ثقافه وفكر حر

فتى وفتاة سكايب

 

خديعة نعيشها خلف أزرار الحاسوب..

كم من الوقت يلزم؟ لنفهم أننا نضيّع أثمن أوقات حياتنا مع أشخاصٍ يتسلون بنا من وراءِ المسافات بحجة التعارف الذي يتكرر بشكل مهووس على شبكات التواصل الاجتماعي في كل يوم.. كل ساعة.. كل دقيقة.

ويمضي الزمنُ عابثاً بحياتنا مهدماً لآمال وعنفوان الشباب المستلقي خلف الشاشات، يوشك أن ينام نومة لا يقوم منها، فمن منا لم يمر بهذه التجربة عشرات المرات ولا يزال يعيدها الكرة وراء الكرة غير متعلمٍ من أخطائه وسلوكه، وبنفس الأسلوب وبنفس الصدق أو الكذب وبنفس الهدف (الحب).

الحب الذي ينشأ بين الطرفين سواء على سكايب أو فيسبوك، الفايبر أو الواتس آب، والذي يكرس كل فتى وفتاة نصف وقته وطاقاته لتسلم الجائزة وهي اللقاء، وقد تمضي ستة أو سبعة أشهر قبل أن يكتشف أحدهما كذب الآخر، أي تمضي حياته كل سنة بتجربة أو ثلاثة، وتمضي عشرون سنة بعشرين تجربة وانهيارات نفسية وعصبية لتنهي سن اليأس عندهما بصورة مشوهة عن الحب بين الرجل والمرأة.

وكأن سكايب إله يُحقق كل الرغبات العقلية والجسدية، نتعلق به بعبودية مطلقة وهوس نفسي، غير قادرين على الانفصال عنه والرغبة العارمة للوصول إلى تحقيق أهداف منشودة خفية، كأن نضرب هذه الطينة على الحائط، فإما أن تلتصق أو تقع.

منهجية عوراء.. تسلطت هذه التكنولوجيا علينا، وبدل أن تكون مُسَخَّرة لنا، تُسَخر وقتنا وروحنا وعقولنا وأيدينا ومشاعرنا معها، والأكثرية منا وقعوا في هذا الفخ العميق.

فهل هو استعباد للبشرية يخاطب العقل الباطن مباشرة أم أننا مرضى لحد الهيستريا الجماعية؟

لم تعد حياتنا هادئة، يُشاع فيها الكذب كل دقيقة عبر هذه الشبكات، نسمعه ونتلقاه بكل رحابة صدر.. إلى أين نحن ماضون؟ إلى أي خراب اجتماعي وتسلط؟ هل نستطيع أن نجلس ساعة دون أن ننظر في هواتفنا؟ رسائل.. صور.. كيف استطاعت أن تسيطر على عقولنا ومنهجيتنا في الحياة هذه السخافات الاجتماعية الخارجة عن الهدف السامي لها والهدف الحقيقي لبناء الإنسان الذي كان يجب أن نكون في إطاره.

أصبحنا خدماً لها والجيل الجديد سينشر فساداً في الأرض، قاموا بتهيئته جيداً بمخاطبة عقلهم الباطن من خلال التلاعب بهم بسموم التلفاز والإنترنت.

إن لم يدخل الوعي في مجتمعاتنا ومدارسنا وتربية أطفالنا بالهدف من استعمال شبكات التواصل الاجتماعي والسيطرة عليها، فإننا سننشئ جيلاً يحمل من الأوهام ما يكفي لجيل آخر وهكذا..
سنتصور بعد جيلين كيف سيكون أطفالنا..

ولا نلغي أن على الطرف الآخر يقف جيل تصدى لهذه الأوهام بوعي اجتماعي أو منهجي وفكري في بيئته سينجو من هذه الترهات وستكون مفارقة بين الجيلين خطيرة جداً.

أحيانا نحسد الفقراء لعدم امتلاكهم تلك التكنولوجيا المتطورة المكلفة الثمن من كل النواحي أوالوقت لها بسبب البحث عن لقمة العيش، فقد ينشأون النشأة البيئية الصحيحة.

لا يمكن لأحد إنقاذ العالم، كلٌّ سينقذ نفسه ربما أو سيمشي نحو انهيار، ولا يمكننا أن نتكهن متى تكون الصحوة للبشرية، مَن الخادم ومَنِ المستخدم؟ سيكلفنا الكثير لنصل إلى جيل نظيف ذهنياً من قواعد الحب المشوهة على السكايب والتسكع على أرصفة ومحال شبكات التواصل الاجتماعي المهترئة.

أيتها الفتاة اخرجي من السكايب.. لا تتعلقي بالأوهام ولا تخادعي أو تنخدعي،
كذلك أنت أيها الفتى معرض لهذه الأوهام أو الخديعة.

لم نكن بحاجة إلى أي ثورات وحروب، سوى ثورة مجتمع لبناء بنية تحتية له فوق الكذب يدهس فيها كل منهجية دخلت بيوتنا دون استئذان وبفردية لدرجة أصبحنا نواكب الاختلاف في صالون واحد تجتمع فيه الأسرة، والاختلاف ليس ظاهرة صحية في الأسرة خصوصاً، قد يكون في العمل جيداً، ولكن في الأسرة يدعوها للتفكك حتماً، ومع الوقت القضاء على كل مفاهيمها الراقية التي تبدأ منها انهيار المجتمعات ومن ثم الأوطان.

المصدر: (هافنغتون بوست)

 

مقالات ذات صلة

إغلاق