لامَهُ الكثيرون على تسرّعه بالقرار .. و رغبته العفوية الجامحة .. و التي لم تراعي تقليداً .. و لم ترعَوي تَخَوُّفاً .. و قد تأتي الأيام بعدها بعتاب الندم .. و لوعة الحسرة .. لكنهم ما عرفوا بعض ما قد دارَ في نفسه من تصور لما حصل ..
فلم يكن هنالك متسعٌ في نفسه لأي ظرفٍ .. يمنعها من التشَكُّل في قلبه .. فقد وُجِدَت هكذا .. مباشرة .. بلا مُسَوِّغات .. و بطريقة لا تحتمل تهمة الدخولِ و التسلّل بدون استئذان .. تشبه قفزة غزالةٍ ناعِمَةٍ .. تنتقلُ من بقعة إلى أخرى .. بطَفرَةٍ تتخطى جدرانَ الزمان و المكان .. خَطفَةٌ أشبه بالسحر .. ظهور مفاجيء .. و تواجد يملأ مكاناً محتاجاً .. و قلباً متعطشاً لهذا النوع من النساء .. مع أنه كان يظن نفسه مروياً أو غارقاً حد الثمالة ..
بصراحة .. هو عاجز عن التعبير هذه اللحظة .. و غير قادر على وصف ما حدث بالضبط .. لكن وجودها كان اكتشافاً جديداً لصورة لا يعرفها هو عن نفسه .. كان إدراكًا لخيالٍ بعيد عن كنه الإدراك .. كان كوقع البصر على انعكاس الذات في مرآة امرأة أطلت من آفاقٍ بعيد المنال .. كوحي طارقٍ من سماء الغيب العدمي ..
لا يدري هو حتى الساعة .. أن يجد سبباً لحالة وجودها السحريِّ هذا .. لكنه يستطيع أن يسرُدَ آثار وجودها بلا تردد و لا انقطاع و لا حتى بتلعثمٍ شفويٍّ من لسانٍ دبَّت فيه روحُ الكلمات ليُعلِنَ البوحَ بلا توقُّف ..
كل ما يستطيعُ فعلَهُ الآن .. هو احتضان هذا اليقين الثابت بدعم قناعةٍ مَفادُها أنَّها منغرسة في صميمِ الروح و في جدران القلب و تجاعيد الدماغ .. فمنذ ولادة نورها داخله .. ما تسرَّب الشك في تعلقه بها لحظةً خاطفة .. و لا منعَ نفسِهِ منذ ظَفِرَها .. لِتُقبِلَ متلهفةً بشغفٍ شديد .. مع تَمَكُّنِها من التهَرُّب أو التردد أو حتى التمويه .. فقد مالت إليها و رمت بكُلِّها عليها .. و تعلقت بيديها و ما مَنَّت له منها ..
فإذ بها و هي انعكاسه .. كانت قد أقبلت بكُلِّها إلى كُلِّه .. فكان الالتقاء بنقطة وسطيَّةٍ لا يَمَنُّ أحدهما على شبيهه بأنَّهُ كان أسرع أو أقرب أو أنقى أو أكثر حباً .. فامتزجت الأرواح .. و اشتبكت الأيادي .. و تشابهت الأفئدة .. و ثار بهما الشغف .. حتى أعلن ثورته القادمة .. و أفصح بمطالبه العادلة .. و تحرر لحظتها الكون من عبء كتم السر .. الذي أخفاه طويلاً .. و آن الأوان لكشفه .. و لو إليهما فقط .. فهُما سِرَّهُ المكنون .. و خطَّتَهُ المدروسةُ بإتقان .. عندما يتقرّرُ أن يكون لقاء التوائم الروحية الشتيتة .. عبر لحظَةٍ يظنُّها الظانّون أنها محض صدفة .. و لا يعلم غيرهما أنها ترتيبٌ دقيقٌ مُلفِت .. لا يحتاج إلا لنظرة عين .. أو همسة شفة .. لتترك المجال بعدها للأرواح .. ترسم الأمل .. و تحسم القرار ..
# بقلم
# رياض الصالح
