مكتبة الأدب العربي و العالمي

بنات_العطّار_الجزء_الثالث

في اليوم الموالي زارت العجوز البنات وحملت معها كثيرا من اللحم ولما أرتهم ما في القفة فرحن وقلن لها : لقد مللنا من أكل القديد فأبونا حرم علينا الخروج

عجنت البنات خبز الشعير وأشعلن فرن الفخار ووضعن أقراص العجين لتنضج أما العجوز فشوت لهم اللحم والشحم وأعدت مرقا بالفلفل الحار وإبتهجت ياسمينة وقالت

كأنّنا اليوم في عيد ومنذ ذهاب أبي نحسّ بالملل ولا نجد شيئا نفعله سوى ترتيب البيت والنظر من النافذة للشارع وللباعة المتجولين ينادون على بضائعكم.

في اليوم الموالي أحضرت لهن سلة مليئة بالسمك البحر وكلّ يوم تحضر لهن شيئا حتى تعودن عليها وأصبحت تقضي معهن كامل اليوم تقص عليهن أعجب الحكايات

وفي يوم من الأيام قالت لهن: لقد رزقت أربعة أولاد وكنت أشتهي دائما بنية وبعد أن مرت السنوات الطوال رزقني الله بنتا كالقمر وهي في مثل عمر أكبركن

ولقد تزوج الأولاد أما هي بقيت معي وكل مرة آتيكم فيها أتركها بمفردها وهي لطيفة وتحب اللعب مع بنات الجيران
قلن لها بفرح :المرة القادمة أطلبي منها أن تأتي معك فنحن أيضا نحب اللهو والمرح

قالت :سأفعل ذلك من أجلكن لما رجعت إلى القصر قالت للأمير : عليك أن تستعد للذهاب لدار الحاج صالح فأنت مدعوّ عندهم غدا. سأعد لك ثياب بنت على مقاسك وعليك أن تنتف لحيتك، وتتجمل مثل البنات

قال لها: لا أحد يلمس لحيتي
ردت: لا تغضب سنكتفي بشيء من الكحل على عينيك وبعض العطر وسأغطي وجهك وأقول لهن أن الطبيب أوصاك بعدم التعرض للهواء لأن صحتك ضعيفة

قال الأمير سيتفطنون لي لما أتكلم أجابته :أنظر بعينيك فقط سأقول لهم أنك بكماء هل إرتحت الآن على كل حال لن نبقى كثيرا ترى ياسمينة وتخرج لو عرفوك لصرخن وجمعوا علينا الجيران

في الصباح خرجت العجوز و الأمير كان تنكره متقنا إلى درجة كل من رآه يعتقد أنه إبنتها لما وصلا إلى دار صالح فتحت لهن البنات وقلن لها إبنتك جميلة العينين لكن نحن بمفردنا فلماذا تغطي وجهها ؟

قالت لهن :الهواء بارد اليوم وهي تمرض لأقل هبّة هواء سألنها لماذا لا تتكلم
أجابت للأسف أنها بكماء
قلن لها : إنه أمر محزن أن لا نتكلم معها فهي تبدو لطيفة جدا

ردت العجوز :إنها ذكية وتحسن ضرب العود فمن منكن يعرف الغناء ؟
صاحت ياسمينة :أنا لنا عود في الدار ودف سأحضرهما
قالت: البنت الكبرى سأحضر لكم طبق الشاي بالنعناع والبندق
إنتظروني قليلا فهذه الليلة ستكون طويلة:

أخذ الأمير العود وعدل أوتاره وعزف تقاسيم جميلة تمايلت لها البنات طرب ثمّ غنت ياسمينة على أنغام العود ونقرات الدّف : وكان الغناء من ايام الزمان مازالت بعض كلمات نتذكرها و تقول….

دون ميعاد أو انتظار أمام النّافذة دقوا علينا الباب وزارنا خير أصحاب نسينا وحدتنا وبعد الأهل والأحباب في دارنا أغراب
رفيقنا قمر و سحاب تحلق أرواحنا في السماء بعيدا مع الطير
فرادى وأسراب

صمت الجميع حتى القطة أوقفت أذنيها وقد أعجبها الغناء والعزف كان الأمير وياسمينة منسجمين كأنهما يعرفان بعضهما من زمن طويل كل كلمة تصاحبها ضربة عود تغرقها في الجمال كأن العود يغنّي مع البنت ويغازلها ويهمس إليها

لما إكتمل العزف جاءت البنات وقبّلن الأمير وهن يعتقدن أنها فتاة فلم يسمعن في حياتهن مثل هذا العزف أما ياسمينة فأشارت له بيدها ولم تقترب منه

دار الجميع حول صينية الشاي المنعنع وصاحت البنات :قصي علينا خرافة يا عمة فلقد حلى السهر : تنحنحت العجوز وقالت :كان يا مكان في قديم الزمان

ومضت تحكي وأحس الأمير بسعادة لم يشعر بها من قبل رغم كل ما عنده في القصر من جواري وفتيات كان يسترق النظر إلى ياسمينة دون أن يلاحظ أحد،

لكن لم تغب عنها نظراته فلقد كانت ذكية وفطنة جدا لما أتمت العجوز الحكاية وشربوا الشاي إستئذنا في الإنصراف
وفي الطريق قالت القهرمانة خديجة : لقد حققت لك كل ما ترغب فيه وأضعت لي وقتي الآن عليك أن تتعقل وتنتظر رجوج الحاج صاح

لكن الأمير قال لها: وهل من يرى ياسمينة ويسمع غنائها الرخيم العذب يبقى له عقل إسمعي غدا سنرجع معا هل فهمت ان لم اعود سوف أمرض هل هذا ماترغبين فيه؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق