كانت عودتي الرابعة الى البحرين في 14 ديسمبر 2006 حيث قام بواجب ترتيبات الاقامة والسكن في البحرين، مشكورا على جهوده ومشاعره الاخوية النبيلة، الاخ والصديق الوفي المرحوم، وليد عبد الرحمن الدكير ، وكذلك توجيه الشكر الجزيل لجميع الاخوة والأخوات الاعزاء الدين قاموا بواجباتهم تجاهي خلال هده الزيارة السريعة ، واذكر منهم بالخصوص الزملاء عبدالرحمن محمد النعيمي، وعلي قاسم ربيعة، ورضي الموسوي وعبدالنبي العكري، وعبدالله الدرازي وجميل خلف العلوي، وأحمد العجمي، وموسى الموسوي، ومحمد الصميخ، وسعيد العسبول، وعلي صالح، ومحمد عبد الجليل المرباطي، وعبدالجليل صالح النعيمي، وابراهيم شريف السيد، ومحمد الزيرة، وأحمد الذكير، والدكتور منصور الجمري، والدكتور عبدالهادي خلف، والمرحومة حصة الخميري، والمرحوم سيد مصطفى سيد حسين العلوي، والمرحوم أحمد سند، وابراهيم محسن العلوي، ومحمود عبدالصمد الشهابي، وعبدالباري عباس الشهابي، وعبد الغفار عبدالحسين عبدالله وفاطمة أحمد الجاسم، وبدرية علي، وحصة بودهيش، وفاطمة يتيم، وعدد آخر أيضا من الاخوة والاخوات الاعزاء والاصدقاء القدامى الدين لم ينسوا أبدا أصدقائهم، وقد خانتنا الذاكرة عن طرح أسمائهم ونلتمس منهم المسامحة، وقد إستغرقت الاقامة في البحرين أقل من ثلاثة أسابيع، وكان الهدف الابرز من هذه الزيارة، هو المشاهدة عن قرب لكل ما توصلت اليه الامور في البحرين، بعد مرور ست سنوات كاملة على الانفراج السياسي، بعد تحويل دولة المراقبة الامنية الى مملكة، وذلك من أجل أن أخرج بأنطباعات مباشرة وميدانية على مستوى مواقف واراء المواطنين على مختلف توجهاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية والسياسية والفكرية، من تداعيات هدا التحول والرؤية الواسعة والشاملة لمستقبل البلاد السياسي . وعلى الرغم من عدم تعرضي لاية مضايقات أو ملاحقات من قبل الاجهزة الامنية، الدي حدرني من تواجدها في الميدان لرصد كل واردة وشاردة من تحركات المواطنين ، بعض الاصدقاء العارفين ببواطن الامور، إلا انني على الدوام كنت واثقا من تحقيق مهمتي حتى لو تحرش بي احد افراد هده الاجهزة، فسأكون مستعدا لكل المخاطر من أجل تحقيق هذا الهدف . الكبت والاحباط والشعور بعدم الامان منذ الوهلة الاولى التي بدأت بها التحرك الميداني للقاء بالمواطنين، رأيت العبوس يرتسم على وجوه معظم الناس الدين التقيتهم وحاورتهم وطلبت منهم الرد على أسئلة طرحتها عليهم حول الاوضاع القائمة في البحرين في ذلك الوقت، وكانت لهجة الاستياء واضحة في النفوس من كل ما تمخضت عنه خطوات ( مشروع الاصلاح ) في البلاد، الدي بدأ العمل بتنفيده على الارض في العام 2001، ب ( إرادة أميرية متفردة ) ومن دون إستشارة المجتمع، ومن خلال حواراتي المطولة مع بعض المواطنين العاديين ورجال السياسة وبعض المثقفين، الذين قابلوني بناء على إتصالاتي معهم، تأكد بما لايدع مجالآ للشك بالنسبة لي على الاقل، بأن هناك إجماع واسع النطاق، على أن هناك أخطاء ومغالطات عديدة وكبيرة وفادحة قد لحقت ب ( المشروع ) وغيرت مسارات توجهاته الديمقراطية والدستورية، التي صوتت لها الغالبية الساحقة من شعب البحرين في ميثاق العمل الوطني، وأن المسؤل الاول والاخير عن إقتراف كل هده الاخطاء الفادحة – بحسب تصورات وأراء هؤلاء الناس – هو الحكم ومعه من كان يروج لاصلاح البيت من الداخل، مع علم الجميع بأن ركائز هذا ( المشروع ) لم تكن صلبة وغير واضحة وكما هو معروف فقد سارت بدايات هذا المشروع بعدة وعود وتطمينات أميرية، بنشر فيم الديمقراطية والحكم الدستوري من خلال الحرص على تفعيل المواد الحيوية المعطلة من دستور البحرين العقدي للعام 1973، وعودة الحياة النيابية العامة وحماية حقوق الانسان وتكافؤ الفرص بين جميع المواطنين من دون تمييز أو تفضيل، وعلى هدا الاساس، باركت جميع القوى الوطنية والاسلامية الفاعلة على الساحة قيام هذا ( المشروع ) وحثت المواطنين للتصويت له ودعمه وتأييده، ولكن المفارقة عندما حصل الحكم على صكوك المبايعة والتأييد، إنقلب على الوعود والتعهدات التي قطعها على نفسه وعلى المجتمع بحدوث التغيير الجوهري والحقيقي، وأعلن من جانبه عن الغاء الدستور التعاقدي للعام 1973، وإستبداله بدستور ( منحة أميرية ) مبنيا بكل تفاصيله الكاملة والشاملة على قامة السلطة والحكم . وهذا الانقلاب الخطير على الوعود والتعهدات الكثيرة، قد ولد بشكل واضح وصريح كبتا وإحباطا ومشاعرا بالخوف والقلق على مستقبل الاوضاع في البلاد، واضافة الى ذلك فقد شرع الحكم في مخطط سياسي واجتماعي خطير يرمي الى تمزيق وتفتيت وتماسك وحدة وتضامن المجتمع، وقد كشف عن جوهره تقرير المستشار السابق في وزارة الخارجية البحرينية صلاح البندر ( بحرين جيت ) حيث افشى التقرير بكل ما هو مستور من أسرار مخطط التفرد بالحكم ومشروع الطائفية الرهيب، والدي كاد أن يشعل فتنة طائفية كبيرة تحرق الاخضر واليابس في البلاد، لولا حكمة العقلاء من أبناء هدا الوطن الدين استطاعوا القضاء عليها في مهدها قبل أن تنفجر . وكان لايتوقع المواطنون الدين قابلتهم، اي مبادرة أمل تحول من دون تراجع الحكم، عن كل ما كان قد بدا به من تجاوزات خطيرة، ويقرون بأن الخطوات التجميلية التي يقوم بها الحكم بين الفينة والاخرى، إنما هي مجرد سراب وذرء الرماد في العيون من أجل تهدئة الشارع واخماد نار الفتنة وتقويض أية تحركات شعبية محتملة قد تقلق مضاجعه لقد كان ( المشروع ) الذي كان يفترض بأنه بمثابة جسر لتحويل الدولة القمعية الى مملكة، أصبح بقدرة قادر مشروع لتكريس سياسات الماضي القمعي التعسفي الذي مورس من قبل الحكم طوال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن مع تغييرات طفيفة لبعض الادوات القمعية التي كانت على امتداد عقود تشوه صورة الحكم في المحافل القارية والدولية، وعلى مستوى منظمات حقوق الانسان، وجعلها أكثر ملائمة مع الواقع الجديد الذي تعيشه البلاد، بعد أن اراد لها العرابين لهذا ( المشروع ) أن تساير التغيرات والتحولات الديمقراطية التي شملت العالم برمته، فبعد أقل من عامين على قيام ( المشروع ) كشرت المطبات السياسية والعوائق والتحديات عن أنيابها، فظهرت بشكل لالبس فيه مظاهر التفرد التام بصنع القرار السياسي، وتوزيع الهبات والعطايا والمكرمات لكسب الولاء وشراء الذمم، وتفشي الفساد والعطالة عن العمل وتبذير المال العام وعجز موازنة الدولة عن تسديد نفقات البناء والتنمية الاقتصادية والبشرية التي كانت مطروحة للعمل في سنوات لاحقة، ومحنة التجنيس السياسي وإتساع الفوارق الطبقية بين مختلف الفئات والشرائح الشعبية، وإختلالات واضحة للهياكل الاقتصادية والسياسية والامنية ، وخنق الحريات العامة والعبث بأوراق الانتخابات البرلمانية العامة، وتقليص وتحديد صلاحيات المجلس النيابي المنتخب ، وتهميش دور الجمعيات السياسية المعارضة، وتوسيع الاجراءات والمراسيم الاميرية ومن بعدها الملكية التي شكلت مهد الخطوات الاساسية المهمة ولتأزيم الاوضاع . ان المتأمل في التراجع الشديد ل ( المشروع ) وبخاصة خلال السنوات الخمس الاخيرة، لا يخالجه الشك بأن ماقيل عن قيام دولة القانون والمؤسسات في البحرين هو مجرد (كذبه كبرى) أراد من خلالها الحكم صرف الانظار عن أخطائه وممارساته القمعية وتفرده في صنع القرار السياسي . وقد أسهم الجدل الحالي في زيادة الشكوك بمصداقية ( المشروع ) الذي مازالت سقوفه تتراجع بشكل واضح على إيقاعات التفرد بصنع القرار وخنق الحريات وإتساع نسب البطالة وتصاعد موجات الغلاء الفاحش خاصة بالنسبة للطبقات المتوسطة والمعدمة، ويقابل ذلك زيادة النفقات الخاصة بمؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية، والتي تلتهم الجزء الاكبر منها وزارتي الدفاع والداخلية والحرس الملكي وعمال ومستخدمي قصور كبار أفراد العائلة المالكة والوزراء ، والخوف من تصعيد وتيرة الاجراءات والمراسيم الملكية التي تحاول بسط نفودها على ماتبقى من بصيص أمل للمواطنين الدين صوتوا لهدا ( المشروع ) على أساس الوعود والتطمينات للخروج بالبلاد من النفق المظلم الدي سادها طوال حقبة قانون أمن الدولة السيء الصيت ، فما اكثر الذين اكتشفوا بعد فترة قصيرة من إنطلاقة هدا المشروع الاخطاء الفادحة التي تسببت بالخوف والقلق على مستقبل البلاد في ظل التفرد المفرط من قبل السلطة والحكم بكافة قرارات الدولة والمجتمع، واقل منهم الدين تصدوا للمشروع من الاساس لانهم ادركوا حقيقة اللعبة وراحو يسدون النصح من أجل تدارك هذه الكارثة . لقد عجزت الاكثرية التي صوتت لصالح (مشروع الاصلاح) عن اكتشاف أصعب مواضع الخلل في هذا المشروع، لانها في حقيقة الامر خلطت بين ( سموم المشروع و عسل الوعود الرنانة التي اخفقت لها القلوب الضعيفة والمتوجسة ) ولذلك نجدهم اليوم يعيشون في أوضاع مربكة ومشوشة، فأما انهم يلقون باللائمة على غيرهم ويبررون لاخطائهم، أو انهم يدرفون دموع التماسيح على تساقط سقوف المشروع التي كانت في بداية ( العرس ) بمثابة حلم الوصول الى جنة الدولة الديمقراطية الدستورية، وبعد الكارثة المشهودة التي عطلت النصوص والبنود الحيوية في ميثاق العمل الوطني وإستبدال دستور البحرين التعاقدي بدستور السلطة والحكم، رايناهم يحملون أصحاب المشروع تبعات الازمة السياسية التي أخدت تعصف بكيان الدولة والمجتمع . وعلى الرغم مما قيل بأنه كان هناك جانبا مهما وصحيحا في ما قدمه هذا ( المشروع ) للوطن والمواطنين، إلا أن الصحيح هو أيضا، أن غالبية المواطنين في البحرين ممن التقيتهم في هده الزيارة القصيرة، صرحوا لنا بأنهم فقدوا معظم تسامحهم مع تصرفات السلطة والحكم الذي أسرف كل منهما في إرتكاب الخطايا والاخطاء القاتلة والفاحشة في حق الدولة والمجتمع، على الرغم من كل ما كانوا يواجهونه من إنتقادات وأعتراضات شديدة من قبل المواطنين، وكدلك الجمعيات السياسية والحقوقية المحلية وعلى المستوى العالمي ، فالمشروع، الدي ظل الحكم يتفاخر بأهميته السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة ويطالب الاخرين بالسير على خطاه، والذي طبلت له أبواقه في الداخل والخارج، لم يستطيع أن يقدم أية حلول جذرية لمختلف القضايا الوطنية الملحة الذي ناضل واستشهد من أجلها كواكب من شعب البحرين، ومن أهمها على الاطلاق المسألة الدستورية والصلاحيات التشريعية والتعددية الحزبية وحريات الرأي والتعبير والصحافة، الامر الدي عزز المخاوف من عودة حقبة قانون ومحاكم أمن الدولة المخيف والمرعب . ويبقى الانقلاب على نصوص وبنود ميثاق العمل الوطني ودستور البحرين العقدي للعام 1973 ، مصدر القلق البالغ لدى أوسع الفئات والشرائح ومختلف طوائف المجتمع في البحرين، التي أسكرتها الوعود الرنانة بقيام دولة القانون والمؤسسات البرلمانية الدستورية وإزدهار واحة الديمقراطية وحقوق الانسان، وكان هناك أجماع واسع النطاق على أن المسؤل الاول والاخير، عن تراجع سقوف ( المشروع ) وعن إنكساراته المتلاحقة، هو الحكم وجميع حراسه الاقدمون . فقد إستمر الوضع السياسي العام في البلاد منذ تحويل الدولة الى مملكه، على حاله من دون تغييرات جوهرية، وظل يعاني من إخفاقات واسعة وخطيرة للغاية، تسببت بها القرارات والاجراءات والمراسيم الملكية والمكرمات والعطايا الجزيلة لشراء الذمم ، وتعطيل التشريعات وتزوير الانتخابات العامة ومحاصرة الجمعيات السياسية ونشر مختلف مظاهر الفتنة الطائفية، وإحتكار أفراد البيت الحاكم لمعظم المناصب الوزارية والادارية السيادية والرمزية، واتساع رقعة تفشي الفساد والرشوة وفرض الضرائب المنهكة على الفقراء والمسحوقين، وعلى رغم ذلك كله لايزال الحكم يرفض المصارحة والتسليم، بأن الاوضاع في البلاد، تعيش حالة مأساوية وخطيرة، وأن ليس هناك أية حالات إستياء من غالبية الشعب، بل على العكس إن هناك تقدم مطرد في مسارات ( المشروع ) وأن الشعب يطرح ثقته الكاملة ب ( أفكار وتوجيهات القيادة السياسية الحكيمة ) ، وهدا الامر الدي لم نجد له أية أثار إيجابية في أراء المواطنين العاديين والسياسيين المعارضين والمثقفين والطلاب والعمال الدين التقيناهم خلال فترة هده الزيارة، فقد أشار البعض الى أن التظاهرات التي نسمع أو نجدها اليوم في مختلف مناطق البلاد، ولاسيما تلك المناطق المحرومة من أسباب الرقي والتطور، لابد أن ينظر اليها على إنها رفض للسياسات القائمة حاليا على مبدأ التمايز الطبقي والجغرافي، بين مختلف الفئات الشعبية المحرومة وتلك المتخمة بالرفاهية المبالغ فيها، وبين المناطق السكنية الراقية والمناطق المهملة والمهمشة الحلقة القادمة .. قوى المعارضة البحرينية وانتخابات العام 2006 هاني الريس 15 آذار / مارس 2023