*..سلام الله على الصابرين المحتسبين..
هٰذا الخريف الآتي من وراء الغيم..
يَكشفُ الأسرار.. يُلهِبُ الأفكار..
يُنشئُ الإعصار.. يَحرقُ الأشجار..
يُسقِطُ الأثمار.. يَنثُرُ الأزهار..
يَنزعُ أثوابَ الفرحِ الأبيض..
عن أغصانِ الأملِ الأخضر..
يَحِفُّ الأوراقَ ليملئَ الدَّربَ إصفِرارا..
يعيد رسم التأريخ بلون الذهبٍ الأصفر..
يميطُ اللثامَ ليكشفَ عن الأحلام..
لِيَسقُطَ مِنديل الحياءِ عن وجهِها الأزهر..
مُلهباً النارِ في بعضِ قاماتها الأطول..
لِتَنُوحَ حُزناً من جراحاتِ الأمسِِ الأثقل..
كلما إشتدَّ بها الأمرُ شَعثاً من تفرقها الأعزل..
تُنادي أسيرَ الدارِ القابعِ في الدَّركِ الأسفل..
تَئِنُّ وجداً عليهِ كما الفاقدُ للحُبِّ الأجمل..
لتجدَ النارَ تلوذُ ببعضٍ من خمائلها الأنْحَل..
صارِخَةً من روحٍ مشتَّتةٍ ألهبها نارُ المرجل..
تستجمع من شتاتِ الحياةِ يوماً أفضل..
تُلملمُ الجراحاتِ من عمقِ الآمال..
تبحثُ عن وصالٍ ذابَ في الحُبِّ المرسل..
*..كذٰلك العشق..!!!*
يرتوي غضاً من القلب.. ثم ما يلبث أن يستوي سُبُحاتٍ من الأحلامِ في طيفِ الأفِكَار..
والحقيقةُ تبقىٰ كشمسِ الربيعِ الأزهر..
او كبدرٍ سماءٍ في ليلٍ أنور..
لا تختلف حين تلوكها الأفواه الجائعة..
لكنها تتلون على ألسِنَةِ المترفينَ الساهرين..
بألوانِ الطَّيفِ جميعاً.. كذباً وبهتاناً مبينا..
ولأن الألمَ نورٌ يسطعُ من رَحِمِ الخطيئة..
لذا.. يبقى الأملُ مركبَ الحقيقةِ الظاعِنُ تيهاً في غياهبِ الزمنِ الآبق..
يُبحِرُ في ظلماتِ الشَّكِ.. لِيَحطَّ في مرافئِ الحق..
فلو عرفت أخي الكريم..
بأنك يوماً ما.. ستُنشرُ في كتاب الزمن..
أو أنك ستلُهب الرؤىٰ في بواكير العُمُر..
لَخطفتَ اللحظاتِ الجميلةِ وأنختها بعيداً عن دروبِ النسيان..
لِتَحظىٰ بها حينَ الوَهْنُ.. في غفوةٍ من المسير..
فيظلُ الحبُّ فينا ينتظركَ دونَ حسابٍ للسنين..
لكنهُ شيءٌ خفيٌّ عنا.. إستحقَّ بِخفائِهِ أن يكونَ جلياً في أعمارنا.. في ضعفنا.. في يقظتنا..
فعرفتُ من عينيك.. أنكَ البحرُ الذي أصارع..
والموجَ الَّٰذي أحملُ نفسي على كشفِ اسرارهِ وأُقارِع..
فلربما يكونُ بيني وبينكَ بُعْدَ المشرقين.. زماناً.. ومكاناً.. وحالاً..
*لكن بالتأكيد ليس قلباً..!!*
هذا ما أعرفه من نفسي تماماً..
رغم أني على يقينٍ أنكَ لا تعرفُ عني شيئا..!!
فلا يهم ذلك.. وأعني ما أقول..
فمتىٰ تحركَ القلبُ.. إستجابَ القدرُ..
وجاءتِ التلبيةُ من أسرّارِ الروح..
فإذا لم يكن ثمة تلاقٍ من قريب..
فهناك الكثير من النجوى تَضُجُّ بها وارداتِ الشعورِ.. وشارداتِ النظر..
فالأصدافِ المنثورةِ في قاعِ المحيط..
تنادي أفواجَ السائرينَ على شاطيءِ الأماني..
تَهمسُ في آذانهم..
أنَّ البَحرَ مَلْحٌ كالدمعِ المُنحدرِ من مآقيِ العاشقين..
أو كذراتِ العرقِ المتساقطِ من جباهِ الساجدين..
أو كالكلماتِ المكلومةِ في أفواهِ المعذبين..
نعم.. فكلها تَتَقاطرُ لتملئَ كأسَ الحياة..
لِتَقتَرِبَ من النِّهايات..
لكن.. دونَ أن تجفَ أبدا..
وكلها تَحفرُ أخاديدَ الألمِ في الروح..
لكن.. دونَ أن تَمْلَأُ الكأسَ أبدا..
بَيدَ أنها جميعاً.. تعودُ إلى البحرِ دونَ أن تَضِلَّ أبدا..
وها نحنُ إقتربنا من النهاية..
فهذهِ الأبديةُ تَدُقُ ساعتها في جنباتِ الكون..
كلما دقَّ الحُبُّ في قلبِ عاشق..
بعيداً خلفَ تِلالِ الوحدةِ والانتظار..
فيظنُ العاشقُ أنه فاعلٌ شيئاً ما..!!
لكنهُ في الحقيقةِ.. لا يَقْوى على شيء..!!!
العاشق المكلوم .. أبو طارق الحوَّاس