مكتبة الأدب العربي و العالمي
الجزء الرابع و الاخير حكاية #الشاب_سرور
. رفعت الساحرة منجلها تبغي ارسال طعنة الموت فاغمض سرور عينيه … لكن في تلك اللحظة انقض حصان سرور على الساحرة وارتطم بها من الخلف وهو يصهل عاليا فسقطت الساحرة على وجهها فسارع سرور وحمل المنجل وارسل ضربة للساحرة فمزق جانبا من عنقها فصرخت الساحرة وامسكت عنقها تغطي الدم المندفع بغزارة وركضت هاربة خارج البيت …
وهنا تغير كل شيئ يراه سرور … اذ كانت العجوز قد سحرت عينيه برؤية كل ما حوله جميلا لتغريه بدخول المنزل الذي كان ليس سوى كوخا قبيحا تنبعث منه روائح كريهة للغاية …
خرج سرور خلف الساحرة فشاهد البستان وقد تحول الى مزبلة … واصل سرور سعيه اثر العجوز متتبعا أثر الدم حتى قاده الى ثقب في الصخر مغطى بالنبات فولج فيه حاملا المنجل فشاهد الساحرة تحاول ان تشرب من ينبوع ذو مياه رقراقة صافية … فسارع بامساكها من الخلف و جذبها بعنف فسقطت على ظهرها لكنها واصلت الهجوم باستماتة فاضطر سرور ان يضربها هذه المرة بالمنجل ضربة اقتلعت رأسها من فوق كتفيها …
اقترب سرور من الينبوع واغترف منه غرفة وشربها فاذا به يشفى حالا من جرح كتفه وكأنه لم يصب على الاطلاق ، سر سرور سرورا بالغا وملأ قنينة من ماء الينبوع وخرج من المغارة فشاهد حصانه ينتظره فمسح على عنقه وقال :
انا ممتن لك يا رفيقي فقد انقذت حياتي مع انك لم تقابلني الا اليوم فشكرا لك .
هب سرور عائدا الى المدينة وانطلق فورا الى قصر الاميرة فشاهد مناديا من قبل الوصي ينادي في الاسواق والشوارع ان من يتمكن من شفاء الاميرة فله ان يتزوجها …
كانت تلك اخر ابتكارات وصي الملك المدعو ( سمحون ) ليداري سوء عملته امام الحاشية والشعب حتى يظهر لهم وكأنه يفعل المستحيل من اجل اميرتهم الغالية ثريا ..
تقدم سرور من البلاط واعلن انه قادر بمشيئة الله على شفاء الاميرة فتم ابلاغ سمحون بذلك فدهش سمحون على سرعة استجابة الناس لكنه صاح :
هذا متوقع … سياتي كل من هب ودب ليجرب خلطاته المنزلية في فم الاميرة … يجب ان نعدل من صيغة النداء … ان من يفشل في علاج الاميرة ستقطع رأسه … نعم هذا جيد … هذا سيجعلهم يفكرون الف مرة قبل القدوم الى البلاط … اذهبوا واعلنوا ذلك الان .
ذهب الحرس ثم عادوا بعد قليل واخبروه ان الشخص الذي جاء قبل قليل مازال يريد علاج الاميرة حتى بعد ان سمع بالاعلان الجديد ..
سخر سمحون من سرور وسمح بادخاله الى غرفة الاميرة يتبعه السيافون وهم متهيئون للاقتصاص منه حال اخفاقه ..
لم يكن سرور خائفا على غير العادة بل كان واثقا ومتحمسا حيث عمد بلا تردد الى سكب عدة قطرات من قنينة الماء العجيب في فم الاميرة ، كانت يداه ترتجفان ليس من الخوف بل لانه لم يقترب من هكذا جمال اخاذ في حياته رغم وجه الاميرة الشاحب ..
مرت عدة لحظات كانت عصيبة على سرور لانه لم يحدث شيئ حتى الان فوضع السيافون قبضاتهم على مقابض سيوفهم وجردوها من اغمادها واتجهوا نحو سرور ….
– قفوا مكانكم ..
تطلع الجميع بدهشة الى مصدر الامر فشاهدوا الاميرة وقد فتحت عينيها ورفعت راسها فضج المكان بهتافات الفرح والاعجاب ، وركض بعض الاطباء المتواجدين نحو الاميرة لمعاينتها فاطبقوا جميعا على سلامتها التامة …
اما سمحون فقد كان وقع الخبر عليه كالصاعقة فتزلزلت اركانه لكنه عاد واستجمع رباطة جأشه وارسل في طلب سرور فتم اخراج سرور من جناح الاميرة قبل ان يتمكن من مقابلتها ..
اثنى سمحون على سرور واخذ يسأله عن وضعه المادي ونسبه فلما علم انه ابن مزارع معدم استشاط غضبا وقال :
لن اسمح لأبن مزارع ان يتزوج الاميرة … سنهبك مكافأة مالية وسترحل من هنا ..
خرج سرور من القصر مطأطأ الرأس يفكر فيما سيفعله حتى قال :
اذا كانت المادة هي مطلب سمحون فأنا اعرف اين اجدها
اتجه سرور من فوره جنوبا الى موقع الحقل الذي سمعه من ابن آوى وهناك سأل عن مالك تلك الحقول في المنطقة حتى اهتدى اليه وكان مرابيا سيئ السمعة فساومه سرور على بيع حقل شجرة الارز الميتة اليه فاخبره الرجل بانه حقل مهمل لا نفع فيه لكن سرور اصر على شرائه … وفي النهاية اقتناه سرور بعد ان دفع مال المكافئة ..
اول ما فعله سرور في حقله انه اتجه الى الشجرة المنشودة يحمل رفشا وشرع بالحفر قربها وحولها …
مضت عدة ساعات وهو على تلك الحال يحفر بلا كلل او ملل حتى بدأ اليأس يتغلغل الى قلبه فتذكر الاميرة ثريا وكيف انها توشك ان تصبح زوجته ، تلك الحسناء الباهرة الجمال … فشمر سرور عن ساعديه وواصل الحفر حتى فجأة … اصطدم الرفش بقطعة معدنية فتحسسها سرور فاذا هي حلقة حديدية متصلة ببوابة خشبية صغيرة فازاح سرور التراب عنها ثم ربط فيها حبلا وبمساعدة من حصانه تمكن من فتح البوابة …
نظر سرور الى داخلها فرأى درجات سلم تقود للاسفل فاشعل فانوسا وهبط السلم حتى وصل الى حجرة تتلألأ بالانوار فاذا هي مملوئة باكياس الذهب والاحجار الثمينة فنط سرور من شدة الفرح وانزاح عنه كل هم وترح ثم صاح بعلو الصوت :
جئتك يا ثرياااااااااا
في اليوم التالي كان موكب مهيب يتجه الى بلاط القصر فيه عدد من الخدم يحملون سلالا مختومة فوق رؤوسهم يتقدمهم سرور على حصانه وقد ارتدى انفس الثياب وطلب مقابلة سمحون فاذن له فلما شاهده سمحون لم يصدق عينيه وبطلت حجته ولم يبق لديه عذر في رد سرور بعد ان كشف سرور عن السلال فاذا هي مليئة بجواهر يخطف بريقها الابصار فدهش جميع الحاضرون من حاشية البلاط ثم نظروا الى سمحون ماذا سيصنع .. اطرق سمحون ارضا ثم قال :
لقد برهنت يافتى للتو انك ذو حسب رفيع … لكن يبقى لك ان تحضر مهر الاميرة
قال سرور :
هل هذه الجواهر لا تكفي ؟ سأحضر مثلها غدا يا مولاي
– هذه الجواهر دليل على حسبك وجاهك كما قلت لك .. اما مهر اميرتنا الغالية ثريا فشيئ مختلف ، انت على وشك ان تصبح ملك البلاد لذا يجب ان تبرهن على انك اهل لشغر ذلك المنصب
– وما هو مهر ابنة اخيك يا مولاي ؟
اخذ سمحون يفرك بلحيته وهو يفكر بمهر مستحيل ليزيح سرور نهائيا عن طريقه حتى اهتدى لفكرة ما جعلته يقول فرحا :
مهرها هو الفروة الذهبية
تعالت اصوات الدهشة بين الحضور وكثر بينهم اللغط حتى ان جمع من وزراء سمحون ومستشاريه تقدموا للتشاور مع سمحون قائلين :
الفروة الذهبية مجرد خرافة .. انها اسطورة يتداولها كبار السن وليست حقيقة
صاح سمحون :
وما ادراكم انتم ؟ على كل حال لقد اتخذت قراري ولا رجعة لي فيه
للمرة الثانية خرج سرور من القصر خالي الوفاض فأخذ يتذكر ما قالته الحيوانات في مربض الشيطان فتذكر قول النمر عن وجود بساط عجيب يقود راكبه الى اي مكان يسميه …
وهكذا شد سرور الرحال الى بحيرة بيكال وبعد رحلة استغرقت سبعة ايام بلغ سرور شجرة الدردار العملاقة وكانت في مكان قفر فقام باستئجار عددا من الحطابين ودفع لهم بسخاء فقاموا بقطع الشجرة وانصرفوا … وجد سرور جوفا في لب الشجرة فتحسس ما فيه فاذا به يمسك قطعة قماش فجذبها فاذا هي بساط عتيق ..
بسط سرور البساط ارضا وجلس فوقه ثم همس بتوتر :
مكان الفروة الذهبية
ما ان اتم سرور نطق الكلمات حتى ارتفع البساط ففغر سرور فاه من الدهشة وتشبث بالبساط الذي انطلق يسابق الريح نحو اعلى قمم جبال امم الببر حتى بلغها بدقائق ثم هبط البساط بسرور داخل كهف ثلجي …
نهض سرور والبرد يكاد يخلع اوصاله فشاهد الفروة الذهبية معلقة على جدار الكهف فشغله جمالها عن التفكير بالبرد ثم اخذها سرور وارتداها فشعر بدفئ لذيذ ..
كانت الفروة اساسا عبارة عن كبش ضخم ذو فراء من ذهب عثر عليه يرعى وحيدا في احدى الجزائر غير المأهولة فأمسك بذلك الكبش ونحر وسلخت فروته من قبل احدى الامم وعلى اثر ذلك نشبت حروب عديدة في الماضي السحيق حول عائدية الفروة … كل طرف يدعي ان الفروة تخصه لأنهم يعتقدون ان من يحوز الفروة فقد حاز لواء النصر والسيادة ، الى ان جاء الوقت الذي عمد فيه احد الملوك العظماء الى ساحر كبير ان يخفي الفروة تماما عن اعين البشر .
– قصر الاميرة ثريا
نطق سرور بتلك الكلمات فانطلق البساط من فوره لكنه ما ان خرج من الكهف حتى شاهد سرور وحشا هائلا عبارة عن نسر باربع ارجل يتجه نحوه زاعقا فصاح سرور فورا :
نحو قمة ذلك الجبل
واشار اليه فعكس البساط اتجاهه في اللحظة الاخيرة فتطلع سرور خلفه فرأى الوحش لا زال في اثره ثم لمح سرور اخدودا في الارض يمتد لاميال فطار ببساطه داخل الاخدود والنسر يلاحقه كذيله يكاد يطبق بمنقاره عليه فاخذ سرور يناور بين حافات ذلك الشق حتى اخذ الاخدود يتضيق شيئا فشيئا الى ان جائت اللحظة التي انحشر فيها الوحش بين جدران الاخدود الضيقة فاخذ ينتحب بصوت مثير للشفقة بينما واصل سرور طيرانه نحو قصر الاميرة …
دخل سرور القصر دخول الفاتحين وهو يرتدي الفروة الذهبية وسط اهازيج العامة والخاصة فتطلعت اليه الاميرة من شرفتها مبتهجة بعودته ..فجاءه سمحون مباركا اياه وهو يكاد يختنق من الداخل من شدة الغيظ واخذه جانبا وقال له :
اخبرني يا بني كيف نجحت في كل هذا ؟ اعمل معروفا وأجبني وسأبارك لك زواجك ..
– علمني ابي ان لا ارد احدا يطلب معروفا قط لذا سأجيبك يا مولاي الى ما طلبت
اخبر سرور سمحون الحقيقة بشأن مربض الشيطان وعن اجتماعاتهم بداية كل شهر وعن التحذير بضرورة الصمت والاختباء عن اعين الشياطين ..
فكان ان قام سمحون بنفسه بعد ان يأس من العرش بالذهاب الى مربض الشيطان وقام بكل ما قاله سرور بحذافيره فوصل قبل انتصاف الليل من بداية اول ليلة قمرية الى داخل الحفرة واختبأ بصمت …
وهنا حضرت الحيوانات الاربعة فعلا وكانت متوترة وتتصرف بانفعال حتى قال كثرائيل :
لقد تم استغفالنا … خلال اجتماعنا الاخير تنصت بشري ما الى حديثنا وقام بالوصول الى كل الكنوز التي ذكرناها .. لذا من الان فصاعدا سنفتش مربض الشيطان تفتيشا دقيقا قبل بدأ الاجتماع
هزت الحيوانات رؤوسها بالايجاب وانطلقت تبحث في كل اتجاه حتى تناهى الى سمع كثرائيل صوت طقطقة مفاصل فاقترب فشاهد سمحون يرتجف هلعا فزأر كثرائيل غاضبا بشدة حتى تحول من شكله الحيواني الى شكله الشيطاني فكان مخلوقا اسودا ذو عضلات فتاكه حالما شاهده سمحون حتى حاول الهرب منه لكن كثرائيل لكمه على ذقنه لكمة طحنت اضراسه واسقطته ارضا ثم اجتمعت عليه الحيوانات وقطعت اوصاله .
اما في المدينة فقد اقيمت الافراح بمناسبة زواج سرور من الاميرة ثريا وتسنمه عرش المملكة ..
وفي غرفة العريسين … تقدم سرور من ثريا حاملا الفروة الذهبية وقال :
ها هو مهرك
– انها جميلة
– انها لا شيئ امام روعة جمالك
ثم انشد يقول :
جائت سليمان يوم العيد قبرة
بفخذ جراد كان في فيها
فترنمت بفصيح القول واعتذرت
ان الهدية على مقدار مهديها
فاخذت ثريا الفروة وانشدت قائلة :
يا عين قد صار الدمع منك سجية
تبكين من فرح ومـن أحـزان
هجم السرور علي حتى انه
من فرط ما قد سرني ابكاني
فضحك سرور ثم عانق زوجته …
قصص حكايا. العالم الاخر