصعة بالنجوم وقال :
لن أتركه يلمس شعرةً واحدة من رأسك وأنا موجود يابدور .. عليه أن يقتلني ويمر فوق جثتي اولا..
اضطربت هي فقالت :
لقد قال إن أحدنا سيموت غدا…ثم شرعت بالبكاء..

يتبع

من قفص حكايا العالم الاخر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق