مقالات
وداعا شيرين ابو عاقلة .. الاعلامي خليل حمد
عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني / الساحات الاوروبية .
Hamsaat . Co / همسة نت
كلّ قطرة دم سقت اشجار الوطن فارتفعت شامخة…. وكل روح شهيد كسرت قيود الطغاة …. وكل دموع يتيم غسلت جسد أبيه المعطر بالدماء….وكل أم ما زالت على الباب تنتظر اللقاء .
………….
لن تعود شيرين إلى البيت مثل المعتاد، عادت هذه المرة مع جماهير تحملها على الاكتاف كما حملت هي مهمتها في نقل الخبر، وعادت أيضاً بعلم فلسطين ممد فوق جسدها الطاهر وعليه “درع الرصاص الواقي” الذي لم يحميها وهي حية ولكنه سيبقى هو الآخر شاهد على الجريمة وسيبقى يعيش مع خبر استشهادها، عادت مع الدموع وكل الذكريات التي حدثت معها، عادت شيرين هذه المرة أيضاً كخبر يقول:” استشهاد الصحافية شيرين أبو عاقلة .
سنتوقف كثيرا أمام صوت شيرين أبو عاقلة، ذلك الصوت الذى استطاع على مدار أكثر من عشرين عاما أن ينقل الصورة من الأراضى الفلسطينية المحتلة؛ ليضعنا فى بؤرة الأحداث، يجعلنا نشعر بأننا جزء مما يدور هناك، بانفعالاته ونبراته ووقعه على اسماعنا ، لتأخذ قلوبنا إلى حيث تريد وتتجول بأبصارنا بين القدس والضفة وغزة وجنين وبيت لحم.
صوتها الناعم تارة والحاد تارة أخرى، لم يكن يمر على مسامعنا مرور الكرام، نتوقف أمامه كثيرا نسمع منه ونسمع عنه، لتخترق به جوارحنا وتشد به عيوننا، لنتعاطف معها ومع من تتحدث عنهم، فظلت على مدار سنوات وسنوات تنقل لنا ما يحدث إما بصوتها أو بعدسات الكاميرات، لتفضح للعالم وحشية الاحتلال وممارساته بحق شعبنا الفلسطينى.
شيرين أبو عاقلة خلال عملها استطاعت أن تضع القضية الفلسطينية على أجندة المواطن العربى بل والعالمى بشكل يومى، فأصبحت أحداثهم ومقاومتهم للاحتلال الصهيونى، جزء من حياتنا سواء كنا مهتمين بما يجرى أو لا، نتابع عن كثب ما تقوله وما تنقله لنا، نتفاعل معها، نفرح لفرحها ونحزن بما ألم بها وبهم.
كان لصوتها مفعول السحر على وجدان المشاهد العربى، الذى أبعدته تفاصيل الحياة اليومية عن متابعة ما يجرى فى الأراضى المحتلة، لتجذب انتباهه نحو تلك الشاشة الصغيرة التى يخرج منها صوت، كصوت الأسود حين تزأر، والرياح حين تشتد، ترتجف القلوب وتشعر بأن حدثا جللا وقع أو سيقع.
اليوم فقط توقف الجسد عن الحركة، لكن الصوت سيظل يصدح فى الأرجاء؛ ليردد: “ليس سهلا ربما أن أغير الواقع، لكننى على الأقل، كنت قادرة على إيصال ذلك الصوت إلى العالم، أنا شيرين أبو عاقلة”.
تقف الكلمات اليوم عاجزة، في وداعك يا شيرين ابو عاقلة والسطور خجولة، ومداد القلم لم يجد من الذاكرة الحائرة غير أحرفٍ فقيرة مبعثرة .. ذلك الذي كان يجود بأروعها وأطيبها .. ماباله اليوم وقد خانه التعبير .. ربما لأن المناسبة أعظم وأضخم مما سطر من قبل وأعلى وأغلى مما كتبته أيدينا .. ولما لا .. فلا أحد يجرؤ أن يخُط بيمينه ولا يُحرك به لسانه غير مايليق بأن نهديه إلى شهداء الوطن .
كنت تدركين أنّك قد تكونين الضحيّة التاليّة لعدوٍ متعطش للقتل والدماء، رغم هذا الوعي العميق تمسكّت برسالتك وواصلت تغطيتك بمهنيّة وأمانة عاليّة، دون اكتراثٍ للثمن العظيم الذي قد تدفعينه نظير هذا الثبات على الموقف.
رسالتك يا شيرين ، هي البقاء على عهد فلسطين وعلى عهد القضية، وعدم التراجع عن تقدّم الصفوف من أجل كشف جرائم الاحتلال وزيف ادّعاءاته، لقد كنت في كل مكان في فلسطين تؤدين عملك بمهنية ونزاهة وموضوعية، وتنقلين الأخبار كما هي على أرض الواقع.
استشهدت شيرين، لكنّ صوتها اليوم أعلى من أي وقتٍ مضى، صوتاً جباراً شامخاً ، يحلّق فوق قبّة الصخرة، وفوق قمم الجليل والكرمل، صوت الحقيقة صوت المقهورين والمعذبين صوت شعبٍ ما هان ولا لان يوماً ، رعدٌ يهز عرشاً هشاً بُني على باطل……. وداعاً شيرين
لا… وداعا بل لقاء لقاء ……فدم الشهداء ينبت في ربانا قناديلًا يضئ بها النضال.
مصاب اليم يا شرين … فدم الشهداء مداد أقلام المبدعين، تستشهدون لتزهر الأجيال فينا ويضحك في مرابعنا الجمال.
نعاهدك يا شيرين بأنّنا لن نتراجع عن رسالتنا، وكل هذه المحاولات لكتم الصوت وطمس الرواية الفلسطينية لن تتحقق ابدًا.