مقالات
تحول نموذجي من حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة
البروفيسور مانويل حساسيان سفير فلسطين لدى مملكة الدنمارك
إخلاء مسؤولية: أن الآراء الواردة في هذا المنشور هي آراء المؤلف ولايُزعم أنها تعكس السياسة الرسمية أو موقف منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية. التسميات المستخدمة فيهذا المقال وطريقة عرض المواد فيه لا تعني التعبير عن أي رأي من جانبمنظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية.
خطاب حل الدولتين
في الآونة الأخيرة، بدا الخطاب السياسي الاوحد لحل الدولتين يتلاشى بسبب الحقائق والتطورات الاخيرة الناتجة عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي الممنهجة والمفتعلة على الأرض ضد الفلسطينيين، وذلك من خلال سياسات ضم الاراضي والتوسع في بناء المستوطنات على الاراضي الفلسطينية المحتلة، لقد مر 25 عامًا على توقيع اتفاقية أوسلو للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين برعاية الولايات المتحدة الامريكية، التي بدورها فرضت حل الدولتين على الطرفين بأعتباره الحل الوحيد والمتوافق عليه لحل النزاع القائم منذ عقود، ألا أن التطورات السياسية والمتغيرات التي فرضت على ألارض خلال تعاقب الحكومات الاسرائيلية منذ توقبع أتفاقية السلام (أوسلو) أدت لفرض تغيرات على منظور حل الصراع، وضرورة ايجاد حلول سياسية بديلة تنسجم والتغيرات السياسية والديمغرافية القائمة على أرض الواقع، وبذلك فأن عملية حل النزاع تحتم على المطبخ السياسي الفاعل أيجاد حلول جديدة واقعية ومعقولة تتناسب والتطورات السياسية والاقليمية الحاصلة، لذا فإن ظهورشريحة لا بأس بها من المطالبين الذين ينادوا بحل الدولة الواحدة أصبح يظهر بشكل جلي وبقوة كحل جديد ومعقول لفئة كبيرة تتابع حل النزاع، فأننا في هذا المقال التحليلي سوف نستكشف ونفند إخفاقات حل الدولتين، والاسباب وراء ظهور خيار حل الدولة الواحدة ضمن تحليل سياقي لإيجابيات وسلبيات الحل الأول والحل الأخير.
من الجلي والواضح أن إسرائيل من يجب عليها أن تتحمل وطأة فرض هذا الوضع المأساوي على الفلسطينيين بسياساتها المستمرة في مصادرة أراضيهم و محاولة إخضاعهم، أضافةً لأنتهاكاتها المستمرة لحقوق ألانسان بشكل صارخ من خلال ممارساتها الممنهجة والمستمرة على الأراضي المحتلة، حيث أن هذه الظروف والوقائع القاسية بشكل كبيرالتي يعاني منها الفلسطينيين تشكل خطورة على إعادة صياغة ملامح الدولة الفلسطينية المزعومة على حدود العام 1967.
أن أسرائيل لا تدخر جهداً في أستغلال الخلافات والانقسامات الحاصلة بين حركتي حماس وفتح، بهدف خلق وقائع جديدة على الأرض إلى جانب أستغلالها الاختلالات الأمنية الإقليمية الحاصلة في المنطقة والدعم اللامحدود من قبل الولايات المتحدة إلى جانب مواقف الاتحاد الاوروبي الضعيفة بسبب أنشغالها بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وتعاظم الانقسامات الداخلية حول قضايا اللاجئين ومعاداة السامية، مما خلق فرص مواتية لرئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ليستخدمها بشكل سافر في تبريره الاستيلاء على الأراضي وبناء مستوطنات جديدة على الاراضي المحتلة، وبالتالي فإن حل الدولتين يواجه تحديًا خطيرًا، خصوصاً وإن أعداد المستوطنين بتزايد والبالغ 700.000 مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يعتبر ذلك حجر عثرة رئيسي أمام قيام دولة فلسطينية متصلة جغرافياً كما يطمح به الفلسطينيين.
ولذلك أوكد أفتراضي أن هذه المعطيات الواضحة بين كلا الجانبين يستحيل ويصعب تحقيقها، بغض النظر عن كل الجهود الدبلوماسية التي بُذلت خلال العقدين الماضيين، فأن أسرائيل لم تقم أو تحاول أبدًا القيام بعمل تغيير فعلي على أرض الواقع بالتحول من الوضع الراهن المتمثل في الاستمرار بسياسة الاحتلال المرفوض دولياً، حيث أن معسكرا السلام من كلا الجانبين فقدا تأثيرهما وأصبحا غير فاعلين ونتج عن ذلك توقف محادثات السلام بين الطرفين ووصول عملية السلام الى طريق مسدود بغياب رؤية واضحة ووسيط نزيه لعملية السلام، وبذلك فأن النموذج التاريخي لحل القضايا المستعصية أصبحت موضع شك خطير في الوقت الراهن، بحيث أن انهيار عملية السلام تمهدالطريق لمقاربات جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا مثل:
أ. الحفاظ على الوضع الراهن.
ب. دولة واحدة ثنائية القومية.
ج. اتحاد كونفدرالي بين إسرائيل وفلسطين.
د. كونفدرالية بين فلسطين والأردن.
من السابق لأوانه أن تكون كل هذه الخيارات المختلفة خطاباً سياسياً كاملاً يبنى عليه وقائع على ألارض، ففي ظل ما تمر به الظروف الحالية من مأزق متجددة بين طرفي النزاع، فأن خيار حل الدولة الواحدةلم يعد يرضخ لارادة أي من الطرفين، لذلكفأن حل الدولتين كحل منفرد يبقى على رأس أجندة وجدول أعمال كل منهما، ولكنالحفاظ على الوضع الحالي يشكل أولوية لأسرائيل لما يشكله غير ذلك تحدياً خطيراً على يهودية الدولة الإسرائيلية بصورتها الديمقراطية أمام المجتمع الدولي، ولذلك من الضروري تبيان ما أستندت عليه أتفاقية أوسلو التي قامت على مبدأ حل الدولتين وتبيان ما وصلت اليه من تطورات منذ توقيع ألاتفاقية بين الطرفين وتحديد معاييرها جيداً بناءً على ما يلي:
أ. الإطار الدولي: قرارات الأمم المتحدة 242 و 338، المتعلقة بأنسحاب أسرائيل إلى حدود 1967ا، وإنهاء مطالبتها والاعتراف المتبادل للحدود.
ب.الأراضي والحدود: حدود عام 1967، إعادةترسيمالحدودعلى أساس التواصل الجغرافي والاعتبارات الديمغرافية، وأخيراً تفكيك المستوطنات ألاشرعية المقامة على هذه الاراضي.
ج. اللاجئين: أيجاد تسوية عادلة للاجئين الفلسطينيين على أساس قرارات الأمم المتحدة والقانون الإنساني الدولي.
د. القدس: تنفيذ معايير كلينتون مع إمكانية تسهيل الوصول الكامل إلى الأماكن المقدسة منقبل جميع مصليين الديانات، وأستحداث نظام خاص للبلدة القديمة /هيئة منفصلة.
ج. الأمن: يقوم على أساس دولة فلسطينية منزوعة السلاح مع قوة دولية متعددة الأطراف تعمل كعازل منتشر في وادي الأردن يتفق عليه الطرفان.
ح. أعتراف متبادل متفق عليه بين الدولتين على السيادة والمشاركة العادلة للموارد المشتركة العابرة للحدود.
يجب معالجة هذه القضايا المستعصية بشكل كامل ضمن المرحلة النهائية منأجل حل دائملهذا الصراع الذي طال أمده مع الموافقة الكاملة على تبادل الأراضي بين الطرفين،حيث لا يزال هذا الحل يحظى بدعم المجتمع الدولي،علماً أن هنلك تحديات كبيرة لتحقيقها لوجود العديد من التعقيدات الإقليمية والانقسامات الداخلية، مما يجعل تحقيقها أكثر صعوبة، حيث أن هنلك خيبة أمل نتيجة فقدان الثقة بأمكانية حل الدولتين لإنهاء الصراع، لذلك، أنعدام الأمن والثقة يدفعالنظام السياسي اليميني المتطرف في إسرائيل والذي بدوره يعمل على الحفاظ على الوضع الراهن وأنهاء أتفاقية أوسلو.
هذه المعطيات الحالية الجدبدة الناشئة على الأرض تندرج تحت وصفها الكارثية على تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني بأقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، الذي دفعهم بحكم الأمر الواقع لبحث خيارات بديلة للنظر بها ضمن المعطيات السياسة الحالية، فمن الجلي أن حل الدولتين الى الان ما زال مقبولاً نسبيًا من قبل كلا الشعبين، رغم وجود دعم أقل اليوم مما كان عليه قبل عقد من الزمن، حيث تنامى الخوف المتبادل بين الطرفين أكثر من أي وقت مضى، والنظرة المعيارية لحل الدولتين تنهار يومًا بعد يوم، ومع ذلك نلاحظ أن القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني بشكل عام لم يعلنوا أنتهاء وموت حل الدولتين بغض النظر عن التغيرات الجيوسياسية على الأرض.
نقاش الدولة الواحدة.
في الآونة الأخيرة، مع تضائل خيار حل الدولتين، تعاظم ظهور دولة إسرائيلية تسيطر على الضفة الغربية والقدس الشرقية من خلال سياساتها الأمنية والاقتصادية ضد الفلسطينيين، وبالتالي تسعى أسرائيل من خلال هذه السياسة لتكرس مفهوم أحتلال غير مكلف دون أي أكتراث تحملها لمسؤلياتها كدولة أحتلال، مؤيدو حل الدولة الواحدة يؤمنون إيمانًا راسخًا بأن حل الدولة الواحدة الديمقراطية القائمة على أساس الحريات والحقوق المتساوية التي يتمتع شعبها بحقوق المواطنة المتساوية بشكل كامل وبغض النظر عن العرق والدين، هي الأكثر منطقية لحل النزاع خصوصاً مع وجود العديد من القوميات وألاقليات الاثنية والدينية، ألا أن المخاوف من هذا الحل تقع على عاتق مفهوم أنهاء الدولة اليهودية.
النموذج الثاني : هو دولة واحدة تعترف بالحقوق الفردية والجماعية من خلال نهج متعدد الثقافات، يشترك به كلا المجتمعين على نفس الأرض، ولكنهما يظلان منفصلين على الصعيد الوطني، لتوضيح نموذج الدولة الواحدة أكثر:
فمن الواضح للجميع بأن الواقع السياسي على الأرض هو يتجه بأتجاه الدولة الواحدة بحكم الأمر الواقع الذي فرضته أسرائيل والقائم على سياسة استيطانية استعمارية تتجسد في نظام فصل عنصري، وبذلك على أسرائيل أن تيذل الكثير من الجهود لتبني هذا النموذج، فيترتب على اسرائيل تضييق وردم هوة اللامساواة بين الشعبين والعمل على ضمان الحقوق المتساوية لجميع مواطنيها ضمن دولة ديمقراطية، فقد أصبح هذا التوجه أكثر قبولا بين العديد من فئات المجتمع الفلسطيني من الشباب والمثقفين والأكاديميين سواء في الضفة الغربية أوغزة، كما أصبح اكثر تفضيلاً بين الفلسطيينون في الشتات على حد سواء، حيث انبثق هذا التوجه بسبب تعاظم الإحباط العام بسبب جمود عملية السلام وازدياد أعباء الاحتلال وظهور أستحالة وجود حل بالافق المنظور لأنهاءه وقيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. بغض النظر عن الحماس في ما يخص نموذج الدولة الواحدة، فإنها لا تزال تفتقر إلى تأسيس قوة دفع ضمن السياسة الحالية لكلا الطرفين. فمما لا شك فيه أن مستقبل سياسات الفصل العنصري الاسرائيلية الحالية ستعمل كحافز رئيسي للشباب للتحول في تبني نموذج الدولة الواحدة الديمقراطية لكلا الشعبين.
إيجابيات وسلبيات الحلول البديلة:
(أ) استمرار الوضع الراهن
بالنسبة لمناصري استمرارية الوضع الراهن فأن التوصل إلى حل سياسي مع الفلسطينيين لم يعد يمثل أولوية كما كان في السابق، وذلك بحسب ما تعتقد به معظم التيارات السياسية الحالية في أسرائيل،وبالتالي فإن الوضع الراهن يعتبر مُرض لهم وهم غير مستعدون للمخاطرة التي ينطوي عليها الدفع بعملية السلام، خصوصاً بغياب الطرف الثالث كوسيط محايد لضمان وحماية عملية السلام من خلال المفاوضات بين الطرفين.ولكن في حالة أستمرار أسرائيل بالسيطرة على الضفة الغربية وقطاع غزة، سيترتب عليها مقايضات تعتبر حساسة لمصالحها ومكلفة للغاية بأعتبارها دولة أحتلال، فإن استمرار الاحتلال يؤثر ويحد من الفرص الاستراتيجية والاقتصادية ضمن الجهات الاقليمية والدولية الفاعلة مما سيخلق بيئة وظروف مواتية لنشوء الصراعات التي ستطيل سيناريو محصل مقولة ( مرابحك هي خسائري )، والذي يأجج من حدة المواجهة والعنف بشكل أكبر، لذلك يجب أن يكون هناك إعادة للحسابات الاستراتيجية الواقعية، في كيفية تجنب التصعيد الذي يفاقم الارباك والفوضى في المنطقة، وأن هذا المنطق يفسح المجال أكثر للبحث العميق عن الحقيقة و أبرام المصالحة ووضع حد لمعاناة الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال.
بشكل عام، يعتبر استمرار الوضع الراهن كارثي على ألامن والاستقرار، ليس فقط على الفلسطينين والإسرائيلين وحدهم، بل على منطقة الشرق الأوسط ككل.
(ب) حل الدولتين
أن حل الدولتين يعتبر أكثر الحلول العملية القابلة للتطبيق، حيث أنه يعد الحل الاكثر عدلاً لكلا الجانبين وأن هذا الحل لم يتم التخلي عنه بالكامل حتى الآن، ولكن ما يزال هناك الكثير للقيام به من أجل أعادة بناء الثقة وأظهار حسن النوايا لتقبل أسرائيل تقاسم السيادة ضمن دولتين تعيشان جنباً الى جنب.
علماً أن 43٪ فقط من الفلسطينيين قبل بحل الدولتين منذ أتفاقية أوسلو للسلام، بالإضافة الى اقتناعهم التام إلى حقيقة أن السياسة الأمريكية غير حيادية ولن تكون كذالك، وتفضل وتدعم بشدة سياسات إسرائيل، وهذا الامر لا يطمأن ألاغلبية بين الفلسطينيين بالوثوق بحيادية الولايات المتحدة الامريكية كوسيط نزيه لحل هذا الصراع وثبت ذلك على مدار ال25 عام.
ومن ناحية أخرى أن الدفع من أجل حل الدولتين أصبح مطلب وأولوية لارساء ألامن والاستقرار ليس للاسرائيليين والفلسطينيين فحسب أنما للمنطقة بشكل عام، حيث سيترتب على التعاون والتدابير الامنية الخاصة، زيادة فرص الحد من الاعمال الارهابية وأرهاب الدولة والتصدي لها.
في ما يخص الجانب الفلسطيني، أدت سياسات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ أتفاقية أوسلو للسلام ألى تزايد كبير بعدد المستوطنات المقامة على ألاراضي الفلسطينية المحتلة، مما ترتب عليه تراجع سيطرة السلطة الفلسطينية على تلك المناطق، مما نتج عنه حالة عدم رضا كبير بين الفلسطينيين، وبالتالي تضائل التأييد الشعبي للسلطة الفلسطينية نتيجة لذلك.
على الرغم من أن اتجاهات الرأي العام المتفاوتة والتي لا ترتقي لاعتبارها تحظى بالدعم المطلق من كلا الجانبين، إلا أن هذا التفاوت ليس بالمؤثر الرئيسي المؤثر على كلا الطرفين، وألا سيتم أعتباره تجاهل لحقيقة الترابط والتداخل الكبير بين المجتمعين من حيث الاقتصاد والبنية التحتية الاساسية لسكان المستوطنات وحتى الفلسطينيين المقيمين داخل إسرائيل.
لا توجد في إسرائيل رؤية بديلة أكثر مثالية أو أكثر قابلية للتطبيق من حل الدولتين، على الرغم من تشاؤم شريحة كبيرة من الشعب من كلا الطرفين حيال ذلك، أذ تعتبر بعض الأطراف من كلا الجانبين، مثل حركة حماس والجماعات اليمينية الإسرائيلية، أن حل الدولتين يتعارض بشكل كبير مع أهدافهم الوطنية والايدولوجية والمصالح السياسية لهم ولاحزابهم، ويعتبروه حل غير عملي بالنسبة لهم حيث يتصور كل طرف من جانبه أن الطرف الآخر مهزوم تمامًا.
(ج) الكونفدرالية الإسرائيلية الفلسطينية
الاتحاد الكونفدرالي، هو نموذج لدولتين مستقلتين ذوات سيادة تربطهما روابط اقتصادية قوية على أن تكون الحدود الاقليمية لكلا الدولتين محددة وواضحة.
في الغالب يتم دعم المفهوم الأساسي لهذه الفكرة من قبل منظمات المجتمع المدني وتستند هذه الفكرة الى وجود حكومتين وحدود واضحة المعالم من “الخط الأخضر” لما قبل عام حدود العام 1967، حيث تتمتع كل دولة بهوية وطنية وحرية ممارستها لحقوقها الوطنية.
إن المفاهيم ألاساسية للكونفدرالية تعتبر بعيدة كل البعد عن مفهوم حل الدولتين، حيث أن الكونفدرالية تدفع كل دولة منهما لمشاركة مكونات معينة من سيادتها مع الدولة الاخرى ويكون ذلك بالاتفاق مابينها.
على سبيل المثال، سيتم تحديد الحدود بينهما لتسهيل الحركة وليس لتقييدها، ويتم منح كل مواطن من مواطني هذه الدول حقوق متساوية للتنقل والعمل أو الدراسة ضمن الحدود الكنفدرالية للدولتين، باستثناء أفراد محددين ممن يمثلوا خطرًا على الأمن وذلك من خلال التنسيق ألامني .
لذا ستصبح مدينة القدس بشقيها العاصمة المشتركة لكلا الدولتين باعتبارها نقطة خلاف جوهرية بين الطرفين، على أن تتولى أدارة دولية الإشراف على الأماكن المقدسة داخلها، بنفس المكانة المطروحة للمدينة ضمن مبدأ حل الدولتين سابقاً، للوصول لذلك لا بد من تفعيل أجراءات التنسيق والتعاون الامني بشكل كبير بين البلدين وهذا ما تم طرحه ضمن اتفاقيات أوسلو سابقاً.
داعم رئيسي آخر ومهم لنموذج الكونفدرالية بين الدولتين، هو منح المواطنين من كلا الدولتين الحق في الانفصال السلمي وألغاء الكونفدرالية، بالإضافة أنه يمنح فرصة العيش والاقامة الدائمة في الدولة الأخرى، وإن كانوا غير قادرين على المشاركة السياسية بالتصويت الا في أنتخابات بلدهم ألاصلي، وما هو جيد لأسرائيل أن هذه الشروط تنطبق على لاجئي 1948 العائدين إلى فلسطين التاريخية.
(د) حل الدولة الواحدة: إيجابيات وسلبيات
مع تفاقم الخلافات والتعقيدات لمبادء حل الدولتين خلال القرن المنصرم، أصبح لزاماَ ألاخذ بعين الاعتبار مبدء حل الدولة الواحدة كحل بديل قابل للتطبيق، خصوصاً بعدما أصبح من الصعب جداً أيجاد حلول متفق عليها بين الطرفين لحل تعقيدات حل الدولتين، علماً أن معظم ألاسرائيليين يعتبرون هذا الحل يهدد بزوال دولتهم اليهودية الحالية، وهو حل غير عادل وعنصري لتخوفهم من التهديد الديمغرافي المستقبلي حسب أعتقادهم، والذي سيكون ضدهم.
يعتبر اليمين داخل أسرائيل هذا الحل تهديدًا خطيراً للهوية والقومية اليهودية، خاصةَ ممن يؤمن بالدولة اليهودية الصهيونية، من جهة أخرى يرى الفلسطينيين مصلحة أستراتيجية كبيرة في المدى الطويل، لأنه يمنح الجميع دولة موحدة ينعم الجميع فيها بحقوق المواطنة بشكل متساوي، فضلاً عن حرية الحركة والوصول إلى الأراضي والموارد وممارسة العبادات بحرية، ألا أن هذا الحل يحظى بدعم ضئيل للغاية من قبل اليسار واليمين في أسرائيل.
أستند منتقدو حل الدولتين على صعوبة تجميد وتفكيك المستوطنات الإسرائيلية المقامة على ألاراضي الفلسطينية، مما يعتبروه تمكين لفرض الهيمنة من قبل دولة على الدولة الاخرى من حيث السيادة والحقوق والتطلعات الوطنية، كما أن المضي في سياسة شرعنة المستوطنات الإسرائيلية، سيؤدي لأضعاف النفوذ السياسي الذي يتمتع به الفلسطينيون.
على الرغم من احتمال أن يكون حل الدولتين حل غير مثالي لكلا الجانبين، ألا أن التقاسم الإسرائيلي الفلسطيني يبقى هو الطريق ألاكثر قبولاً للقيادة السياسية لكلا الجانبين التي تأخذ الرأي العام في الاعتبار، والتي لا يزال غالبيتها تؤمن بحل الدولتين. إن حلم الفلسطينيين بالعيش في دولتهم ذات السيادة بعد عقود من المقاومة وانعدام الجنسية، هو أمر مغرٍ للغاية بحيث يتعذر عليهم الدفاع عن حل الدولة الواحدة.
ألا أننا نجد بالنظر عن كثب في حل الدولة الواحدة، ما يمكن أن يعتبر بالامتيازات المهمة والجذابة لكلا الطرفين، تشمل هذه الامتيازات والفرص على سبيل المثال لا الحصر المزايا المالية الممنوحة من خلال العضوية الواحدة في المجتمع الدولي والسلطات التنظيمية والاتفاقيات التجارية والعلاقات الدبلوماسية والمشاركة في المنظمات الدولية بشكل موحد.
والجدير بالذكر ان نطرح مثال عن نموذج حل الدولة الواحدة، كالنموذج السوفيتي / اليوغسلافي سابقاً، لكن سرعان ما أختفى هذا النموذج بسرعة.
– ما المطلوب من المجتمع الدولي لإنقاذ حل الدولتين منذ أن تم تبني هذا الحل بعد أتفاقية أوسلو للسلام؟
رغم ألتزام المجتمع الدولي رسميًا بحل الدولتين، لا سيما في أعقاب اتفاقية أوسلو للسلام في العام 1993، ألا أن حل الدولتين تم وضعه على أجهزة دعم الحياة لأنعاشه، خصوصاً بعد أعتراف الرئيس الامريكي ترامب بالقدس عاصمة لأسرائيل وقيامه بعكس سنوات من السياسة ألامريكية ألى الوراء من خلال نقله السفارة الامريكية ألى القدس الشرقية، مما جعل التوصل لحل بين الطرفين من خلال عودة الطرفين الى طاولة المفاوضات أمراً غاية في الصعوبة في ظل ألادارة الامريكية برئاسة ترامب، وقلل من احتمالية التوصل إلى حل أمثل للقضية الفلسطينية من خلال التفاوض ضمن هذه المعطيات.
من الضروري قيام المجتمع الدولي بأدانة انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي ونشاطها الاستيطاني المستمر في الاراضي المحتلة، والضغط بأتجاه وقف هذه الممارسات الغير قانونية ومحاسبتها، والذي من شأنه أن ينسف أمكانية أقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياص وذات سيادة، وأعتبار هذه الانتهاكات تساهم في تقويض حل الدولتين، وذلك من أجل منح حل الدولتين فرصة جديدة للحياة، لذا من المهم والضروري أن تعترف دول أوروبا بفلسطين كدولة مستقلة على حدود العام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، والقيام بألزام أسرائيل باتفاقيات توضع من قبل ألأمم المتحدة بشأن أيقاف سياسة الاستيطان وهدم منازل الفلسطينيين، وألزام أسرائيل بقرارات الأمم المتحدة من خلال إنشاء مجموعة دولية مشتركة تعنى بالحفاظ على أستقرار ألامن والسلام في المنطقة.
من أجل تحقيق سلام حقيقي ودائم، يجب توحيد الجهود الجماعية وإعادة جمع أطراف صانعي السياسات من كلا الجانبين والعمل على أصلاح الاطار السياسي والاقتصادي بشكل مقبول لأتفاقية أوسلو للسلام، والعودة للتركيز على مبدء حل الدولتين، مثل بلورة الجهود الجماعية للخروج بنسخة محسنة من أتفاقية أوسلو للسلام قابلة للتنفيذ من كلا الطرفين، مما يدفع بحل الدولتين من جديد ليكون حل عادل وعملي للتطبيق من كلال الطرفين على أرض الواقع، وبذلك نصل لاعادة تأهيل وأنعاش حل الدولتين قبل فوات ألاوان، علاوة على ذلك يجب التخفيف من المواقف العدائية الاسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، وتوسيع نطاق السلام الاقتصادي، ووضع حد لمشروع الاستعمار الإسرائيلي، غير ذلك سيترتب عواقب وخيمة على إسرائيل وفلسطين وكذلك الولايات المتحدة.
ملاحظات ختامية
منذ التوقيع على اتفاقيات أوسلو، مرت عملية السلام بفترات من الجمود التام، لقد كان حل الدولتين الحل ألامثل والمقبول من حيث المبدأ لأطراف النزاع، وباركه المجتمع الدولي كاملاً، حيث أستند ولا يزال لأطار المرجع السياسي من قرارات مجلس الأمن رقم 242 لعام(1967) و 338 لعام(1973)، ألا أن التغيرات السياسية السريعة على ألارض خلقت ظروفًا موضوعية جديدة أدت إلى تفاقم القضايا التفاوضية المتنازع عليها بين كلا الطرفين.
فشلت ألولايات المتحدة فشل ذريع كوسيط في تضييق هوة المواقف بين أطراف النزاع، بل واتخذت مواقف واضحة في دعم إسرائيل المطلق بشكل لا لبس فيه، على حساب حقوق وتطلعات الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن الجهد المبذول والغير المجدي في تحقيق اتفاق سلام دائم، فإن سياسة الاستيلاء التي تنتهجها أسرائيل على الأراضي المحتلة من خلال حكومة يمينية تلبي احتياجات المستوطنين، جعلت التواصل الجغرافي لأراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية مستحيلة أن تصبح دولة قابلة للحياة متصلة جغرافياَ وأقتصادياً.
بعد خمسة وعشرين عامًا على عملية السلام الغير مجدية مع المتغييرات الدراماتيكية الحاصلة على الأرض، توقفت المفاوضات المباشرة تماماً منذ أنابوليس وأصبح هناك تباعد في وجهات النظر أو حتى أنشاء محادثات المباشرة بين الطرفين وطفى على السطح الاختلاف في المنهاج، وبالتالي أصبح الخطاب السياسي حول حل الدولتين أقل أهمية وفتح المجال لإعادة التفكير بايجاد بدائل لأنهاء الصراع.
مما أعطى المجال لان تصبح نماذج الدولة الواحدة، والدولة ثنائية القومية، والكنفدرالية مع الأردن، أو ألاتحاد مع أسرائيل أكثرعصرية وبرغماتية، حيث لا يوجد أمل في تطبيق حل الدولتين في ظل الظروف الحالية، بغض النظر أن كان ذلك ممكنًا أم لا، تتم مناقشة هذه النماذج على نطاق واسع في الصالونات السياسية والفكرية بين الأكاديميين والسياسيين والشباب، لا سيما بين الشتات الفلسطيني.
تم تفنيد هذه النماذج بشكل موجز دون الدخول بالتحليلات المعمقة، بهدف تسليط الضوء على ما يمكن أن تحمله هذه النماذج لكلا الطرفين وللمجتمع الدولي بشكل عام، ومع ذلك لا يمكننا أن ننكر أن المناقشات الجادة حول البدائل أصبحت مكشوفة ويتداولها الجميع بشكل عام، الأهم من ذلك أن نتسائل هل سيكون هناك أمل في المصالحة وهل حل الدولتين قابل للحياة مع أنتشار وتوسع المستوطنات السرطانية على ألاراضي الفلسطينية؟
جدير بالذكر بأن الانقسام الفلسطيني الداخلي يعتبر عاملاً إضافيًا يعيق العملية السياسية من خلال الدعم الشعبي والإجماع على قرارات القيادة الفلسطينية أمام المجتمع الدولي كقيادة موحدة للشعب الفلسطيني، ما نعيشه اليوم هو وضع يخدم ويلائم أسرائيل كقوة أحتلال بدون تكلفة ومحاسبة على الإطلاق.
أن القيام بعمل تغييرات جذرية، وتحريك المياه الراكدة هي مفتاح الحلول في الوقت الراهن، حتى ذلك الحين سيظل الفلسطينيون يعانون من الاحتلال البغيض الذي يحرمهم من هويتهم الوطنية وتطلعاتهم لقيام دولتهم المستقلة والمتصلة جغرافياً القابلة للحياة.
عن المؤلف: أ.د.مانويل حساسيان أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية ويشغل حاليًا منصب سفير فلسطين لدى مملكة الدنمارك، عمل سابقًا لمدة ثلاثة عشر عامًا كسفير لدى المملكة المتحدة من 2005-2018.
من المصدر