مكتبة الأدب العربي و العالمي

لا تخبروا والدتي / قصة جميلة

ذهبت نحو العنوان الذي سيكون مقر سكناها الجديد، كان منزلا ذو طابقين حيث كانت ستسكن الطابق الثاني في حين سيكون مالك المنزل بالطابق الأول، استلمت مفاتيح الشقة منه وهو يطالعها بشكل غريب كأنه يعرفها، أثار هذا الخوف في نفسها وشعرت ببعض الحرج الممزوج بالحياء ثم أدخلت أغراضها واستلقت على السرير من أجل الراحة فرحلتها الطويلة في القطار جعلتها ترغب في الراحة بشدة.
بعد لحظة سمعت طرقا خفيفا على الباب ظنت في الأول أنه صاحب الشقة يرغب في شيء ما لكن عندما فتحت الباب لم يكن أحد وقعت عيناها على ما بدى لها ظرفا استغربت للأمر فهي انتقلت للتو الى هذا العنوان لكن ساعي البريد أحضر ظرفا له وغادر، فكرت قليلا وقالت ربما الرسالة تخص أحدهم ممن سكن هذا العنوان قبلي سأستفسر عن هذا صاحب الشقة.
نزلت الطابق الأسفل طرقت الباب بهدوء وبعد لحظة فتح صاحب المنزل بابه ليجد القاطنة فوقه في الطابق العلوي امامه فطالعها بنفس النظرة المتفحصة ثم قال:
-عفوا هل كل شيء بخير ايوجد خطب في الشقة ؟
-لا لا الشقة جيدة, فقط اريد أن أسأل هل كانت الشقة مسكونة مؤخرا؟
– نعم سكنتها شابة في مثل عمرك تقريبا, المسكينة ماتت الشهر الماضي كانت وحيدة وغامضة ولم نعرف عنها شيئا
-اه حسنا شكرا اسفة لأنني أزعجتك في وقت القيلولة هذا أستأذن الان.
عادت بخطواتها لتصعد السلم الى غرفتها وهي لا تزال تحتفظ بمضروف الرسالة وهي تفكر
الا يعلم المرسل ما الذي حصل لهذه الشابة المسكينة ليستمر في ارسال الرسائل الى هذا العنوان ؟
تملكتها الرغبة في فتح الرسالة وهكذا كان, قبل هذا لاحظت أنها مختومة من السجن فتحتها ببطئ وتردد ثم بدأت تقرأ :
صغيرتي جوري امل انك بخير وتنعمين بالصحة والسلامة
أتمنى أنك ترتدين ما يكفي من الملابس للاتقاء من البرد في هذا الشتاء القارس أتمنى أيضا أن تكون دراستك في وضع جيد ولا زلت الأولى على دفعتك كما كنت دائما اقتربت من التخرج واقتربت أيضا من الخروج من هذا الجحيم هي بضعة أيام أخرى يا صغيرتي وسنكون معا أريدك أن تطمئني الان فأنا بخير ووعكتي الصحية الماضية رغم خطورتها الى انها مرت علي بسلام، طلبوا مني أن أنتبه لصحتي لكني أخبرهم أنني لن أموت فقد اقتربت من أن ألتقي بابنتي هي بضعة أيام فقط لا تنسي أنني أحبك وأنك من يدفعني للعيش وضوئي المنير في اخر هذا النفق المظلم الذي أنا فيه ابقي بخير الله معك
والدك
كانت دموعها تسيل وهي تكمل قراءة الرسالة، رق قلبها لهذا الأب المسكين كثيرا وهي تعلم أن ابنته ماتت مؤخرا ونور النفق انطفأ وهو لا يعرف، وعلى هذا، رأت أنها يجب أن تتصرف وذلك بأن تنتحل شخصية ابنته وهذا ما كان. أخذت حاسوبها وكتبت ردا على الرسالة لكي لا ينتبه لموضوع الخط أو شيء كهذا
أبي العزيز لقد استلمت رسالتك التي أنتظرها بشوق دائما أخبرك أني بأفضل حال دراستي على ما يرام وطبعا أرتدي ما يقيني البرد ويحفظني مع حبك دافئة أنا في شوق وحنين كبيرين لك أرجوك أن تعتني بنفسك أيضا فلم يببقى الكثير كما قلت ونلتقي مجددا
ابنتك
أوجزت ولم تطل الكتابة كثيرا لكي لا تثير شكوك الأب في الرسالة ثم أغلقت حاسوبها واستلقت على السرير وأخذت تحدق في سقف الغرفة ثم أخذت تفكر وتقول
اااه ماذا أفعل هل من الصواب أن تنتحل اسم ابنته لكن لا املك خيارا في ظل وضعيته الصحية لن يتحمل صدمة من حجم أنه فقد ابنته التي يحبها كثيرا وأنا يتيمة أيضا أشعر بشعور جميل يدغدغني وانا العب هذا الدور سأستمر فيه على كل حال ونرى الى اين ستمضي الأمور، قامت من السرير وبدأت في ترتيب اشيائها في الدولاب لتنتبه الى أن قاعدته مهتزة وليست ثابتة أزالتها فإذا بها تجد فراغا تحت القاعدة ومجموعة من الرسائل تركت من يدها كل شيء وأفرغت قاعدة الدولاب من كل الرسائل ثم بدأت تقرأها تباعا حسب تاريخ كل منها
علمت من الرسائل أن الأب يقضي عقوبة بالسجن مدتها خمسة سنوات علمت أنها الإبنة الوحيدة أيضا فلم يتم الإشارة لأي فرد اخر في كل الرسائل التي قرأت انتبهت لشيء زاد استغرابها وتعجبها كثيرا كانت رسالة في تاريخ يعنيها هي أيضا كان يوم ميلادها حيث جاء نص رسالة الأب السجين كالتالي
ابنتي العزيزة جوري الان صرت راشدة وتبلغين الثامنة عشر اسف لأني لم أكن معك دائما اسف لانه عندك أب مثلي تركك صغيرة وحيدة في دار الرعاية الاجتماعية اسف لأنه كان عليك ان تكبري هذه المدة من دون دفئ الأسرة ونعيم الأقارب صحيح أنه ليس لنا الا البعض لكنك الجميع بالنسبة الي اعلم انك الان ستستقرين بمكان اخر فأنت راشدة ودار الرعاية لن تبقى منزلك بعد الان اطلعيني بعنوانك الجديد حتى أتمكن من مراسلتك عيد ميلاد سعيد وعمرك في طاعة الله مديد
والدك
بعد ان انتهت من قراءة الرسالة لم تكد تصدق ما يحدث فحتى هي أتممت الثامنة عشرة من عمرها في نفس الوقت الذي أتممت فيه ابنته جوري نفس السن كل هذه الصدف جعلتها تفكر في لقاء هذا الرجل ففكرت هل تقوم بزيارته في السجن أم تنتظر موعد خروجه هو وتلتقي به. في الأخير قررت أن تنتظر حتى حين موعد الإفراج عنه
مرت الأيام التالية أرسلت فيها ردها وهي تزداد شوقا لمقابلة هذا الرجل الذي لم تعرفه من قبل، وكان هو أيضا من الجهة الأخرى ينتظر الوقت الموعود الذي سيولد فيه من جديد في هذا العالم ويقابل ابنته الذي قتله الشوق للقياها،.
أتى الموعد المنتظر، هي خارج السجن لا تعرف شكله فكل ما تعلمه عن هذا الرجل اسمه، وهو الاخر خارج ليلتقي شخص لم يعد موجودا بعد الان فابنته هند ماتت قبل أيام والتي في الخارج تنتظره ما هي الا شخص رق لحاله وتتظاهر انها ابنته وقفت هي ووقف هو على بعد خطوات منها تعجبت لما نطق اسمها لم يكن جوري ولكن كان جودي وهذا كان اسمها دارت بهما الأرض معا هي تتسائل كيف يعرفها وهو فكر ما سبب قدوم جودي وأين جوري
تمالكت نفسها وقالت بريبة وحيرة بالغتين
-أتعرفني ؟
-نعم أنت ابنتي
-ماذا ؟
نعم أنت ابنتي وتوأم جوري أين هي جوري ؟
لحظة ماذا تعني بأنني ابنتك والدي مات منذ ان كنت صغيرة وعشت مع امي فقط.
لم يحدث شيء من هذا أنا والدك دثت مشاكل لم ننحح بتحاوزها فانفصلنا أنا وامك وانتما رضيعتين وبالتراضي كل واحد منا أخذ واحدة منكما ولم يرى كل منا الاخر حيث رحلنا عن البلدة حينها ولم نعد عاشت معي جوري في حين بقيت انت جودي مع امك عرفتك لأنك تشبهينها كثيرا لكنك لست هي طبعا أين جوري
تلعثمت قليلا وكانت صدمتها بالغة وهي لا تصدق ما تسمع والان فقط عرفت كيف تفسر تحديق ونظرات صاحب الشقة اليها كلما التقته فالتي ماتت كانت أختها التوأم ثم ومع الريبة الكبيرة والصدمة من اثر ما سمعت تمالكت نفسها وقالت
-ألست سعيدا برؤيتي ؟
-بلى طبعا سعيد الا يبدوا علي هذا ؟
احتضنها بحنان بالغ وانهمرت دموعهما معا, بقيا على هذا الوضع لفترة لعلهما يعوضان فراق السنين الطويلة التي مضت وبغمغمة وصوت ممزوج بغصة الحزن والبكاء قالت -قد ماتت أختي منذ ايام
دارت به الدنيا ولم تقوى قدماه على حمله جراء ما سمع ثم بدأ يهز رأسه ينكر ويكذب ما قالت
-كيف يعقل هذا لقد تلقيت رسالتها منذ بضعة ايام فقط
-لقد كنت انا، انتقلت صدفة الى الشقة التي كانت تسكنها فوصلتني رسالتك ووجدت رسائل أخرى، وعندما عرفت وضعيتك الصحية وشوقك لابنتك لعبت دور اختي التي لم أعلم بشأنها حتى الان من أجلك
وقف مجددا وهي تسنده والدموع ما زالت تنهم. من مقلتيهما ثم بصوت مبحوح قال
-الحمد لله على وجودك يا جودي والا لا أعلم ما كان ليحدث لي
لا تخبروا والدتي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق